الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" رواية ماركيز البعيدة عن الواقعية السحرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جبريال جرثيا ماركيز أديب كولومبي، أحد أهم الروائيين في العالم، تحل ذكرى ميلاده في السادس من مارس، اشتهر بروايته "مئةعام من العزلة" التي باعت ملايين النسخ وترجمت إلى لغات عدة، وكانت أعماله تدور في جو من الواقعية السحرية، وتوفي عام 2014.
ونستعرض لماركيز روايته الأولى "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" والتي قال عنها في مذكراته "عشت لأروي" أنها مستوحاة من حياة جده الضابط المتقاعد، ووضعه المالي السيء الذي لازمه في بداية مشواره الأدبي الذي وصل به إلى الثراء والعالمية.
"ليس للكولونيل من يكاتبه" كانت أول عمل أدبي طويل كتبه ماركيز ونشره في وقت مبكر في تكوينه الأدبي، عمل في البداية صحفيا ونشر تقريرات رائعة ساعدته كثيرا في كتابة أعماله القصصية، تتميز الرواية بطابعها التقرير الكلاسيكي، ولم تحفل بالغرائب كأعمال ماكيز اللاحقة والتي تنتمي للواقعية السحرية التي ترتكز على الخرفات والاسطورة.
استوحى ماركيز عالمها من حال الضيق التي كان يعيشها، بينما كانت تحقيقاته الصحفية لا تقوم بالكفاية التي تضمن له عيشة مستقرة، كما أنه استوحى شخصيتها الرئيسة من جد له، كان ضابطًا كبيرًا في الجيش.
واستطاع أن يجمع بين ملامح شخصية جده، وبين وضعه المالي السيء، جاعلًا من ذلك الجد، في صفحات القصة، ضابطًا متقاعدًا عجوزًا يعيش مع زوجته العجوز، ليس لهما من الحياة والعيش سوى الذكرى، لإبن وحيد قضى في أعمال القمع السياسي، وقد ترك لهما، على سبيل الإرث، ديكًا يصطحبه الرجل، ليخوض به مباريات ورياضة صراع الديوك، وذلك في المرات القليلة التي يخرج فيها من بيته.

ومن ناحية أخرى فإن الكولونيل كان يواظب بشكل منتظم الى دائرة البريد، وذلك منذ فترة طويلة في انتظار وصول رسالة ما، والحقيقة أن الكولونيل قبل أكثر من عقد ونصف عقد قد شارك في تحرك عسكري سرعان ماانتهى بالفشل وصرف الرجل على أثره من الخدمة، مع وعد بأنه سينال معاشًا تقاعديًا. لكن الرسالة التي تعلن بدء إرسال المعاش إليه، لم تصل.

إن القارئ سرعان ما يعرف حقيقة الأمر وأن العجوز المتقاعد ليس له أحد يراسله أو يكاتبه إنما هو تعلق في أمل كاذب، تعلق في تقدير من الجهات السياسية، إنه وزوجته وحيدان تمامًا. غريبان تمامًا. حزينان تقريبًا، تمضي أيامهما في أمل يتجدد بوصول الرسالة.
واللافت للنظر هو أن الكولونيل لم يبدل على مرّ السنين عاداته في الذهاب إلى البريد فهو يرتدي أفضل ما لديه، والبذلة اللائقة به، لا يضعف إيمانه بوصول الرسالة المنتظرة، والجميع يعرفون أن الرسالة لن تصل أبدًا، لا في يوم الجمعة الذي يقصد فيه الدائرة أسبوعيًا، بانتظام، ولا في أي يوم آخر من أيام الأسبوع.
ولكن ماذا يحدث لو فقد العجوز إيمانه بقدوم الرسالة يوما ؟
سوف يدخل في حالة بائسة وتعيسة للغاية أكثر مما هو عليه الآن، فالاقرار بفقدان الأمل، والايمان باستقرار الخيبة وحلولها سبب دافع للخلاص من الحياة وعدم الاستمرار فيها، فهو يواجه المصير الذي لاقاه ابنه من قبل ولكن بشكل تدريجي، موت بطيء كما يسمونه.