السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"قضية الكوكايين" ترسم مستقبل الجزائر السياسي

الجيش الجزائري
الجيش الجزائري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الجزائر خلال الأيام السابقة حملة ضد الفساد؛ حيث تمكنت القوات البحرية التابعة للجيش الجزائرى بالتنسيق مع المخابرات الفرنسية والإسبانية كإحدى ثمار التنسيق الأمنى لمكافحة الإرهاب من الكشف عن أكبر قضية تهريب لكميات ضخمة من الكوكايين فى مايو الماضي، وأثارت هذه القضية جدلًا واسعًا لدى الرأى العام الجزائرى نظرًا لشبكة العلاقات الواسعة التى يتمتع بها رجل الأعمال «كمال شيخي» الذى استورد صفقة اللحوم من البرازيل، هرب بداخلها ما حجمه 701 كيلوجرام من الكوكايين، التى أُحبطت فى عرض البحر، وكشفت التحقيقات عن تورط مسئولين كبار فى النظام الجزائرى مع «شيخي». وفجرت هذه القضية حالة الصراع المستتر بين قيادة أركان الجيش وقيادة الأمن الوطني. 
تزامنت الإقالات الأخيرة على مستوى جهاز الأمن العام مع قضية الفساد الكبرى التى تمثلت فى ضبط كمية ضخمة من الكوكايين، وعلى إثر هذه القضية انتشرت تأويلات وشائعات على مستوى الشارع لتشبيك أضلاع مثلث قضية الكوكايين، وحملة الإقالات، ورئاسيات ٢٠١٩ وحاولت الحكومة الجزائرية على لسان وزير العدل طمأنة الشارع أنه لا حصانة للفاسدين؛ حيث اتهم الوزير «الطيب لوح» مسئولين كبارا بالتورط فى ملفات فساد؛ وأنهم تلقوا مزايا من المتهم الأول فى القضية «شيخي» من خلال نشاطه فى العقارات واستيراد وتصدير اللحوم.
جدير بالذكر أن «شيخي» أقام إمبراطورية من شبكات المصالح التى قامت على الرشوة واستغلال النفوذ، وكشفت مستندات القضية عن استغلال «شيخي» علاقاته بمسئول الموارد البشرية بوزارة العدل للتدخل فى التعيينات لدى دوائر النفوذ لحماية أتباعه. 
كشفت التحقيقات أن المتورطين فى القضية لم يكونوا مهربين صغارًا؛ حيث قُدرت الشحنة بـ٤٠ مليون دولار، واكتست القضية أهميتها لأسباب تتعلق بتورط مسئولين وأبناء مسئولين كبار أبرزهم نجل رئيس الحكومة الأسبق، «عبدالمجيد تبون». وتشير بعض التفسيرات إلى أن القيادة السياسية فى الجزائر جادة فى التحقيق فى القضية ليس فقط بسبب صفقة الكوكايين، ولكن أيضًا للإيقاع بما أطلقوا عليها «شبكة شيخي» التى ضمت شخصيات عامة بارزة، بينهم قضاة وأعضاء بالنيابة العامة وولاة وأصحاب شركات تطوير عقارى وأبناء ساسة بارزين. وتلمح التقارير الإعلامية إلى إمكانية تورط مدير الأمن الوطنى «عبدالغنى هامل» فى القضية خاصة بعد الكشف عن تورط سائقه الخاص، ومن بين من تشملهم أنباء التوقيف «عبدالقادر زوخ» محافظ ولاية الجزائر العاصمة، التى تتركز بها أنشطة «شيخي». ونفى «زوخ» أن يكون له صلة بالقضية أو متهمها الأول.
حملة الإقالات وأبعادها السياسية
تميل التحليلات إلى اعتبار الإقالات التى شهدتها المؤسسة الأمنية عادية وروتينية، ورغم ذلك تبرز العديد من علامات الاستفهام أمام إقالات قائد الأمن الوطنى اللواء «هامل» وعلاقة الإقالة برئاسيات ٢٠١٩. ورغم أن القضية الأخيرة متعلقة بفساد المسئولين إلا أنها دخلت فى مناورات الحكومة السياسية تمهيدًا لانتخابات ٢٠١٩ الرئاسية. كشفت تصريحات اللواء «هامل» ضد المؤسسة العسكرية عن حالة صراع مستترة بين أركان النظام الأساسية؛ حيث ألمح فى كلماته إلى تورط أجهزة الجيش من الشرطة العسكرية والقوات البحرية بارتكاب تجاوزات واختراقات فى التحقيقات الأولية لولا يقظة أجهزة القضاء التى أعادت الأوضاع إلى نصابها فى قضية الكوكايين. 
وقال «هامل»: «إن من يحارب الفساد لابد أن يكون نظيفًا»، وأشار إلى أنه سيقدم للقضاء ما بحوزته من أوراق وأدلة خاصة بالقضية.
تنم هذه التصريحات عن حجم الصراع بينه (وهو أحد أبناء القوات المسلحة) وقادة الأركان والأسلحة بالجيش الوطنى وهو ما يعزيه البعض لصراع السلطة بينه وبين قائد الأركان للجيش الوطنى «قايد صالح» خاصة عند النظر إلى حالة التوافق التى يحظى بها اللواء «هامل» فى رئاسيات ٢٠١٩ فى حال عدم ترشح الرئيس «بوتفليقة» لولاية خامسة. وفى هذا الإطار، يحاول «صالح» إبعاد كل من هم ليسوا على خطه السياسى تمهيدًا للدفع به فى رئاسيات ٢٠١٩.
يرى المحللون للأوضاع السياسية الجزائرية أن ما قام به اللواء «هامل» من انتقاد حاد للمؤسسة العسكرية يمثل سابقة لم تحدث من قبل؛ حيث قام بكشف ما يحدث داخل النظام السياسي، وهو بذلك ارتكب أكثر من خطأ؛ أولهم، أفشى صراعات داخلية كان عليه إبقاؤها فى السر، والثانية تتعلق بتستره على مستندات تخص قضايا فساد، والثالثة إعلانه التشكك فى نزاهة أجهزة المخابرات والشرطة العسكرية. وما كان ليمر ذلك بسهولة على الرئيس «بوتفليقة»؛ حيث سارع بإيعاز من قائد الجيش إلى إقالة اللواء «هامل»، ورغم إقالة «هامل» إلا أنه لا يمكن الجزم بانتهاء دوره فى النظام السياسى الجزائري.
صراع الأجنحة 
على صعيدٍ آخر، هناك اتجاه يرى أن حملة الإقالات التى شهدتها المؤسسات الأمنية ليست روتينية خاصة فى توقيتها الذى يسبق مراحل الإعداد للانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٩، وتعتبر هذه التحليلات أن المؤسسة العسكرية فى الجزائر تحاول فرض رؤيتها لهندسة النظام السياسى فى مرحلة ما بعد «بوتفليقة»، بل ويذهب التفسير بعيدًا عن ذلك؛ حيث يعتبر أن إقالة «هامل» مثالًا واضحًا لرفض قيادة الأركان الحديث عن بديل «بوتفليقة» خارج أسوار وزارة الدفاع الوطنى وهو ما يعكس رغبة المؤسسة العسكرية بفرض قائد أركان الجيش الوطنى «قايد صالح» على رئاسيات ٢٠١٩ فى حال عدم تقدم «بوتفليقة» لولاية خامسة، أو على الأقل المشاركة فى تسمية خليفة «بوتفليقة». 
وتقر الاتجاهات المعارضة لهذا التفسير بوجود صراعات داخل أجنحة النظام؛ حيث قالت حركة «مواطنة» التى تضم عدة أحزاب وشخصيات سياسية معارضة فى بيان لها: «قد ظهر للعيان حرب الأجنحة داخل نفس النظام، وهو ما يكشف على جزء من الحقيقة على الأقل، إلا أن الخطر سيظل قائمًا بشأن احتمال تصفية حسابات قد تطول أبرياء أو مسئولين ثانويين فى القضية». من جهتها اعتبرت «حركة مجتمع السلم» (الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين) أن حملات الإقالة تعكس حالة التنافس السياسى على السلطة، وهو ما نتج عنه صراعات تهدد حياد المؤسسات وتبرزها فى هيئة عصب متصارعة. واعتبر حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض أن ما يحدث ما هو إلا تصفية حسابات فى هرم السلطة.