السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبد الرحيم علي يكتب الانتهازيون "3".. رحلة صعود الإخوان إلى الهاوية

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رحلة الإخوان بدأت من المجهول، ولا بد أن تنتهى إليه، الصعود كان مفاجئًا بشكل لا يشبه «السقوط».. الهاوية.. الحفرة التى وقعت فيها الجماعة بعدما طردت من رحمة المصريين، وستظل طريدة إلى ما شاء الله.

لن تجد الجماعة الرحمة فى عين أحد، ليس لها حبيب ولا غالٍ، ولا وطن، الذاكرة الشعبية لن تتذكر لها إلا ما ارتكبته من مذابح فى الشارع.. الاتحادية، ومكتب الإرشاد، ورابعة، والنهضة.. محمد مبروك، والحسينى أبو ضيف، وجابر صلاح «جيكا». لن يكون لـ«الإخوان» شهيد تذكره الجرائد بالخير، رفعوا شعار «شهداؤنا فى الجنة، وقتلاهم فى النار».. فلم يدخلوا النار فقط، بل أصبحوا هم حطب جهنم.. التى لم تحرقهم فقط، ولكن حرقت أصدقاءهم، وأعوانهم، وحلفاءهم، فى مصر، وخارجها.. «6 إبريل» و«الاشتراكيين الثوريين» والأمريكان، وغلمان قطر، والخروف التركى، أردوغان. الانتهازيون.. ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، كما قال مرشدهم الأول والأعلى، حسن البنا، رحلة صعودهم انتهت.. فئران فارّة إلى جحورها أو هاربة إلى قطر، أو محبوسة فى السجون، قصتهم مع «الحزب الوطنى» ليست أقصى ما فعلوه، ليست أفدح ما عندهم، منذ أن كان الحزب الوطنى وطنيًا حتى تحوّل إلى حزب يقود مصر إلى «الخراب».. أو ما وصلت إليه فى «25 يناير».. مرورًا بالحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة، كانت لهم قصص وأسرار تأتى فيما بعد لن تقرأها إلا فى سياق الانتهازية الدينية قبل السياسية.. ستعرف إجابة صريحة لسؤال:


كيف دخل «الإخوان» التاريخ من باب «الخدّامين»؟

*هكذا نشأ سرطان الإخوان.. وانتشر

كانت النواة الأولى لتأسيس جماعة الإخوان فى مدينة الإسماعيلية، وكانت الخلية الأولى أو ما أطلق عليهم «الإخوان الستة»، والتى مثلث بذرة الجماعة، وكانت البدايات ذات طابع تربوى تهذيبى أخلاقي، وإلى ذلك يشير مؤرخ الإخوان جمعة أمين عبد العزيز فى كتابه «أوراق من تاريخ الإخوان»: «وكان حسن البنا حريصا على أن يضع منهجا دراسيا للمجموعة التى يلتقى بها فى مدرسة التهذيب، فاشترى لهم مجموعات من الكتب الدينية، بالإضافة إلى مصاحف وزعها على كل من التزم المواظبة على تلقى الدروس، وحفظ القرآن الكريم».

على ذلك.. يمكن اعتبار فترة الإسماعيلية (٢٨ – ١٩٣٢) بمثابة الطور التأسيسى لجماعة الإخوان، اختبر فيه حسن البنا بشكل ملموس فاعليته القيادية، وتمكنت الجمعية -خلال هذه الفترة- من تكوين عدة شعب على طول الجنب الشرقى للدلتا (الإسماعيلية – بورسعيد – السويس)، وعلى الجانب الغربى (المحمودية – شبراخيت)..

* الإطار التنظيمى والحركى:

ومن هنا تعتبر هذه الفترة بمثابة الطور الأول فى مسيرة الجماعة التنظيمية والحركية، وللاقتراب أكثر من طبيعة «البناء» التنظيمى لجماعة الإخوان فى الفترة (٢٨ – ١٩٣٢)، ورغم وجود شُعب منتشرة فى محافظات: (الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس، والبحيرة)، ويمكن إضافة مجموعة القاهرة، التى ارتبطت بـ«حسن البنا» أثناء فترة دراسته فى دار العلوم، ومع وجود مسئول لكل شعبة وتحديد مسئوليات للعضوية، فإنها كانت مجرد بدايات (الطور الأول)، ويمكن اعتبار العام ١٩٣٣ الذى شهد انعقاد المؤتمر الأول للإخوان بالإسماعيلية، وما صدر عنه من قرار مجلس الشورى العام، بمثابة الطور الثانى فى رحلة الجماعة التنظيمية وإطارها الحركي.

قبل ذلك لم يكن للجماعة تركيب بنائى بالمعنى الاصطلاحى المعروف منذ كانت بعض الشُعب المتناثرة فى الأقاليم تتلقى تعليماتها من المركز العام بالقاهرة، وكان يخص نفسه بأساليب معينة فى التربية مثل نظام الكتائب، لا يطلب من الشُعب القيام بمثلها، وعلى هذا كان النظام السائد فى الجماعة فى ذلك الوقت أقرب إلى النظام المركزي.

وقد تكونت هيئة مكتب الإرشاد العام للإخوان -لأول مرة- بناء على قرار مجلس الشورى العام الذى انعقد بالإسماعيلية فى شكل المؤتمر الأول للإخوان بالقطر المصرى، يوم الخميس ٢٢ صفر ١٣٥٢ الموافق ١٩٣٣، وكان هذا المؤتمر يمثل ١٥ فرعا، وتكوّن مكتب الإرشاد من ١١ عضوا، ويلاحظ على هذا التشكيل أنه ضم واحدا من خريجى دار العلوم «المرشد العام حسن البنا»، وأربعة من خريجى الأزهر، وواحدا من الأعيان من ملاك الأراضى بالدقهلية، وخمسة من صغار الموظفين، ليس فيهم أحد له نشاط أو فكر سياسى معروف.

ومع تنامى الجماعة وزيادة عضويتها ونشاطها، يمكن رصد الطور الثالث فى تاريخ البناء التنظيمى الحركى للجماعة، حيث اتخذ شكلا هرميا على قمته المرشد العام، ثم مكتب الإرشاد العام.. المكاتب الإدارية.. المناطق.. الأقسام.. الشُعب.. وتقسّم الشُعب إلى أسر.. والأسرة إلى مجموعة أفراد لهم نقيب.


وقد كان انعقاد المؤتمر الثالث فى ١٩٣٥ تجسيدا لهذه الأطر التنظيمية وأسهم فى استكمال التشكيلات التنظيمية على النحو التالي:

المرشد العام.

مكتب الإرشاد.

مجلس الشورى العام الذى يتكون من نواب المناطق.

نواب المناطق والأقسام.

نواب الفروع.

مجالس الشورى المركزية.

مؤتمرات المناطق.

مندوبو المكتب.

فرق الرحلات.

■ فرق الأخوات.

وقد ترك المجتمعون للمرشد العام تحديد مهمة كل هيئة من هذه الهيئات.وعن الإطار الفكرى لتلك المرحلة فى مسيرة الجماعة، يقول مؤرخها جمعة أمين: «وصدرت القوانين واللوائح التى أوصى بإصدارها مجلس الشورى العام فى مايو ١٩٣٥ (المؤتمر الثالث)، ويشمل قانون جمعية الإخوان المعدل، ويعرض لنشأة الفكرة والغاية والوسيلة، ثم النظام الإدارى للإخوان ويشمل قمة التشكيلات الإدارية: الأعضاء، واجبات الأخ المسلم، الهيئات الشورية، مالية الجماعة».

وكان لانعقاد المؤتمر العام الرابع فى عام ١٩٣٦ خصوصية، إذ لم يتطرق للأوضاع التنظيمية والحركية، بل كان أقرب إلى مؤتمر احتفالي، وفى ذات الوقت بمثابة استعراض للقوة من قبل الجماعة، ورسالة خاصة للملك الجديد فاروق، إذ اقتصر على الاحتفال بتتويج الملك فاروق ولاية عرش مصر.

* البرنامج المعلن والأهداف:

كان المؤتمر العام الخامس، يناير ١٩٣٩، الأهم والأضخم فى تاريخ الجماعة، وتزامن مع مرور عشر سنوات على تأسيس الإخوان.. واهتم بشكل خاص بتنظيم الشأن الداخلى للجماعة، وهو الأمر الذى وصفه «البنا» بأنه المرحلة الثانية للحركة، الخاصة بالتشكيل والاختيار والإعداد، و«حدد البنا للأعضاء نطاق الحركة التى يشكلون جزءا منها، وأوضح أن الحركة: دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، ومنظمة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية... كما حرص أيضا على أن يوضح موقف الجماعة تجاه السلطة والحكومة والدستور والقانون والقضايا الوطنية والعروبة». (ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، ج١ – ٣٢).

وبحسب ريتشارد ميتشل، فقد جاء عام ١٩٣٩ (المؤتمر الخامس)، ليعلن أن الجماعة أكملت إطارها الأساسى، وأنها أصبحت قوية بدرجة تكفل لها أن تستعرض عضلاتها علنا، وبحرص شديد فى ذات الوقت، وفى هذا التوقيت شرع الإخوان فى النظر والاهتمام بإقامة علاقات «ما» وإجراء اتصالات، وبث رسائل إلى جهات ومؤسسات كالقصر والملك والحكومات..


وتسجل «مذكرات الدعوة والداعية» للشيخ حسن البنا، وأهم الأهداف والأنشطة التى سعى ويسعى الإخوان لتحقيقها فيذكر:

المحاضرات والدروس فى مقر الجماعة وفى المساجد.

إصدار القانون الأساسى للإخوان واللائحة الداخلية.

إصدار عددين من رسالة المرشد العام.

إصدار مجلة الإخوان الأسبوعية.

إصدار مجلة النذير، بالإضافة لعدد من الرسائل والنشرات.

إنشاء الشُعب فى القاهرة والأقاليم.

تكوين التشكيلات الكشفية والرياضية.

الاهتمام بنشر الدعوة فى الجامعة والمدارس (إنشاء قسم الطلاب).

توضيح موقف الجماعة من الإصلاح الاجتماعى والسياسى وتشجيع التعليم الدينى ومقاومة التبشير.

الدعوة إلى المنْهَاج الإسلامى ومهاجمة الحكومات المقصرة إسلاميا مع مهاجمة الحزبية.

مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية. (حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية – ١٣٨).

* الانتشار والصعود:

عن حصاد الدعوة والحركة التى قامت بها الجماعة فى الفترة من (٢٨- ١٩٣٨) أصدر الإخوان بيانا يوضح: نشأة الجماعة، وغايتها، ونظامها، والأعمال التى قامت بها الجمعية، وأحوالها المالية، وصلتها بغيرها من الجمعيات، وحصرا كاملا بشُعب الإخوان، ودوائرهم، وأسماء مندوبى المناطق، ونواب الشعب، وصدر البيان يونيو ١٩٣٧، ونشر بجريدة الإخوان الأسبوعية تحت عنوان «بيان موجز للإخوان». (جمعة أمين عبد العزيز: أوراق، ج٢ – ٤١٧).

وعن الانتشار يمكن رصد الآتي: وجود شُعب وفروع الإخوان توزعت على ١٧ منطقة فى داخل مصر:

أحياء القاهرة: (الموسكى، باب الشعرية، الأزبكية، الوايلى، حلوان، والإسكندرية، القنال، والعريش وسيناء، القليوبية، المنوفية، الغربية، الدقهلية، الشرقية، البحيرة، الجيزة، بنى سويف، الفيوم، المنيا، أسيوط، جرجا، قنا، أسوان). بالإضافة إلى منطقة فى السودان ومنطقة العالم الإسلامى، وشملت: (الحجاز، سوريا، فلسطين، لبنان، المغرب الأقصى، البحرين، الهند، الصومال)، والمنطقة العشرون الخارج وتحديدا باريس.

وفى مرحلة تالية يصف القيادى الإخوانى محمود عبد الحليم فى كتابه «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ» حجم انتشار الجماعة واتساع نفوذها، فيقول: «بحلول عام ١٩٤٤ لم يعد مكان فى مصر يخلو من شعبة بفضل التكنيك البعيد المدى الذى حصن الأستاذ المرشد به خطوات الدعوة حيال الجبهات المختلفة الأكمة.. وأصبحت الجوالة جندا كثيفا». (محمود عبد الحليم: أحداث صنعت التاريخ، ج١ – ٣٤١).

* الحرب العالمية الثانية:

تمثل الحرب العالمية الثانية منعطفا خطيرا فى تاريخ مصر السياسى والاجتماعى، كما أنها تمثل نقطة تحول خطيرة فى مسيرة جماعة الإخوان، فقد كان من نتيجة الأنباء الواردة عن سير الحرب فضلا عن الدعاية الألمانية النشطة أن عانت بريطانيا مزيدا من الصعوبات -فى غاية الإعلان المصرى لحالة الحرب- لكى تحظى بالتزام مصرى أعمق فى مواجهة أعباء الحرب المتزايدة الثقل، والاستجابة بفاعلية أكثر فى مواجهة الأخطار التى تحيق بقضية الحلفاء الآخذة فى التدهور.

وعندما بدأت الحرب، أعرب الإخوان فى خطاب إلى على ماهر رئيس الوزراء عن تأييدهم لعدم اشتراك مصر فى الحرب، ولقصر المساعدات المقدمة فيها لبريطانيا على ما يلزمها به نص معاهدة ١٩٣٦. وفيما عدا ذلك واصلت الجماعة -فى الظاهر- شرح قضيتها، كذلك قامت بدور فعال فى إثارة المشاعر الوطنية ضد بريطانيا، بالرغم من وجود حالة الحرب، وهو الأمر الذى واجهته بريطانيا بالحزم، حرصا على تأمين ظهرها، وفى ظل الصراع بين القصر والوفد وبتحالف الإخوان مع القصر ألقى القبض على «البنا» وعبد الحكيم عابدين أمين عام الجماعة فى أكتوبر ١٩٤١، إثر انتهاء أحد الاجتماعات الجماهيرية المناهضة لبريطانيا. وأصدرت الحكومة الوفدية فى نفس الوقت قرارا بإيقاف صحف الجماعة: «التعارف» و«الشعاع» وصحيفة «المنار» المعروفة التى أوكل ورثة السيد رشيد رضا أمرها لـ«البنا» مؤخرا، كما حظر على الصحف نشر أية أنباء عن الإخوان أو عن الاجتماعات التى يقيمونها. وفى نفس الشهر تم الإفراج عن المعتقلين نتيجة لحدوث رد فعل برلمانى عام مضاد للحكومة، فضلا عما قيل عن الضغط الذى مارسه القصر فى هذا الصدد، وكانت تلك هى «المحنة» الأولى -على حد تعبير الإخوان- التى تصيب الجماعة، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع أى حكومة فى مصر أن تتجنب الصدام مع الإخوان. (ريتشارد: الإخوان المسلمون – ٤٧).


لقد اعتمد السياسى المصرى المعروف على ماهر، وهو أحد كبار السياسيين الموالين للسراي، على الإخوان لتأييد السياسة القومية والعربية المعادية للبريطانيين. واستمر الاتصال بين حسن البنا وعلى ماهر خلال السنتين الأوليين من الحرب، كما قام «البنا» باتصالات مماثلة مع عزيز المصرى باشا، المعروف بعدائه الشديد للإنجليز من ناحية، وسعيه إلى التحالف مع دول المحور من ناحية أخرى، وكانت الصداقة بين الرجلين من القوة بحيث استطاع «البنا» فى عام ١٩٤٠ أن يقوم بدور الوسيط بين المصرى ومجموعة من صغار الضباط الساخطين الذين أطلقوا على أنفسهم فيما بعد اسم «الضباط الأحرار»، ثم قادوا الثورة الناجحة فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ (المصدر السابق – ٤٩).


ومثلما أفاد الإخوان من العلاقة مع على ماهر وعزيز المصري، فقد استثمروا عودة الوفد إلى الحكم فى فبراير ١٩٤٢، وأعلن «البنا» عن ترشح نفسه عن دائرة الإسماعيلية، مسقط رأس حركته، وبمجرد تقدمه بالترشح أسرع النحاس باستدعائه، وطلب منه أن ينسحب ووافق «البنا»، دون الدخول فى جدال طويل، ولكن «فى المقابل» الآتي:

(١) حرية الجماعة فى استئناف أعمالها على نطاق شامل.

(٢) أن تعد الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة. ووافق النحاس، وأمر بعد فترة وجيزة بفرض قيود على بيع المشروبات الكحولية فى أوقات معينة يوميا، خلال شهر رمضان وفى الأعياد الدينية. كما اتخذ بعض الإجراءات الضرورية باستئناف الجماعة لبعض نشاطاتها، بما فى ذلك إصدار بعض مطبوعاتها وعقد الاجتماعات. (المصدر نفسه – ٥٣). كان مناخ الحرب إذًا مناسبا لتقوية ودعم جماعة الإخوان، وقد نجح البنا ببراعته فى التحالفات، أن يستفيد من الجميع، فى الوقت الذى لم يقدم فيه دعما حقيقيا لأى من المتحالفين معه.