السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البحث العلمي ضرورة للتطور والتقدم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتفق العلماء والباحثون أن البشرية ما كان لها أن تبلغ مراحل حضارية متقدمة، لولا اعتماد الإنسان على الملاحظة والبحث والاستقراء ثم الاستنتاج، مستفيدًا من طاقاته العقلية والجسدية، ما أتاح له القدرة على التأمل.
لقد كان الإنسان، وما زال، حريصًا على ضمان آمنه واستقراره، فالحاجة إلى الأمن والطمأنينة تمليها غريزة حب الحياة وضمان استمرارية النوع.
تاريخيًا، ارتبطت البدايات الأولى للتفكير العلمى مع تطور الفكر الاجتماعي، إذ تأكد أنه كلما تطور الإنسان اجتماعيًا، ارتقت قدراته الفكرية، ولذا، ظهرت بواكير التفكير العلمى عند فلاسفة اليونان والرومان القدماء، إذ قادهم التأمل إلى الاستنباط، ثم إلى الفلسفة التى قاد سيرتها أفلاطون (الذى جاهد لبناء جمهوريته الفاضلة)، وجاء بعده أرسطو ورهط من الفلاسفة الذين أسسوا مدارس واتجاهات فلسفية، تراوحت بين «الفكر المثالى التأملي»، و«الفكر البراغماتى الواقعي». وفى مراحل لاحقة من تاريخ التفكير الاجتماعي، برزت اتجاهات جديدة ساعدت على التوصل إلى سلسلة من القوانين (فأرشميدس أوصلنا إلى قانون الطفو، وجاليليو ساعد على فهم الجاذبية الأرضية).
إن تقدم البحث العلمى فى مراحل تاريخية ارتبطت بالتطور الحضارى للجنس البشرى، عكف عليها الإنسان، وقدم تضحيات جسيمة انتهت بإنجازات رائعة، ساعدت الإنسان على البقاء على سطح الأرض، يوضح كيف أن البحث العلمى ساعد الإنسان على إيجاد حلول للمصاعب والمشكلات التى كانت وما زالت تواجهه، فضلًا عن تفسيره للعوامل المسببة للظواهر الطبيعية أو الاجتماعية. إن المجتمعات التى تقدمت مسيرة الحضارة، هى المجتمعات التى استطاعت أن توظف البحث العلمى على أوسع نطاق، مجتمعات أدركت أن السير الاعتباطى والعفوى لوتيرة الحياة، لا يوصل إلى نتائج محققة.. بينما إخضاع الظواهر والمشكلات للدراسة والتحليل، يقود حتمًا إلى حلول حتمية.
هذا يعنى أن وظيفة البحث العلمى ساعدتنا عبر المنهجية العلمية، على قراءة الواقع الاقتصادى والاجتماعى والسياسي، قراءة علمية تمكننا من الاستقراء والتحليل وصولًا للنتائج، بل إن البحث العلمى يتجاوز دراسة الواقع إلى التنبؤ باتجاهات ومسارات المستقبل.
وقد أشار إلى ذلك علماء «المستقبليات»، الذين اعتمدوا على الرصد العلمى لمسار الظواهر الحالية، والاستفادة منها مستقبلًا، وهو اتجاه جديد تبناه العديد من مراكز البحث والدراسات العلمية.
لقد بات إنشاء مراكز علمية للبحوث المتخصصة، أحد هموم الدول التى دخلت سباق التطور، معتمدة على إسهامات العلماء والمفكرين وطلاب الدراسات العليا، الذين تتوفر لهم الإمكانات والفرص لقراءة المستقبل. لأن علم المستقبليات يتحدد بالمستوى الحضارى لأى مجتمع، ويقاس بمقدار الإنجازات العلمية التى تتحقق وتسهم فى حركة التطور، كما أن التقدم العلمى يمكن قياسه أيضًا بمدى تشبع أفراد المجتمع بروح العلم، تفكيرًا وبحثًا وتخطيطًا وإبداعًا.
ولعل من أهم خصائص العلم، أنه يتصف بـ «الموضوعية والحيادية». فالموضوعية هى نقيض الانحياز والذاتية، والحيادية، هى أن ندرس الظاهرة ونراها كما هى فى الواقع، دون أى ارتباطات ذاتية.
أما الرؤية المستقبلية، فهى تعبر عن جوهر التفكير العلمي، لأن من خصائص العلم أن يساعدنا على التنبؤ الموضوعى بمسارات الظواهر. والعلوم، سواء الطبيعية أو الإنسانية، إنما تكتسب قيمتها بقدر استشرافها للمستقبل، ذلك أن استقراء الماضى يبدو كضرورة علمية تمامًا، مثل استقراء الحاضر، إلا أن الوقوف عند ذلك لا يعنى شيئًا إذا لم يبشر برؤية موضوعية للمستقبل. لذا، فإن الاهتمام بالمستقبليات أصبح من أهم الموجهات العلمية فى العصر الحديث، لأن تسارع حركة التغيير الاجتماعي، خصوصًا فى عصر تدفق المعلوماتية والفضاء المفتوح، أصبح يحتم على كل الجهات المعنية بصنع القرار، السعى لاستباق الظواهر فى محاولة للتنبؤ بمساراتها.
إنها مهمة ظرفية أصبحت أكثر إلحاحًا، فلم يعد ثمة مكان لصانع قرار لا يملك رؤية استشراقية لملامح الغد.
إن العالم يتغير من حولنا بسرعة مذهلة، بحيث أصبح المستقبل وشيكًا دائمًا، ولا بد من الاستعداد له عبر بوابة البحث العلمي.
وبذلك يمكن تجاوز «فجوة التخلص من الفقر المعرفى»، التى وردت فى تقرير التنمية البشرية، الذى صدر عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، فليس المهم إجراء البحوث والتوصل إلى نتائج وتوصيات تخرج بها نتائج تحليل البيانات، ولكن الأهم استحداث الآلية التى تتبنى توصيات الأبحاث والدراسات التى توصلت لها البحوث. لكل ما تقدم، ثمة حاجة لتفعيل توصيات المؤتمرات التى تشارك فيها الدول داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن نتائج الأبحاث والدراسات التى تُكتب هنا وهناك، وإدخالها حيز التنفيذ للاستفادة منها عند صنع القرار.
وفى رأيى أن البحث العلمي، سواء النظرى أو الميداني، يعتبر أهم وسائل صنع المعرفة والتقدم، وسيبقى خيارنا الوحيد لوضع خططنا الاستراتيجية على أرض الواقع، من خلال تبنى المنهجية العلمية، والاعتماد على البحوث والدراسات العلمية، حتى نلحق بركب الأمم التى سارعت الخطى فى اتجاه الريادة والتميز فى مجال البحث العلمي.
نقلًا عن «البيان» الإماراتية