رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شيخ التكفير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لاتظنوا أن من في جماعة الإخوان يفهمون أو يدركون أو يستشعرون، هم في الحقيقة بقية من رجال، مسوخ بشرية تشوهت مشاعرها وتبلدت أحاسيسها، وتوقفت عقولها، وتيبست مفاصلها، ونستطيع أن نتحدث عن أمراضها من هنا إلى يوم الدين، ليست هذه مبالغة والله ، ولكن الذي عليه الجماعة الآن هو قمة في الشوفينية والبرجماتية والفاشية مع خليط من التكفير والدموية، ويكفي الجماعة ذما أنها ترفع شعار الدين لتستلب عقول الصغار والبسطاء وهي في الحقيقة لا تبحث عن دين، وإنما تبحث عن دنيا، لذلك خرج منها كل من يفهم ، وكل من في قلبه ذرة من مشاعر، وبقي فيها تلك المسوخ البشرية ذات القلوب المشوهة.
وإذا كنا قد عشنا سنوات وسنوات تحت وهم أن حسن البنا كان إماما ملهما وأن سيد قطب هو الذي غير عقيدة الجماعة وانحرف بها ووصل بها لهذا الحال الذي نراه حاليا، هذا الحال الذي جعلها ترفع شعار الدين من أجل سرقة الدنيا بمغانمها، إلا أن كاتبا من الباحثين المدققين كان له رأي آخر، هذا الكاتب هو حلمي النمنم الذي كتب كتابا يحلل فيه لشخصية البنا ويسند إليه زرع شجرة التكفير من خلال جماعته التي صنعها ابتداء لينحرف بها عن الدين الوسطي المعتدل، بل ويصبح حسن البنا في عيون الإخوان أيقونة مقدسة لا يجوز مناقشة أفكارها.
وفي كتابه "حسن البنا الذي لا يعرفه أحد" من إصدارات مكتبة مدبولي، يدخل بنا الكاتب الكبير حلمي النمنم إلى عالم التقديس الإخواني للشيخ حسن البنا، كانت مهمة الكاتب في كتابه هي "تفكيك القداسة" الوهمية لرجل من بني البشر وإعادته إلى بشريته الخالصة بعيدا عن مغالاة الغالين وإجحاف الرافضين وتأويل الجاهلين، كان المشهد الذي دخلتُ فيه إلى الكتاب يتمثل أمامي وكأن النمنم، جلس في غرفة التاريخ مع الشيخ حسن البنا. حيث ارتدى الشيخ الرداء الأزهري رغم عدم أزهريته وارتدى النمنم عباءة التاريخ وأمسك قلما رصاصا ليكتب به أفكاره ونتائج محاوراته مع الشيخ حسن.
وحين بدأت في قراءة الكتاب أدركت كم كانت مهمة الكاتب شاقة وعسيرة إذ أنه لم يعتمد في بحثه القيِّم عن شخصية البنا، الإنسان والداعية والسياسي على الكتب التي كتبها خصوم الإخوان السياسيين. كما أنه لم يعتمد على المؤلفات التي كتبها المريدون والمحبون، ولو فعل هذا أو ذاك لفقد حياد الباحث، ولكنه اعتمد على وثائق تاريخية بالغة الخطورة منها مجلات وصحف الإخوان في فترات الأربعينيات ووثــائق السفارتيــــن البريــطانية والأمريــكية الرسميـة عــن علاقاتهما بالبنا، وبعض مقالات كتبها الرئيس الراحل أنور السادات عن علاقته بالبنا، وكانت هذه المقالات قد كتبها السادات في فترة "بحر العسل" الذي كان بين الإخوان والثورة، فضلا عن أن الكاتب عاد إلى الرسائل التي كان يرسلها حسن البنا لأبيه والتي نشرها الشقيق "جمال البنا" رحمه الله، ثم عمد الكاتب إلى تحليل النصوص الإخوانية التي كتبوها عن الشيخ وكان الأهم من وجهة نظري هو تحليل ما كتبه البنا نفسه في كتابه الوحيد "مذكرات الدعوة والداعية" ومقارنة ما كتبه برسائله إلى أبيه، وأجرى الكاتب دراسة تحليلية وافية عن سر قيام الإخوان بحذف فصل من فصول الطبعة الأولى لكتاب الدعوة والداعية حين أعادوا نشره في السبعينيات، فضلا عن إبراز الاختلافات التي ظهرت للكاتب من خلال التناقض بين مذكرات الشيخ ورسائله لأبيه وتحليله لسر هذا التناقض، أما مذكرات المقربين من البنا في تلك الحقبة مثل مذكرات الشيخ الباقوري، ومحمود عساف، سكرتير البنا للمعلومات ومذكرات الشيخ سيد سابق، وبعض ما كتبه الشيخ محمد الغزالي فقد عاد إليها الكاتب المدقق ليكشف من خلالها أمورا كانت خافية أو مخفية في طريقة البنا لإدارته للجماعة وجنوحه بها ناحية السياسة وإنشاء النظام الخاص الذي لم يكن يعلم به معظم أفراد النظام العام للجماعة..وبعض عمليات الاغتيال التي قام بها النظام الخاص ، وأحاسيس البنا المتضخمة بذاته..وكان من المنصف أن تطرَّق النمنم إلى تقشف البنا وابتعاده عن ملذات الحياة حتى أنه كان يفرش بيته بالحصير وأقل القليل من المتاع، لم يكن حسن البنا باحثا عن المال إذن ولكن كانت له مآرب أخرى، إلا أن البنا في ذات الوقت جعل من نفسه كأنه هو الإسلام وكأنه هو نبي الإسلام ، ومن خلال رسائله وضع لمحات التكفير واحدة وراء الأخرى، وكان كل ما فعله سيد قطب فيما بعد أنه جمع هذه اللمحات وجعل منها نظرية صاغها على طريقة أبو الأعلى المودودي، إلا أن حسن البنا يظل هو صاحب السبق في وضع فكر التكفير في القرن العشرين هذا الفكر الذي عانينا وما زلنا نعاني منه حتى الآن.