الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«بيزنس» أكاديميات كرة القدم.. «لا فن ولا حرفنة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«أحمد» أصيب أثناء التدريب وسيلازم العكاز لبقية حياته.. وامتحانات الثانوية فاتته مدربون يبيعون وهم الاحتراف.. والنتيجة إصابات قاتلة.. ملايين الجنيهات تتدفق سنويًا إلى جيوب أصحاب الأكاديميات الذين يستعينون بنجوم سابقين من الأندية المصرية
طارد حلم الشهرة «أحمد. ف»، (١٦ سنة)، ابن مدينة منيا القمح بالشرقية، ومعه والده، الذى سارع للتقديم له فى أول أكاديمية لتدريب كرة القدم تفتح فى المدينة، دون أن يتخيل للحظة أن الأكاديمية نفسها ستكتب نهاية حلمه وستترك ابنه ملازما لعكازين طيلة حياته.
فى العامين التاليين لثورة يناير ٢٠١١، زادت أعداد ملاعب الكرة الخماسية، وغزت القرى قبل المدن، حتى وصلت إلى قلب الصعيد، ومع انتشارها بهذه الصورة، بدأ البعض فى استثمار هذا لصالحه؛ وربما يكون ذلك جيدا، لكن الأمر تطور إلى إنشاء ما يسمى «أكاديميات كرة القدم»، حيث يتولى مدربون تعليم الأطفال أساسيات كرة القدم، بحسب ما يقولون فى إعلاناتهم التى تنتشر على جدران عربات مترو الأنفاق، وفى الشوارع، وحتى فى التليفزيون. ولأن أسعار لاعبى كرة القدم فى الدورى المصري، زادت بشكل مبالغ فيه، خلال السنوات الأخيرة، أصبح الكثير من الآباء يحلمون بأن يصبح أبناؤهم لاعبى كرة قدم محترفين، ولما كانت شروط الأندية المعتمدة فى الاتحاد المصرى لكرة القدم، صعبة إلى حد ما، كونها تعتمد على اختيار الموهوبين بالأساس، وتحت سقف عددى محدد، ومراحل سنية بعينها، كانت الأكاديميات الرياضية هى الحل الأمثل للحالمين باحتراف كرة القدم، حتى لو لم يكونوا موهوبين.
الأكاديميات الرياضية كانت تدرك هذه المعضلة التى يواجهها الآباء، فقدمت لهم الحل السحري: أرسل لنا الولد، وسنعلمه كيف يلعب كرة القدم، حتى لو لم يكن يعرف شكلها، بشرط أن تدفع الاشتراك.. من هنا بدأ البيزنس، وبدأت ملايين الجنيهات تتدفق سنويًا إلى جيوب أصحاب الأكاديميات، الذين يستعينون، للأسف، بنجوم سابقين من الأندية المصرية، رغبوا فقط فى جمع الأموال، ولم يشغلوا أنفسهم بمدى مشروعية ما يقدمون عليه، وأقل ما فى الأمر توفير الحماية الطبية لهؤلاء الأطفال، إذا أصيب أحدهم، فبالتأكيد لن تكون الأكاديمية ملزمة بعلاج اللاعب لأنها، على العكس من الأندية الرسمية، ليست مرتبطة بعقد قانونى معه.

أحمد الحلم تحول لكابوس
بابتسامة مصطنعة وجبين مقطب، جلس الفتى ذو الـ١٦ عامًا، يحكى لـ«البوابة» عن إصابته بكسر فى فخذه اليسرى أثناء تدربه بإحدى الأكاديميات، تسبب فى حدوث إعاقة مستديمة له، جعلته يلازم الكرسى المتحرك لأكثر من ٦ أشهر، اضطر خلالها لتأجيل امتحانات الثانوية العامة.
«أحمد»، ابن مدينة منيا القمح، تربى على حب كرة القدم، وتمنى والده أن يُصبح مثل اللاعبين الكبار الذين تتزين جدارية ضخمة بهم فى منزلهم الريفى الفسيح «مارادونا – إريك كانتونا- بيركامب – ميسى – رونالدو» وغيرهم.
يقول أحمد إن والده ذهب به إلى إحدى الأكاديميات التى فتحت أبوابها فى مدينة منيا القمح، واشترك له فيها مقابل نحو ١٠٠ جنيه شهريا، فضلا عن ثمن الملابس الرياضية التى توفرها الأكاديمية، ومع بداية العام ٢٠١٥ بدأ يشد انتباهه بعض الكشافة من بعض الفرق الرياضية الكبرى، وعلت الابتسامة والفرحة وجه والده الذى بدا له أن «الدنيا فتحت له ذراعيها» كما يقول المثل.
لكن الفرحة لم تكتمل، فما هى إلا أشهر قليلة، حتى أصيب الولد بكسر فى فخذه اليسرى، تسبب فى إقعاده لمدة أكثر من عام، منها ٦ أشهر على كرسى متحرك، ومن ثم ملازمة العكاز لما تبقى من حياته.
أحمد، ليس الحالة الوحيدة، فكثير من الأطفال المصريين تم استغلالهم ونهب أموالهم، بل ودُمرت أسر بكاملها وهُدمت طموحات وآمال كثيرة بسبب بيزنس أكاديميات كرة القدم، التى عجز الخبراء الرياضيون عن إيجاد حصر أو حتى تقدير لعددها فى مصر، نظرا لعدم وجود قانون تراخيص يحدد الضوابط والاشتراطات المطلوبة.

المدربون يساعدون المحتالين
أحمد أبومسلم، نجم الأهلى السابق، والمشرف العام على قطاع الناشئين بأكاديمية وادى دجلة، قال إن الأكاديميات الرياضية انتشرت فى مصر بشكل كبير فى الفترة الأخيرة، واتخذت لنفسها أسماء أندية أوروبية كبيرة، مثل مانشستر يونايتد وليفربول، دون أن يكون لها أى علاقة بالنادى الأوروبي.
وأضاف أبومسلم لـ«البوابة»: لا بد أن تكون الأكاديمية الرياضية قائمة على داعم رئيس ألا وهو الكيان الرسمى الذى يمنحها الاسم والشرعية، داعيا إلى تكاتف المسئولين والرياضيين بشكل عام فى مصر من أجل القضاء على هذه الظاهرة، بداية من المدربين واللاعبين وأولياء الأمور، وحتى المسئولين فى اتحاد الكرة، أو فى وزارة الشباب والرياضة.
وعن دور المدرب، قال نجم الأهلى السابق إنه يجب على المدربين أن يحترموا تاريخهم الرياضي، وألا يقبلوا الانضمام لأى من هذه الأكاديميات المشبوهة، التى لا تخدم أحدا إلا أصحابها الراغبين فى الكسب السريع، متابعا: «أنا كمدرب لا بد ألا أقبل العمل لأى أكاديمية لا تمثل كيانا محترما كبيرا ومعروفا، حتى لا أساعد أى شخص أو أشجعه على النصب».
أعضاء باتحاد الكرة يتربحون
وشدد أبومسلم على أن وعى المواطنين هو العنصر الأكثر فاعلية فى مكافحة أكاديميات السبوبة، فلا توجد قوانين أو لوائح فى مصر تمنع من إنشاء أكاديمية رياضية، والدولة لن تستطيع منع الأكاديمية أو القضاء عليها، لذلك فإن الوعى هو السبيل للقضاء على الأكاديميات المشبوهة.
واستبعد نجم الأهلى السابق إمكانية تقنين الأكاديميات، قائلا: «أى حد يقدر يعمل أكاديمية تحت بيته، وتقنين الأكاديميات يعنى إخضاعها للرقابة، وهو ما لن يسمح به البعض فى اتحاد كرة القدم، لأنهم من المتربحين من هذه السبوبة، لذلك أكرر أن وعى أولياء الأمور هو الحل لحماية الأبناء من هؤلاء المحتالين».

الجمباز دخل على الخط
وليد شلبي، مدرب بنادى القاهرة الرياضي، ومتخصص فى مجال التأهيل البدنى والرياضي، قال إن الفرق بين الأندية والأكاديميات شاسع، لافتا إلى أنه عمل فى كل من المنظومتين.
وأضاف شلبي: «الفرق بين الأندية والأكاديميات هو أن الأندية تستخدم أجهزة وأدوات ذات مواصفات قياسية وقانونية، وتحصل على أدواتها من علامات تجارية معروفة لتضمن جودتها، أما فى الأكاديميات فغالبا ما يتم العمل بعشوائية تامة».
وأكد شلبى أن الأكاديميات غالبا ما تنشأ فى أماكن غير مناسبة، ما بين جراجات ومساحات فارغة فى مناطق عشوائية، كما أنها تعتمد على أجهزة محلية الصنع تفتقد الجودة والمواصفات العالمية، ما يؤدى لكثرة الإصابات، مع العلم أن تعرض اللاعبين للإصابات بكثرة يجبرهم على الاعتزال مبكرا، لأن بعض الإصابات قد تهدد حياتهم.
وأكمل أخصائى التأهيل الرياضي، أن «كثيرا من الأكاديميات غير مرخصة قانونيا، ولا يعلم بها اتحاد كرة القدم، وبعض الأكاديميات تأخذ أسماء مشاهير الكرة أو الشخصيات الرياضية المعروفة وتستغل الاسم، إما بالاتفاق معه بمقابل مادي، وإما بسرقة الاسم، وقليل من الأكاديميات يديرها بالفعل أصحابها.
وتقوم الأكاديميات على المعلومات المغلوطة وخداع واستغلال أولياء الأمور، لأن الهدف من الأكاديمية جمع الأموال، وليس الدعم الرياضي، وعند الاشتراك فى البطولات الرسمية للاتحاد تقوم الأكاديمية بتسجيل اللاعبين باسم ناد آخر بمقابل مادى لصالح النادي، لأنها لا تستطيع المشاركة فى البطولات الرسمية. أى أن الأكاديميات تتفق مع بعض الأندية من الباطن من أجل إشراك لاعبيها فى البطولات الدولية.
وتابع: «معظم الأكاديميات فى مجال الجمباز لا توفر بيئة صحية لممارسة الرياضة حيث تلجا لاستخدام جراجات أسفل العقارات السكنية غير جيدة التهوية، وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع الاتحادات الرياضية للعبة، فالاتحاد على علم بطبيعة عمل هذه الأكاديميات وطبيعة تسجيلها باسم بعض الأندية ولكن دون أن يحرك لها ساكن».
وعبر شلبى عن استيائه من «هذا الوضع الرياضى المتردى الذى وصلنا إليه هذه الأيام»، وقال إنه فى ظل عدم وجود رقابة وغياب دور الاتحادات توظف الأكاديميات مدربين غير مؤهلين علميا وعمليا مما يؤثر بالسلب على تنشئة أجيال رياضية مؤهلة، وانهيار مستقبل ومستوى اللاعبين والرياضة المصرية بشكل عام.
التهرب الضريبى أيضا ليس ببعيد عن هذه الأكاديميات، فلا سجل تجاريا ولا ضوابط تحكمها والتهرب من دفع الضرائب منتشر فى الكثير من هذه الأكاديميات.

اتحاد الكرة: نبحث عن آلية لتقنينها
أكد محمد أبوالوفا عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لكرة القدم، أنه لا توجد قوانين أو لوائح تنظم عمل الأكاديميات الرياضية فى مصر. وقال إن «اتحاد الكرة فى طريقه لإعداد آلية شاملة من أجل تقنين هذه الأكاديميات، وجار إعداد الآلية بتنسيق كامل بين أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الكرة على أن يكون الكابتن حازم إمام نجم النادى الزمالك السابق وعضو مجلس إدارة الاتحاد هو المسئول عن هذا الملف بأكمله وقريبا جدا سيتم الإعلان عن هذه الآلية».
وعن إمكانية التقنين، قال عضو اتحاد الكرة إن «الأكاديميات تقام على ملاعب مراكز الشباب أو الأندية المختلفة وكلها خاضعة لوزارة الشباب والرياضة، ومن خلال الوزارة يمكن عمل هذا الجزء الصعب من المنظومة».
وتابع: «من المفترض أن يكون هناك تعاون من وزارة الشباب والرياضة من أجل القضاء على هذه الظاهرة، فالوضع الحالى للأكاديميات لا يمكن احتماله فلا تحصل الأكاديميات على أى تصاريح أو تراخيص أو خلافه ونحن عازمون على تقنينه إلى أقصى درجة».
ولفت أبوالوفا إلى أن قانون الرياضة الجديد لم يشمل من قريب أى شىء عن الأكاديميات، فلم يتطرق القانون لأى شىء بخصوص الأكاديميات وارتكز بشكل أساسى على الاستثمار.
وتابع أبوالوفا أن «اتحاد الكرة قادر بإذن الله على تقنين الأكاديميات وسيكون ذلك بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة».

عادل طعيمة: على الحكومة أن تتدخل
«دا فساد والدولة ساكتة عليه» بهذه الكلمات استهل الكابتن عادل طعيمة، رئيس قطاع الناشئين بالنادى الأهلى سابقا، الحديث عن الأكاديميات الرياضية. وقال طعيمة: «القصة أصبحت تقتصر على نجم كبير يعلن عن إطلاق أكاديمية لكرة القدم، ويأتى بمدربين غير معروفين، والمدرب غير المؤهل لا يعرف الكثير عن أساسيات اللعبة». وأضاف: «لا يوجد كشف طبى ولا توجد سيارة إسعاف فى الخارج وكل ما تهدف إليه هذه الأكاديميات هو جنى الأموال فقط، المال ولا شيء آخر».
وطالب طعيمة بضرورة أن تكون هناك شروط وضوابط لإنشاء أكاديميات كرة القدم، مشيرا إلى أنه عرضت عليه العديد من الأكاديميات إلا أنه رفض الانضمام لأى منها».
كما طالب اتحاد الكرة بضرورة التدخل لإنهاء هذا الفساد، ورصد هذه المخالفات التى تدمر مستقبل الناشئين فى مصر.
وعن شروط عمل أكاديمية كرة قدم، قال طعيمة: يجب قبل بداية أى عمل رياضى استقدام أفضل المدربين، وتوفير الحماية الطبية من خلال وجود سيارة إسعاف مجهزة وعمل كشف طبى دورى على اللاعبين، وتوفير تغذية صحية وملابس مناسبة وكافية، وكل ذلك غير موجود فى أكاديميات الفوضى التى نتحدث عنها هذه الأيام، فإذا ذهبنا إلى الأكاديميات هذه لا نجد فيها إسعافا أو أطباء».
وحكى طعيمة أحد المواقف التى حدثت معه قائلا: «أحد الأصدقاء لا علاقة له بكرة القدم، ونجله افتتح أكاديمية قريبا ويحصل على اشتراك شهرى ١٨٠٠ جنيه، إذا نظرنا إلى هذه كحالة فما بالك لو كان عدد اللاعبين فى الأكاديميات ١٠٠٠ لاعب فكم من الأموال ستجنى من وراء ذلك العمل الخارج عن القانون». وقال طعيمة فى أكاديمية النادى الأهلى بفرع مدينة نصر، الاشتراك السنوى فى العام الماضى تراوح بين ٣٢٠٠ لـ ٣٥٠٠ سنويا، على الرغم من أنها لا تعمل سوى ٤ شهور فى السنة، وتقريبا تنتهى فترة التدريب فى شهر مارس. أما عن الإصابات، فقال طعيمة، فى الأندية تقدم الرعاية الصحية للاعبين، أما فى الأكاديميات فلا توجد ضوابط وقد تؤدى إصابة إلى إنهاء مسيرة لاعب».
ووجه الخبير رسالة للمسئولين عن قطاع الرياضة فى مصر قائلا: «البراعم أمانة فى رقبتكم وستسألون عليها أمام الله سبحانه وتعالى، البراعم أمانة تحتاج لاهتمام ولا بد أن تكون هناك شروط لنضمن أن تكون الأكاديميات منتجة لنجوم المستقبل».