رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صفحات من تاريخ التمدن بالإسلام.. الثورة والخلافة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت بواكير الفكر القومي العربي التي صاغها المعتزلة تجسيدا لموقف القوى الاجتماعية – العربية والتي تعربيت – الرافضة بقبلية البدو وشعوبية الفرس الذين تحركهم المصالح الاقطاعية وتبغضهم في العرب والعروبة، ولقد وضع المعتزلة بفكرهم القومي المستنير الأساس لقوميتنا التي سبقت كثيرا من القوميات.
كانت النزعة العقلانية عند المعتزلة تجسيدا لموقف أمتنا الإيجابي ضد التحدي الذي تمثل في الهجوم الفكري للملل والنحل والمذاهب التي نازلت الاسلام على أرضه بعد عصر الفتوحات، عندما عجز أصحاب النقل والرواية "النصوصيون" عن الوفاء بحق الدفاع عن هذا الدين، ومن ثم عجزوا عن امتلاك الأدوات العقلية الكفيلة بصياغة البناء الحضاري الذي أصبح العرب المسلمون مؤهلين له ومطالبين به من قبل حركة التاريخ.. ولقد أنجز المعتزلة، بنزعتهم العقلية هذه المهام فكانوا الصناع الحقيقيين لما نعتز به الان من تراثنا في هذا الميدان.
كما كان فكر المعتزلة هذا جواب أمتهم وموقفها الايجابي أمام هذه التحديات، كذلك كان نشاطهم السياسي العملي وكانت ثوراتهم التجسيد لرفض القوى الاجتماعية المتقدمة لما أحدثه الأمويون من تغييراتفي طبيعة السلطة العليا للدولة – الخلافة – تلك التغييرات التي بدلت فلسفة الحكم، فبدلا من الشورى والبيعة والاختيار، أصبح وراثة وملكا عضودا.. وعلى هذه الجبهة كان المعتزلة – الحزب السياسي، والنشاط العملي، والمعارضة، والثورة المسلحة – التعبير عن رفض تلك التغييرات، وعن الطموح الى عودة الخلافة الشورية من جديد.
وللمعتزلة الثوار صفحات عدة في سجل الثورة بالمجتمع العربي الاسلامي، وثيقة الصلة بالشورى كفلسفة حكم وتمثيلها لرفض القوى الاجتماعية المتقدمة تلك الردة السياسية التي مثلها ملك بني أمية قياسا على دولة الخلفاء الراشدين.
ومثال على مساهمات المعتزلة في هذه الثورات فقد أسهموا في الثورة التي قادها عبد الرحمن بن الاشعث سنة 85 هجرية ضد الحجاج بن يوسف وخليفته الأموي عبد الملك بن مروان، ومن أعلامهم الذين ذكرت مصادر التاريخ اسهامهم في هذه الثورة: معبد الجهني، والجعد بن درهم، وسعيد بن أبي الحسن شقيق الحسن البصري.. إلخ.
وساهم المعتزلة أيضا في الثورة التي قادها الحارث بن سريج ضد هشام بن عبد الملك سنة 116 هجرية، وكان من مطالب هذه الثورة أن يعود الأمر "نظام الخلافة" شورى وأن تغير العمال وان تعزل الشرطة وان يشترك الناس في اختيار الولاة.
كانت أولى الثورات التي قادها المعتزلة، وعقدت البيعة بالامامة فيها لامام منهم هي تلك التي قادها زيد بن علي (79 – 122 هجرية)، بالكوفة ضد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 122 هجرية ولقد تضمن نص البيعة في هذه الثورة منها:
التصدي للظلم وجهاد الظالمين
الدفاع عن المستضعفين المظلومين
توزيع الأموال بالعدل والمساواة بين المستحقين لها
اغلاق المعسكرات الحربية (المجامر) التي حشد الأمويين فيها الرجال بدعوى الفتح والغزو، بينما كان الهدف الحقيقي من اقامتها فتح الجبهات الخارجية التي تصرف الناس عن الوضع المتردي في العاصمة دمشق والولايات والأمصار
الانتصار لآل البيت الذي بلغ التنكيل بهم على يد الأمويين حد المأساة.
وهناك ثورات اخرى متعددة قام بها المعتزلة أو شاركوا فيها مثل ثورة يزيد بن الوليد والتي كانت أول ثورة تقوم بالشام، معقل الأمويين وقادها أمير أموي هو يزيد بن الوليد (86 – 126 هجرية)، وكان أغلب ثوارها وجمهورها من معتزلة الشام وقد أطاحت هذه الثورة بحكم الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، وبعد انتصار الثورة أعلن يزيد بن الوليد العودة بمنصب الخلافة إلى فلسفة الشورى، وقرر حق الناس في تبديل الخليفة عندما يريدون، كما أعلن العدل بين الناس مسلمين وغير مسلمين، "حتى يكون أقصاهم كأدناهم، وحتى تستدر العيشة بين المسلمين".
ثم تلتها ثورات عدة شارك فيها المعتزلة على مدار قرنين من الزمان، وكانوا بذلك أمناء وأوفياء لموقفهم الفكري، المنحاز للثورة كطريق لتغيير الظلم والنهي عن المنكر وإزالة أئمة الجور والفسق والضعف والفساد.