الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي يكتب: الانتهازيون "4" .. رحلة صعود الإخوان إلى الهاوية

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم على
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رحلة الإخوان بدأت من المجهول، ولا بد أن تنتهي إليه، الصعود كان مفاجئًا بشكل لا يشبه «السقوط».. الهاوية.. الحفرة التى وقعت فيها الجماعة بعدما طردت من رحمة المصريين، وستظلّ طريدة إلى ما شاء الله.

لن تجد الجماعة الرحمة فى عين أحد، ليس لها حبيب ولا غالٍ، ولا وطن، الذاكرة الشعبية لن تتذكر لها إلا ما ارتكبته من مذابح فى الشارع.. الاتحادية، ومكتب الإرشاد، ورابعة، والنهضة.. محمد مبروك، والحسينى أبو ضيف، وجابر صلاح «جيكا». لن يكون لـ«الإخوان» شهيد تذكره الجرائد بالخير، رفعوا شعار «شهداؤنا فى الجنة، وقتلاهم فى النار».. فلم يدخلوا النار فقط، بل أصبحوا هم حطب جهنم.. التى لم تحرقهم فقط، ولكن حرقت أصدقاءهم، وأعوانهم، وحلفاءهم، فى مصر، وخارجها.. «6 إبريل» و«الاشتراكيين الثوريين» والأمريكان، وغلمان قطر، والخروف التركى، أردوغان. الانتهازيون.. ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، كما قال مرشدهم الأول والأعلى، حسن البنا، رحلة صعودهم انتهت.. فئران فارّة إلى جحورها أو هاربة إلى قطر، أو محبوسة فى السجون، قصتهم مع «الحزب الوطنى» ليست أقصى ما فعلوه، ليست أفدح ما عندهم، منذ أن كان الحزب الوطنى وطنيًا حتى تحوّل إلى حزب يقود مصر إلى «الخراب».. أو ما وصلت إليه فى «25 يناير».. مرورًا بالحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة، كانت لهم قصص وأسرار تأتى فيما بعد لن تقرأها إلا فى سياق الانتهازية الدينية قبل السياسية.. ستعرف إجابة صريحة لسؤال:

كيف دخل «الإخوان» التاريخ من باب «الخدّامين»؟

يذهب كثير من المؤرخين والدارسين لمسيرة الإخوان، على الصعيدين التنظيمى والحركى، إلى اعتبار أن نهايات ثلاثينيات القرن الماضى وحتى منتصف أربعينياته تعتبر فترة من أكثر فترات الزخم والتنامى فى تاريخ الجماعة. «الفترة من ١٩٣٨ وحتى عام ١٩٤٥ تعد من أخصب فترات دعوة الإخوان، وقد شهدت بدايات أهم وسائل التربية عند الجماعة، كما شهدت أول محنة تتعرض لها الدعوة من خارجها، كما شهدت إعادة هيكلة كاملة لتنظيم العمل الإدارى والقانونى الداخلى، ورغم ظروف الحرب العالمية الثانية وضغوطها ووجود الاحتلال، وفرض الأحكام العرفية.. فإن الإمام البنا استطاع أن يحقق معظم إن لم نقل كل ما أراد من تلك المرحلة التى سماها مرحلة التكوين». (جمعة أمين: ج٥، ص ٧) هذا ما يسجله مؤرخ الجماعة أمين عبد العزيز فى كتابه «أوراق من تاريخ الإخوان».

 مصر.. مؤثرات ما بعد الحرب العالمية الثانية:

تركت الحرب العالمية الثانية جملة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية، ليس فقط على الدول التى شاركت فيها بجيوشها، بل على كل بلدان العالم. ومصر، التى كانت بشكل غير مباشر، وأحيانا كثيرة بشكل مباشر، متأثرة بتلك الحرب، شهدت واقعا متغيرا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، «كشفت نهاية الحرب الغطاء عن المشاعر المتأججة التى ظلت تحتدم طويلا فى ظل ضوابط وقيود قانون الأحكام العرفية، وكان اغتيال أحمد ماهر، رئيس الوزراء هو أول تعبير واضح عن هذه الحقيقة، كذلك كان للأثر المباشر للحرب نفسها على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمصر نتائجه المتنوعة فيما يتعلق بالقوة الدافعة للحركة الوطنية واتجاه هذه الحركة». (ريتشارد ميتشل، ص ٦).

وعلى صعيد الظروف السياسية بعد الحرب أدى عدم حل قضية الاحتلال البريطانى لمصر لبداية مرحلة نضالية جديدة للقوى الوطنية ضد بريطانيا، فقد بادر الوفد باتخاذ موقف حينما أحال مذكرة إلى السفير البريطانى حول تطلعات وطموحات الشعب المصرى.. وأعرب الإخوان عن موقفهم بالدعوة إلى «مؤتمر شعبى» يعقد بالقاهرة وسبعة مراكز رئيسية فى الأقاليم فى بداية أكتوبر ١٩٤٥ لمناقشة القضية الوطنية ولتحديد وصياغة المطالب، موجهين بذلك أنظار الوفد والحكومة والبريطانيين إلى الدور الطموح والشامل الذى تتوقع لنفسها أن تلعبه. (المرجع السابق، ص ٧٧).

وعلى صعيد الأوضاع الاجتماعية فى مصر، مع نهاية الحرب، فقد احتلت المشكلات الاجتماعية مكانة بارزة وحظيت الأفكار الاشتراكية، بل والشيوعية، بانتشار سريع وخاصة فى المدن.. «وتكونت الخلايا الشيوعية وأخذت صحف سرية لم يطل بأى منها الأمد تبشر بالماركسية وتدفع العمال للمطالبة بألا تزيد ساعات العمل الأسبوعى على أربعين ساعة وتحثهم على المطالبة بمشاركة أصحاب الأعمال فى أرباحهم». (مارسيل كولومب: تطور مصر، ص ٢٨٥).

فى ظل هذه الظروف، وفى درجة عالية من النشاط السياسى الذى اعترى كل القوى السياسية والاجتماعية فى المجتمع المصرى، انعقد اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد فى ٨ يوليو ١٩٤٥ للإخوان، والذى قرر تحويل اسم الإخوان من «جماعة الإخوان «إلى هيئة الإخوان العامة».. ولفظ هيئة كان وقتها مرادفًا للفظ «حزب».

وإذا كان البنا قد أعلن فى المؤتمر الخامس (١٩٣٩) أن الإخوان هيئة سياسية، فإنه لم يعترف قط أن هذا يعنى أنها «حزب سياسى»، إلا أن التحول فى مواقف البنا من تلك القضية حدث فى مؤتمر ١٩٤٥ حيث «أزال هذه المواربة وأعلن دون أى تردد أن الإخوان قد أصبحوا حزبًا سياسيًا وبذلك يكون قد أشهر حزبية الدعوة لأول مرة». (موسوعة الأحزاب والحركات، ص ٨٠». 

استكمال الصياغة التنظيمية للإخوان:

بدأت الإجراءات لوضع أول لائحة تنظم وتقنن نواحى العمل فى جماعة الإخوان طبقا لأقوال حسن البنا بين عامى ٣٠/١٩٣١، وفى ٨ سبتمبر ١٩٤٥ أقرت الجماعة قانونًا معدلًا قدمه حسن البنا وأطلق عليه «قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان العامة». (ريتشارد ميتشل، ج٢، ص ١٣).

وقد ظل قانون النظام الأساسى الذى أقره المؤتمر الدستور السائد، رغم بعض التعديلات التى طرأت عليه عام ١٩٤٨، ثم عام ١٩٥١، وبرصد هذا القانون يمكن تحديد الهرم التنظيمى من الأعلى إلى الأدنى كالآتى (الهيئة التأسيسية مكتب الإرشاد العام المكاتب الإدارية المناطق الشعب الأسر). وقد راعى القانون أن يكون اتصال هذه المراتب فيما بينها عن طريق التسلسل طرديًا أو عكسيًا، وباستثناء الهيئة التأسيسية فإن جميع هذه المراتب تتشكل بالانتخاب السرى من مؤتمراتها باستثناء رؤسائها فقد منح القانون مكتب الإرشاد العام حق تسميتهم فى حال عدم تمكن هذه المراتب من اختيار رئيس يحظى بموافقة مكتب الإرشاد. (جمعة أمين مصدر سابق، ج٥، ص ٢٠).

وحرص القانون التنظيمى على تحديد مسئوليات كل مستوى وأسلوب تشكيله: تمثل الشعب الوحدة التنظيمية الأدنى، وتشكل فى كل قرية أو بلدة وتتفرع إلى أسر أو خلايا، ويتألف من مجموع الشعب فى المنطقة الإدارية مجلس إدارة المنطقة الذى يتألف من رؤساء الشعب ومن مندوبين عن المكتب الإدارى والشعب واللجان النوعية، كما يتألف من رؤساء المناطق وأعضاء الهيئة التأسيسية فى الدائرة ومندوبى اللجان النوعية الفرعية المكتب الإدارى الذى يضطلع هنا بوظيفة قيادة فرع أو منطقة على مستوى المحافظة. ويضم المكتب الإدارى مندوبًا عن مكتب الإرشاد لا يحق له التصويت، ثم يأتى مكتب الإرشاد العام فالجمعية التأسيسية.

تمثل الهيئة التأسيسية مجلس الشورى العام، وتضطلع فعليا بوظائف مؤتمر عام ولجنة مركزية. إلا أن هذه الهيئة ليست منتخبة بل معينة من الإخوان الذين سبقوا بالعمل للدعوة، ويتم بقرار منها بالإجماع ضم أى عضو إخوانى مثبت يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات وأتم الخامسة والعشرين من عمره إلى عضويتها، على ألا تزيد نسبة الأعضاء الجدد سنويا على عشرة أعضاء، وأن يراعى فى اختيارهم التمثيل المتوازن للمناطق.

تجتمع الهيئة التأسيسية دوريا فى أول شهر من كل عام هجرى، كما يمكنها أن تجتمع استثنائيا بطلب من المرشد العام أو من مكتب الإرشاد العام أو من عشرين عضوا من أعضائها. وتنتخب الهيئة التأسيسية المرشد العام ومكتب الإرشاد العام والوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق بالاقتراع السرى، ويكون اجتماعها نظاميا إذا حضرته الأغلبية المطلقة (النصف زائد واحد) إلا فى الحالات التى اشترط لها نظام خاص. ويشترط فيمن يرشح لعضوية مكتب الإرشاد أن يكون عضوا فى الهيئة التأسيسية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وألا يقل عمره عن ثلاثين عاما، على ألا يتجاوز عدد أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبين اثنى عشر عضوًا، وأن يكون ثلاثة أرباعهم (٩ من أصل ١٢) من إخوان القاهرة، كما اشترط بالوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق أن يكون من إخوان القاهرة. وتم تحديد الدورة الانتخابية لمكتب الإرشاد العام بعامين، وتناقش الهيئة التأسيسية سنويا تقرير مكتب الإرشاد والتقرير المالى. وقد لوحظ فى رئاسة اجتماع الهيئة التأسيسية فتح الباب أمام إمكانية أن يترأسه أكبر الأعضاء سنا فى حال اعتذار المرشد العام واعتذار وكيله. (موسوعة الأحزاب والحركات، ص ٨٣).

أما المركز العام للإخوان فيتألف من الهيئة الفنية والأقسام الرئيسية والوحدات المنفذة والهيئة الإدارية. وتتألف الهيئة الفنية من لجان استشارية تقنية (مالية وسياسية وقضائية وإحصائية وخدماتية وإفتائية وللصحافة والترجمة)، أما الوحدات المنفذة فيقصد بها الهيئات التنظيمية المتسلسلة فى حين يقصد بالأقسام الرئيسية المكاتب القطاعية وعددها تسعة مكاتب (نشر الدعوة العمال والفلاحون الجوالة الأسر الطلبة التربية البدنية الاتصال بالعالم الإسلامى الأخوات المسلمات) ثم «قسم المهن» الذى يتفرع إلى تسعة فروع (الأطباء، المهندسون، القانونيون، المعلمون، التجاريون، الزراعيون، الاجتماعيون، الصحفيون، الموظفون). فى حين تشمل الهيئة الإدارية موظفى الجهاز البيروقراطى الحزبى فى المركز العام، بمن فيهم موظفو الخزينة والمبيعات. (المرجع السابق، ص ٨٤).

 مؤتمر ١٩٤٥ وبروز الوجه السياسى:

كما كان (مؤتمر ١٩٤٥) نقطة تحول فى مسيرة الإخوان على الصعيد التنظيمى والحركى، فقد كان أيضا محطة مهمة ونقطة تحول على الصعيد السياسى.. فقد برز فى هذا المؤتمر، خاصة فيما طرحه عليه حسن البنا من تصورات وسياسات مستقبلية لتحرك الإخوان «التوجه السياسى».

«طرح البنا فى المؤتمر الرؤية السياسية لهيئة الإخوان العامة»، وتتلخص هذه الرؤية فى رسم الاستراتيجية السياسية خلال المرحلة القادمة بإقامة «الحكومة الإسلامية» فى كل قطر إسلامى، والتى عليها أن تحترم فرائض الإسلام وشعائره وأن تلزم كل موظفيها بأدائها، وأن تحرم الموبقات كالخمر والزنا والقمار والكسب الحرام، وأن تؤسس التعليم على التربية الإسلامية والوطنية واللغة العربية، وأن تغدو الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون». (حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، ص ٢٦٧).

حسن البنا فى ١٩٤٥ يطرح مشروع إقامة «حكومة إسلامية» فى كل قطر، مخالفا لقرارات المؤتمر الثالث للإخوان ١٩٣٩، والذى طرح فكرة «الخلافة الإسلامية» واعتبرها فى رأس منهاج الجماعة، «لعل ذلك يعود إلى أن البنا نفسه كان يعتبر إقامة الخلافة ثمرة مراحل عديدة من التنسيق والعمل والتعاون ما بين الحكومات الإسلامية، وكان يرى أن تحقيق الخلافة غير ممكن فى هذه الظروف».

وعلى ذلك لم يطرح استعادة الخلافة كهدف مباشر للإخوان، خاصة مع ما كانت تشهده مصر والعالم من متغيرات سياسية وفكرية وثقافية عقب الحرب العالمية الثانية، وهو ما أكده ريتشارد ميتشل، حيث يرى البنا أن الحديث عن إقامة الخلافة هو أمر بعيد عن الوضوح، وأنه يحتل موقعا بعيدا فى المستقبل بحيث يصبح غير ذى معنى الآن. (موسوعة الأحزاب مصدر سابق، ص٨١).

 المحنة الأولى: حل الجماعة واغتيال البنا:

شهدت الأعوام الثلاثة التى أعقبت المؤتمر العام للإخوان فى ١٩٤٥، تناميا ملحوظا للجماعة على المستوى التنظيمى والحركى والفاعلية السياسية، وتشابكت خيوط العلاقات الإخوانية مع القوى والأحزاب السياسية والقصر، وشهدت تلك الفترة تزايد وتيرة المنافسة والعداء بين حزب الوفد والإخوان.

وزاد التوتر فى تلك العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع ما ظهر من تقارب بين الجناح التقدمى فى الوفد والذى حظى بنفوذ داخل الحزب وصحافته بالأخص فى محيطه الشبابى والطلابى.. والقوى اليسارية من الاشتراكين والشيوعيين الذين اتسع مجال نفوذهم فى المجتمع المصرى، خاصة بين صفوف العمال والطلاب والمثقفين، وحدث نوع من التحالف والتنسيق بين الوفد واليسار خاصة فى الجامعات. ورغم حدوث تقارب بين الإخوان وحكومات الأقلية التى تعاقبت على الحكم عقب الحرب العالمية الثانية (السعديين والمستقلين) فى المواجهة الشاملة والشرسة التى أقدمت عليها تلك الحكومات، خاصة حكومة إسماعيل صدقى فى مواجهة الشيوعية والخطر الشيوعى، وبما عرف من عداوة الإخوان الصارمة للشيوعية.. إلا أن البنا، خلافا لسنوات سابقة، وافق صراحة أو ضمنيا على استخدام الجماعة فى المواجهات الدائرة بين الوفد والقصر، كان طموحه أمام تنامى الجماعة واتساع نفوذها أن يلعب منفردا وفقا لمصالح الجماعة أولا: «وفيما يختص بالبنا كان هناك بٌعد آخر، فبعد أن وجد الآن التنظيم القوى الذى يؤيده أصبح فى مقدوره لا أن يدافع بحزم عن الأهداف التى كرس لها كل طاقاته فحسب، إصلاح مصر من خلال تحويلها إلى مجتمع إسلامى حقيقى وإجلاء البريطانيين، بل أصبح فى مقدوره أيضا أن يفكر بتحديد أكثر فى الوسائل التى تلزم لتحقيق تلك الأهداف». (ريتشارد ميتشل مصدر سابق، ص ٧٢». أى أن يسعى للوصول إلى السلطة والمشاركة فيها.

وفى ظل هذا المناخ الملتهب سياسيًا وصراع الفرقاء بين قوى سياسية لها رصيد ونفوذ فى الشارع (الوفد الإخوان الشيوعيين) والقصر وأحزاب الأقلية التى يسند لها الملك تشكيل الوزارات، ومع بداية استخدام الإخوان لتنظيمهم الخاص المسلح والذى جعل منهم قوة سياسية ذات جناح عسكرى. وكانت عمليات اغتيال القاضى الخازندار والسيارة الجيب وقمتها اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى عقابا له على قراراه الحاسم بحل جماعة الإخوان، والذى جاء تعبيرا عن مخاوف جدية تولدت عند الحكومة من احتمال قيام انقلاب إخوانى عسكرى يطيح بالعرش مع تصاعد العمليات شبه اليومية للجهاز السرى للإخوان، والذى رأت فيه الحكومة إسقاطا لهيبة جهاز الدولة الأمنى، وبررت الحكومة قرار حل تنظيم الإخوان بدعوى تشكيل فريق منها لعصابة إجرامية «الجهاز السرى».

وكان النقراشى بما عرف عنه حازما وحريصا على تنفيذ إجراءات الحل بصرامة، وفشلت معه كل المحاولات التى حاولها حسن البنا للحوار والتهدئة، مثل عرضه (أى البنا) على القصر بتحول الجماعة إلى جمعية دينية تكون عونا كبيرا للملك والعرش فى مقاومة الشيوعية «غير أن الملك كان قد فقد آخر ثقة له بالبنا، ولم يجد فى هذا العرض إلا أسلوبا من أساليب الشيخ التقليدية فى المراوغة والخداع وقد سبق للملك، منذ نهاية عام ١٩٤٤ على الأقل، أن اتهم البنا بالمراوغة والخداع» (موسوعات الحركات، ص ١٣٩).

وأمام عنف الضربات التى تلقتها الجماعة من إجراءات الحكومة بحلها، ازداد نفوذ الجهاز السرى، كما أن البنا الذى سبق له أن انتقم من أحمد ماهر باشا عام ١٩٤٥ باغتياله لإسقاطه مرشحى الجماعة فى الانتخابات النيابية، ربما فكر فى استخدام الدواء نفسه مع النقراشى.. وهكذا تقدم شاب يرتدى ملابس ضابط شرطة برتبة ملازم أول من النقراشى باشا فى ٢٨ أكتوبر ١٩٤٨ فى وزارة الداخلية وأرداه قتيلا.. وقد حدد الشاب دوافعه فى أن النقراشى خائن للوطن ومتهادن فى قضية فلسطين ويحارب الإسلام وحل جماعة الإخوان وإن أنكر أى صلة له بالجماعة. إلا أن البيان الذى أصدره حسن البنا «بيان للناس»، والذى أدان فيه الجريمة ومرتكبيها ووصفه للاغتيال بـالحادث المروع وللنقراشى «بأنه مثل طيب للنزاهة والوطنية والعفة» جعل قاتل النقراشى ينهار ويعترف بمسئولية الجماعة!!!

وتصاعدت الأحداث ونفذ الجهاز السرى للإخوان محاولة نسف محكمة الاستئناف للتخلص من الوثائق والمستندات التى تم ضبطها فى «السيارة الجيب» والتى تدين الإخوان، وأصدر البنا بيانه الشهير «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، وتعطلت كل محاولات وفرص التفاهم بين البنا والحكومة. وهكذا، تم استدراج البنا إلى المركز العام لجمعية الشبان المسلمين بحجة مواصلة المفاوضات والحوار مع الحكومة. وتم اغتياله مساء السبت ١٢ فبراير ١٩٤٩. وواصلت السلطات اعتقال كوادر الجماعة ومداهمة أوكار الجهاز السرى، الذى حاول بدوره اغتيال رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادى، ولم تخف حدة المواجهة/المحنة إلا بقرار الملك إقالة حكومة إبراهيم عبد الهادى فى يوليو ١٩٤٩. (المرجع السابق، ص ١٤٢) وإلى لقاء.