السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دماء وحزن وكرامة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للمرة الألف يؤكد الإرهاب أنه لا دين له، الهجوم على مسجد الروضة فى بئر العبد بسيناء وفتح النيران على المصلين هو تمامًا ما حدث فى تفجيرات الكنائس، وهو مشابه لمنهج الاعتداءات التى شهدناها فى تسعينيات القرن الماضي، حيث لم تسلم منشأة من رصاصات الإرهاب، نتذكر تفجير مقهى وادى النيل بميدان التحرير ونتذكر الرصاصة التى اغتالت الطفلة «شيماء» على باب مدرستها، نتذكر كل الجرائم فى طول الصعيد وعرضه ولعل الاعتداء الأكثر دموية والذى نفذته «الجماعة الإسلامية» هو احتلال محافظة أسيوط عام ١٩٨١ لمدة يوم كامل واستشهد فى ذلك اليوم حوالى ١٨٠ إنسانا ما بين ضابط وجندى ومواطن، نتذكر أن المواطنين الذين استشهدوا فى ذلك اليوم الحزين كانوا فى طريقهم لصلاة العيد.
وما بين صلاة العيد قبل ٣٦ عامًا وصلاة الجمعة الماضية فى مسجد الروضة جرت مياه كثيرة فى النهر، معظمها مياه عكرة ندفع ثمنها اليوم من دماء الأبرياء فى مختلف المواقع، شهدنا ما سموه المراجعات الفكرية بالسجون وكانت كذبة كبرى، شهدنا أحكامًا غير رادعة بالسجن البسيط، بل شهدنا الإفراج عن بعضهم قبل انتهاء مدة المحكومية، أما أخطر ما شهدناه فى السنوات القليلة الماضية فهو تأسيس تلك الجماعة لحزب سياسى اسمه «حزب البناء والتنمية» وما زال الحزب قائمًا حتى هذه اللحظة ليستمع قادته إلى لعلعة صوت الرصاص فى أجساد الأبرياء بمسجد الروضة.
ربما الإرهاب هذه المرة عابر للحدود، تساعده أجهزة دولية وتمويلات بمئات الملايين من الدولارات، ربما المعركة هذه المرة أصعب، ولكننى أقول إن ما نشهده فى سيناء والواحات وفى العديد من البؤر الساخنة هو حصاد التردد سنوات طوال، سنوات عجاف، فكيف لعاقل أن يفهم الازدواجية التى عاشتها البلاد طوال هذه السنوات، ينادى بعضنا الدين لله والوطن للجميع بينما يصرخ المئات على منابر المساجد وفى قاعات المحاضرات فى الجامعات بل وفى الفصول بالمرحلة الابتدائية، ينادون كلهم بتكفير المختلف وإهدار دمه، يصرخون بالتكفير على شاشات الفضائيات والصحف، بل وعلى نواصى الشوارع فى الأحياء الشعبية على يد السلفيين ومن لف لفهم.
الشهداء الذين لقوا ربهم فى مسجد الروضة هم ضحايا ميراث ثقيل يحتاج إلى إرادة حديدية حاسمة لكى يتزحزح ذلك الميراث قليلًا نحو طريق الاعتدال، نحو طريق المواطنة، نحو طريق وطن واحد وشعب واحد.
أعرف أن القوة الأمنية من جيش وشرطة مطلوبة ومهمة حيث لا يفهم الرصاص فى بعض المواقع إلا الرصاص، وأعرف أيضًا أن الطريق لإعلان النصر النهائى يبدأ من تطوير مناهج التعليم ومن ضبط رسالة الإعلام على الشاشات والصحف، وعلى أرصفة طريق النصر لا بد من إزالة العشوائيات الإرهابية التى تسللت إلى أجهزة الدولة المختلفة بالوزارات والدواوين الحكومية تلك العشوائيات التى نمت بفضل شبكات ونفوذ التأسلم السياسى لتصبح التعيينات أكبر قضية فساد بمصر، الأمثلة كثيرة فى العديد من الهيئات الحكومية والتى كان يكتفى رئيسها بكارت من الشيخ فلان لتعيين أنصاره.
فى بلادنا يدفع الفقراء الثمن دائمًا، قرية الروضة نموذجًا، القرية التى تكاد أن تكون قد استشهدت بالكامل باستشهاد هذا العدد الضخم من أبنائها تناشد كل صاحب ضمير وتدعو من كل مسئول فى الدولة وتصرخ بحق الدماء الذكية التى سالت سواء داخل المسجد أو فى الكنائس المصرية التى تم استهدافها من قبل، لا تطلب منهم تعويضات مالية ولا حتى ملاحقات أمنية ثأرية ولكنها تطلب تجفيف الإرهاب من منابعة، تطلب العدل والمواطنة والأمان لكل أبناء مصر فى المستقبل، وهو ما يفرض على الدولة عدة إجراءات ثورية فى المواجهة، إجراءات لا تخضع للمساومة أو الابتزاز، رحمة الله على الشهداء أينما كانوا فى مسجد الروضة أو فى الكنائس أو فى الكمائن التى تفتح عيونها وتستشهد لكن نغمض نحن عيوننا وننام فى بيوتنا آمنين.