الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإله منبع العدل والخير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من اليسير تعليل وجود «الشر» فى المعتقدات الوثنية التعددية بأنه نتاج تناقض أهواء الآلهة ومقاصدها، أو بأنه نتيجة طبيعية لوجود آلهة خيرة وأخرى شريرة. أما فى المعتقد التوحيدى، فإن الإيمان بإله واحد هو علة الوجود والمتحكم بجميع مظاهره، وهو منبع العدل والخير، يجعل مشكلة وجود الشر فى العالم دون حل؛ أو على الأقل تغدو، هذه المشكلة، بمثابة المهمة الأولى الملحة أمام الإنسان الذى يؤمن بوحدانية الله. كما أن محاولة الإجابة عن أسئلة مثل: كيف ينشأ الشر عن الخير؟ أو لماذا يسمح الخير المحض بوجود الشر؟ هى التى حددت موقع هذا المعتقد من المعتقدات الأخرى، ورسمت تصوره الخاص لبنية الحقيقة؛ ولعلاقة الله بالكون والإنسان.
ولقد ظهرت أربعة اتجاهات لحل هذه المعضلة:
الاتجاه الأول يستبعد أى قوة حرة ومسئولة يمكن أن يُنسب إليها وجود الشر. وينجم عن ذلك منطقياً أن يُنسب الشر إلى الله مثلما يُنسب الخير إليه، فهو صانع الخير وصانع الشر أيضاً، يسيرهما وفقاً لخطة خفية بعيدة عن أذهان البشر. وهذا هو المعتقد النورانى الذى يعبر عنه النبى «أشعيا» كأوضح ما يكون فى قوله على لسان «يهوه»: «أنا الرب وليس آخر، لا إله سواى. نطقتك وأنت لم تعرفنى. لكى يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها أن ليس غيرى. أنا الرب وليس آخر، مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر. أنا الرب صانع كل هذا». (أشعيا - الإصحاح ٤٥ ٥ ٧).
الاتجاه الثانى، يجعل من الله كياناً مفارقاً يسمو فوق الخير والشر، لكنه رغم سموه يقف إلى جانب الخير ويدعمه فى مقابل الشر. وهذا هو المعتقد الزرادشتى، الذى رأى أن الخير والشر ظهرا إلى الوجود نتيجة خيار حر، عندما صدر عن الواحد الأزلى روحان توأمان اختار أحدهما الخير واختار الآخر الشر؛ ودخلا فى تنافس وصراع.
أما الاتجاه الثالث، فيتصور وجود أصلين أزليين لا أصل واحدا، وهما الله والمادة. فالله روح بحت ونور صرف، والمادة كثافة مطبقة وظلمة دامسة. وهذا هو المعتقد المانوى.
ويؤكد الاتجاه الرابع على الأصل الواحد للوجود وعلى وحدانية الله وخيره وعدله، إلا أنه يعزو الشر إلى شخصية كبرى مخلوقة من قِبَل الله أعطاها الحرية منذ البدء، فقامت بكل وعى برفض التبعية لخالقها والاستقلال عنه. ولما كانت غير قادرة على ممارسة دور الإله نفسه، فقد قررت أن تلعب دور المعارض والمناقض لإرادته تعالى؛ وعملت على إفساد خلق الله: «الإنسان»، الذى هو مركز الخليقة وسيد الأرض. وهكذا ظهر «الشيطان» Devil وظهر «الشر» إلى الوجود وتأصل فيه منذ بدء التكوين. وهذا هو المعتقد المسيحى والإسلامى. 

من كتاب [العدل الإلهى.. "دراسة فى فكر ليبنتز والمعتزلة"]