السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"خبراء": تطبيق "التصالح" يقضي على الرقعة الزراعية.. 100 ألف جنيه تكلفة استصلاح فدان في الصحراء.. والإنتاجية لا تتعدى 50%

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الخبير الزراعى الدكتور زكريا الحداد، إنه إذا كان هناك قانون للتصالح، فالطبع سيتم التصالح على المخالفات الخاصة بالأراضى الزراعية التى تعرضت لعمليات التبوير، ومن ثم البناء عليها وتحويلها لأراض سكنية، كما أن صدور مثل هذه القوانين ستسبب هجمة جديدة على الأراضى الزراعية.
وتابع: «بالنظر إلى الأراضى المصرية فتنقسم إلى ٣ أقسام، الأراضى القديمة التى تعود لقبل ثورة ١٩٥٢، والجديدة القديمة التى جرى استصلاحها حتى عام ١٩٧٣، والأراضى الجديدة التى تم استصلاحها بعد تاريخ ١٩٧٣ حتى وقتنا الحالي».
وأضاف الحداد: «أما الأراضى المضارة من التهام الحيز العمرانى لها وإجراء بنايات مخالفة لها فهى الأرضى القديمة والجديدة القديمة، وتصل مساحة الرقعة الزراعية فى مصر من ٧ إلى ٨ ملايين فدان، تآكل منها قرابة مليون ونصف المليون فدان، فى المبانى خلال ٣٠ أو ٤٠ عاما، ناهيك عن زيادة حجم التعديات منذ ثورة يناير ٢٠١١ على ٢٠٠ ألف فدان بسبب ضعف الرقابة وفساد المحليات، أما النوع الثالث من الأراضى الزراعية وهى «الجديدة» فتقع تحت سيطرة كبار رجال أعمال وبمساحات كبيرة ولا تتعرض لأى نوع من أنواع التعدي.
وتابع الحداد:: «كل المساحات التى تم تحويلها لمساكن غير صالحة للزراعة مرة أخرى وخرجت تمامًا من حسبة الرقعة الزراعية»، مستنكراُ إدارة حماية الأراضى حيث عرفها بأنها هيئات حكومية تشترك فى الجريمة لأن دورها لا يقتصر إلا على فرض الجباية وتقنين الفساد عبر خروج وتنفيذ عمليات هدم بشكل صوري، حيث يتم هدم جزء من السور وفرض غرامة ثم تحول لقضية يكون مصيرها الحصول على البراءة، وما يزيد الطين بلة هو توصيل كل المرافق من مياه وكهرباء داخل قلب الأراضى والزراعية.
وأرجع جذور المشكلة إلى قصور تخطيط الدولة فى الأساس فى توفير الوحدات السكنية بما يوازى الزيادة السكانية، فالفلاح يريد أن يزوج ابنه فلا يجد أقرب من الحقل ليتعدى عليه ويقيم البناء السكنى.
ومن المفترض أن يكون ضمن أولويات التخطيط إقامة محافظات بنفس التقسيم من مراكز وقرى جديدة وليست مدنا جديدة.
١٠٠ ألف جنيه كُلفة استصلاح فدان 
ويتفق معه فى الرأى الدكتور وليد فؤاد أستاذ كلية الزراعة، قائلاَ: إن جملة الأراضى الزراعية تقارب من ٧ إلى ٨ ملايين فدان خاصة بعد زيادتها ٢ مليون فدان بعد السد العالى ومليون ونصف المليون فدان بعد إصلاحات الرئيس السادات، ولكن جرى تبوير قرابة ١.٢ مليون فدان من أراضى الدلتا من الأراضى الخصبة البكر فى عهد السادات، وجرى تعويض بعض الأراضى فى طريق مصر إسكندرية الصحراوى وشمال وجنوب التحرير والنوبارية.
وتابع «فؤاد»: خلال الـ٦ سنوات الأخيرة تم اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضى وتحويلها لعقارات لقرابة ٢٠٠ إلى ٣٠٠ ألف فدان، كما أن الحصر المعلن غير دقيق، الأمر الذى يشير إلى فساد فى وزارة الزراعة وهيئة استصلاح الأراضي، من خلال عدة حيل من الموظفين المرتشين تكون الأرض خصصت استصلاحا، ولكن خلال الحيل الخسيسة تحول لعقارات وتباع مبانى، كما هو الحال فى أراض كثيرة فى الإسكندرية مثل أراضى الأبيسات والمنتزه، كما أن الأراضى التى بُنى عليها جرى تدميرها بشكل نهائى ولا عودة عليها.
وأردف «فؤاد»: إن التعدى على أراضى الدلتا جريمة بكل المقاييس، خاصة أنه شُقت لها ترع بكُلفة ملايين، فضلًا عن كونها «بكر» لا تحتاج إلا للبذور كى تنبت وتؤتى ثمارها حتى بدون أسمدة على عكس الحال فى الأراضى الصحراوية التى تحتاج لأكثر من ١٠٠ ألف جنيه كُلفة الاستصلاح، كى نتمكن من الزراعة فهى أشبه بالطفل الصغير الذى يحتاج لرعاية فضلًا عن حفر الآبار الذى تكلف ملايين الجنيهات وشبكة الطرق وكثرة الأيدى العاملة ومجتمع كامل لسهولة عملية التسويق وهذه الاشتراطات موجودة فقط فى الدلتا.
وفى السياق ذاته، يقول الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن صدور مثل هذه القوانين سيتسبب فى هجمة جديدة على الأراضى الزراعية التى تسجل بحسب بيانات وزارة الزراعة ٨.٧ مليون فدان، وتصل معدلات التعديات المعلنة ٣٠ ألف فدان سنويًا ما يمثل خلال العشر سنوات الماضية وخاصة فى أعقاب ٢٠١١ تصل إلى ٣٠٠ ألف فدان.
وتابع «صيام»: فاتورة الاستصلاح ليست بسيطة حيث تكلف حفر الآبار ملايين الجنيهات، فضلًا عن إنتاجية الفدان فى الصحراء بجانب كُلفتها لا تصل إلى نصف الإنتاجية فى الفدان فى الدلتا حيث تصل لـ ١٨ إردب قمح فى الوقت الذى لا يسجل ٨ إردب لدى نظيره فى الصحراء.
مليون فدان كل ٢٠ عاما 
من جانبه قال الخبير الاقتصادى الدكتور عادل عامر، إن مصر تفقد كل ٢٠ عاما مليون فدان أراضى زراعية خصبة، بما يعادل ٥٠ ألف فدان فى العام الواحد بسبب التعديات على أراضى النيل بالردم والتجريف أو البناء عليها وهو ما وصفه بأنه يمثل نسبة مرتفعة جدا. 
وتابع «عامر»، إن قيمة بيع القيراط الزراعى الواحد نحو ٥٠ ألف جنيه، وفى حال تبويره وبيعه مبانى يتراوح ما بين ٣٠٠ ألف إلى مليون جنيه، ما سيجعل قطاعا عريضا من المزارعين يلجأ إلى البيع، كما أنه من المتوقع فور إقرار القانون أن تخسر مصر أكثر من مليون فدان من الأراضى الزراعية التى لن تعوض، وحتى قبل التصديق على القانون فبمجرد أن أعلنت الحكومة عن مشروع القانون سيحدث نوع من زوال حالة الردع والخشية لدى المواطنين من البناء المخالف، وسنرى قريبا تداعيات هذا على أرض الواقع.
وتابع «عامر»: إن التعدى على الأراضى الزراعية يقصد به نقصان المساحات المنتجة للغذاء دوريا بدلا من زيادتها لملاحقة معدلات الزيادة السكانية ولحفظ حقوق الأجيال الحالية والقادمة فى الحصول على الغذاء بأسعار غير مرهقة تحقيقا لأهم مبادئ حقوق الإنسان وهو مبدأ الحق فى الطعام دون مشقة أو أن يكون الفقر سببا فى عدم إمكانية الحصول على الغذاء وبالتالى موت البشر.
كما أن الأراضى الزراعية قد تدهور حالها، حيث إن معظم الأراضى الصحراوية التى تم استصلاحها للزراعة قام المستثمرون بالتعدى عليها بالبناء وخاصة طريق مصر إسكندرية الصحراوى، إن الكارثة الكبرى أن الوزارة تدرس زيادة نسبة البناء على هذا الطريق إلى ٢٢٪ ثم زادت ٧٪ أخرى ما يسبب تقليص حجم الأراضى الزراعية بهذا الشكل رغم أنه من المفترض ألا يتم المساس بالأراضى الزراعية. 
كما أن حملات الإزالة التى تباشر عمليات الإزالة، خاصة أن هذه اللجان تتعرض للاعتداء من جانب المتعدين على الأراضي، علاوة على وجود ثغرة بالقانون ١١٩ حيث يقوم المعتدى فى بداية الإزالة ببناء هيكل من الطوب الأبيض «البلوك»، وبعد إزالة التعدى يحصل المتعدى على خطاب من الزراعة بإزالة التعدى ويقدمه للمحكمة التى تحكم بالبراءة، وفور الحصول على حكم البراءة من المحكمة يقوم المتعدى بإعادة البناء مرة أخرى، ولكن هذه المرة بالخرسانة المسلحة والطوب الأحمر، ويتم تحرير محضر جديد من قبل الزراعة والوحدات المحلية، فيتقدم المتعدى بحكم البراءة الذى حصل عليه فى المرة الأولى للمحكمة، فتحكم المحكمة بالبراءة طبقا للعرف القانونى الذى يقضى بأنه لا يجوز الفصل فى قضية تم الفصل فيها من قبل، ولا بد من إعادة النظر فى هذه المادة التى يستغلها الكثيرون.
وبدوره قال أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر الدكتور عادل عامر، إن ٩٠٪ من العقارات التى تبنى فى مصر خاصة فى المناطق الريفية خارج الإشراف الهندسى وتعتمد على الخبرة الشخصية وخبرة المهندسين، من ناحية التوفير فى كُلفة الإنتاج، حيث الكود المصرى يتطلب اشتراطات تمثل كُلفة على مالك العقار الذى هو فى الأساس مخالف يبنى على الأراضى الزراعية، وقد تكون هناك بنايات بدون أعمدة خرسانية وتوزع الأحمال على ما يسمى بالحوائط الحاملة.
وأشار «عامر»: إلى أن معامل الأمان فى مثل هذة البنايات ضعيف جدا وقد يهدد حياة القاطنين بالعقار، فضلا عن كون الأرض بكرا يحدث بها هبوط فى بعض المناطق خاصة أن هناك أراضى تروى بجوارها وتتسبب فى شروخ ومن ثم الانهيار.
ويقول الدكتور عبدالله العريان، أستاذ التخطيط بجامعة القاهرة، إن جذور أزمة تآكل الرقعة الزراعية يعود إلى نحو ٤٠ عامًا بسبب عدم التخطيط الجيد الذى يستوعب نمو المجتمع، وقصور التنمية وخاصة فى محافظات الصعيد من خلال عدم تمكينه من فرص النمو ومن هنا ظهرت التعديات على الأرضى والعشوائيات.
حيث كانت هناك حاجة وهى «النمو»، وجاءت الحلول من قبل الشعب المصرى عبر الزحف العمرانى وسطو من خلال عدم سيطرة الدولة عليه على أجود الأراضى الزراعية وهى أغلى ما تملكه مصر.