الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تنشر مناظرة بين "القرآنيين" و"أهل السنة"

لمعرفة رؤيتهم حول تجديد الخطاب الديني

 الدكتور أحمد صبحى
الدكتور أحمد صبحى منصور و الشيخ صالح محمد عبد الحميد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعدما طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي قادة المؤسسات الدينية فى مصر بإعادة النظر فى المسائل الفقهية التي يعتمد عليها منظرو التنظيمات الإرهابية، ظهر كثير من الداعين إلى حرق كتب التراث ومنع تداولها بين المسلمين، على اعتبار أنها تحمل قنابل موقوتة، فى صورة أحاديث مغلوطة تؤدى إلى تحويل الشباب إلى دواعش، وعلى رأس الداعين إلى هذه الطريقة من يطلق عليهم «القرآنيون» الذين ينكرون حجية السنة، ويقولون إن القرآن يكفى وحده ليكون مصدرا للتشريع، وهو ما لا يرضى عنه الأزهر بأى شكل من الأشكال.
وفى هذا الشأن أجرت «البوابة» مناظرة بين الدكتور أحمد صبحى منصور، «زعيم القرآنيين»، المقيم فى أمريكا، وصالح محمد عبدالحميد، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، حتى تتضح رؤى كل من الجانبين فى مسألة تجديد الخطاب الدينى.

منكر عذاب القبر وشفاعة النبى
صبحى منصور في حواره لـ«البوابة نيوز»: أطالب «السيسى» بتبنى فكر «القرآنيين» لإصلاح الدين
الأزهر لا يملك الحُجّة.. ويواجهنا بتهمة ازدراء الأديان «المضحكة»
الاحتكام لأحاديث كتبت فى العصر العباسى يتضمن اتهامًا للنبى بعدم إكمال الرسالة 


قال الدكتور أحمد صبحى منصور، المفكر الإسلامى الملقب بـ«زعيم القرآنيين»، إن المسلمين فى معظمهم يقدسون المصحف وليس القرآن الكريم، كما أن معظمهم صنعوا من النبى شخصية إلهية خلافا لما جاء به القرآن، وأضاف أن الخطاب الدينى الإصلاحى الذى يحتاجه العالم الإسلامى اليوم هو توضيح التناقض بين شريعة الإسلام وقيمه القرآنية السامية، وبين التشريعات التى يستخرجها المفتون من كتب التراث، معتبرا أن الاحتكام إلى أحاديث كتبها بشر فى العصر العباسى يتضمن اتهاما للنبى بأنه مات ولم يكمل رسالة الإسلام، ورد على اتهام بعض الأزهريين له بالردة، بأنهم يملكون السلطة ولا يملكون الحجة، ويواجهون من يحاول الإصلاح بتهمتهم المضحكة وهى «ازدراء الأديان»، بحسب تعبيره فى نص هذا الحوار الذى أجرته معه «البوابة»..
■ مَن هم القرآنيون؟ وما أبرز الأفكار التى تميّزهم عن غيرهم من المسلمين؟ 
- نحن أول من بدأ التيار القرآنى من ٤٠ عاما، حين بادرنا بتحطيم قدسية «البخارى» فى قلعة الأزهر، وشققنا الطريق ومهدناه لمن جاء بعدنا ودفعنا الثمن، وعلى هامش جهادنا حدث تغيير هائل، منه أن بعض السنيين بدأ ينتقد «بعض الأحاديث» مع تمسكه بالسنة دينا، واستفاد من تغيير المناخ الذى أرسيناه بجهادنا وتضحياتنا فأصبح يكتب فى منطقة آمنة، بحيث ينتقد البخارى وبعض الفروع والتفصيلات بحرية.. «أهل القرآن» الذين أتحدث باسمهم والذين يعبر عنهم المركز العالمى للقرآن الكريم فى أمريكا، هم تيار إسلامى إصلاحى، ليسوا طائفة ولا حزبا، نحتكم إلى القرآن الكريم فى الإصلاح السلمي للمسلمين، ولا نفرض أنفسنا على أحد، ولا نفرض رأينا على أحد، ونغفر ما استطعنا، ولا ندعى أننا نملك الحقيقة، بل ننتظر الحكم علينا وعلى خصومنا يوم القيامة أمام الواحد القهار جل وعلا.
■ وكيف يرى القرآنيون السنة؟
- نحن لنا منهج فى تدبر القرآن الكريم من خلال تحديد مفاهيمه من داخله، من دون أن نفرض رأينا مسبقا، بل نبحث فى القرآن بتجرد وموضوعية ونبتغى الهداية، ونتقبل النقد والتصحيح، لأننا ننشد الحقيقة، ولا نقول إن رأينا هو رأى الدين أو الإسلام بل هو وجهة نظر لنا، ولهذا فإن الفتاوى فى موقعنا مفتوحة للنقاش، ولنا منهج بحث علمى وموضوعى فيما يخص تاريخ المسلمين وشريعتهم وتراثهم، ونحن متخصصون فيه وننظر إليه على أنه عمل بشرى لا قداسة فيه، ولا يخلو من الخطأ والصواب، وأفظع خطأ فيه هو نسبة تشريعات الفقه إلى رب العزة واعتبارها شريعة الله أو الشريعة الإسلامية، بينما هى من وضع الفقهاء، وهم مختلفون فيها، والأفظع هو نسبة أحاديثه للنبى محمد ظلما وعدوانا، مع أنها أقاويل تعبر عمّن قالها وعن عصرها، وليست على الإطلاق جزءا من الإسلام، لأن الإسلام اكتمل باكتمال القرآن وبموت النبى محمد عليه الصلاة والسلام، ما يعنى أن كتابة الأحاديث فى العصر العباسى واعتبارها جزءا من الإسلام هي اتهام للنبى بأنه ترك جزءا من الرسالة الإسلامية لم يبلغه، فضلا عن أنه ترك الناس يختلفون فيه ولا يعرفون له أولا ولا آخر، لما فيه من خرافات وأساطير وتشريعات ضالة تبيح سفك الدماء، ونحن نبرئ النبى محمدا صلى الله عليه وسلم من هذا الإفك.
■ لكنكم متهمون بإنكار سنة النبي.. ما ردك؟
- السُنّة طبقا للقرآن هى الشرع الإلهى والمنهاج الإلهى فى التعامل مع المشركين، أى هى سُنّة الله جل وعلا، أما الرسول فهو «أسوة حسنة» وليس سُنة حسنة، وتفصيل هذا فى كتابنا «القرآن وكفى».. أقاويل الرسول هى فى القرآن الكريم الذى تكررت فيه كلمة «قل» لتحصر ما يجب أن يقوله، بالتالى فإن السُّنّة هى فى القرآن، وأقوال الرسول فى القرآن أيضا، والقرآن كاف للمسلم كما أكّد رب العزة فى القرآن الكريم.. الفارق بيننا وبين أهل السنة أنهم يقولون إن السنة العملية هى العبادات، وهذا نتفق معهم فيه، وأن السُّنّة القولية هى أحاديث البخارى وغيره، وهذا ما نخالفهم فيه.

■ ما رأيك فى كتاب البخاري؟
- تعرض كتاب البخارى لانتقادات من حيث الرواة فى عصر الاجتهاد (العباسي) ثم تحول إلى كتاب مقدس فى عصر التقليد، بداية من العصر المملوكى فالعثماني، وصار له «ميعاد» سنوى فى شهر رمضان يتم فيه «ختم البخاري» فى حضور السلطان المملوكى، ثم بدأ انتقاد بعض أحاديث البخارى على استحياء، وفعل ذلك الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيس أنصار السنة الأسبق، وتركز النقد على بعض أحاديث من حيث المتن، مثل حديث الذبابة، وحديث رهن النبى درعه عند يهودى، وحديث اليهودى الذى سحر النبى، وحين كنت سنيا معتدلا إصلاحيا نقدت كتاب البخارى بمنهج جديد هو عرضه كله على القرآن الكريم، ثم تطور الأمر إلى إثبات عداء البخارى للإسلام من خلال طريقة صياغته للأحاديث ومنهجه فى عرضها وفى تكرارها وفى نثرها فى كتابه، ثم تطور الأمر فيما بعد ومنذ عام ١٩٨٧ إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم وحده والبحث عن الإسلام وشريعته وقيمه العليا من خلاله فقط.
■ تحدثت عن تقديس المسلمين للقرآن رغم عدائهم له.. ماذا تقصد تحديدا؟
- المسلمون فى معظمهم يقدسون «المصحف» وليس القرآن، فهم لا يؤمنون بالقرآن إلا إذا كان معه كتاب بشرى يجعلونه حكما على القرآن، أى أعلى من القرآن. فمثلا فى القرآن الكريم حوالى ١٥٠ آية قرآنية تنفى شفاعة النبى ولا يؤمن بها المسلمون، تمسكا ببضعة أحاديث تزعم شفاعة النبى، بل يتطرف بعضهم فيزعم أن أحاديث السّنة تنسخ (أى تلغى) أحكام القرآن، أى يرفعون البخارى ورواة الأحاديث فوق رب العزة جل وعلا، وهذا يجعلهم أسوأ من قوم الرسول الذين اتخذوا القرآن مهجورا، والاضطهاد الذى يتعرض له «أهل القرآن» لمجرد دعوتهم الإصلاحية إلى الاحتكام للقرآن الكريم أكبر دليل على أن من يضطهدنا يكفر بالقرآن.
■ وما سبب اتهام بعض الأزهريين لك بالردة؟ 
- لهم دينهم ولنا ديننا، بدأت بتمحيص التصوف فى رسالتى للدكتوراه، وأنا مدرس مساعد، فتعرضت لاضطهاد استمر ثلاث سنوات، وانتهى بأن حذفت ثلثى الرسالة، وهى كلها منشورة فى موقعنا، ثم بدأت فى غربلة الأحاديث، وإصلاح ما يعرف بالسُّنّة، فأسفر الأمر عن محاكمتى خلال عامين، ثم تركى الأزهر وإدخالى السجن (١٩٨٥: ١٩٨٧)، وأسفر هذا عن وصولى إلى ما أؤمن به الآن وهو القرآن وكفى. وألفت كتاب «القرآن وكفى» ونشرته عام ١٩٩٠، وهو منشور فى موقعنا بالعربية والإنجليزية والفرنسية.
■ كيف ترى الأزهر والإصلاحيين؟
هم يملكون السلطة ولا يملكون الحُجّة، نحن نملك العلم والحجة ومستضعفون، كل منا يحارب بما لديه، نحن نواجههم بالعلم والحُجّة وهم يواجهون أهل القرآن بالحبس الاحتياطى والسجن بتلك التهمة المضحكة «ازدراء الأديان».. المذاهب الإسلامية الأرضية من متصوفة وسُنّة وشيعة كلها تختلف مع بعضها، وكلها تتفق فى تناقضها مع الإسلام الذى نزل به القرآن، بدءا من تقديس البشر والحجر إلى اختراع شرائع تستحل الحرام وتحرم الحلال، ألا يكفى أنهم يحرمون الغناء الحلال ويستحلون قتل النفس البريئة؟
■ هل ترى منهجك قادرا على حل أزمة الخطاب الدينى؟
- لو تبنى النظام المصرى ما أدعو إليه لتم إصلاح الأزهر وتحجيم خطر الوهابية وأطيافها من سلفيين وإخوان وتنظيمات إرهابية لا أول لها ولا آخر، ولتبوأت مصر مكانتها وريادتها بدلا من أن تجعل السعودية المولودة عام ١٩٣٢ الشقيقة الكبرى لمصر «أم الدنيا» وأقدم دولة فى العالم! وبالمناسبة، «تجديد الخطاب الديني» مصطلح سياسى خاطئ مثله مثل مصطلح «التغيير»، قد يكون التغيير إلى الأسوأ، وقد يكون تجديد الخطاب بإحلال التشيع مكان الوهابية، أو إحلال التصوف بديلا عن هذا أو ذاك، لا بد من ضبط المفاهيم أولا، فنقول «الإصلاح الديني»، وهو لا ينفصل عن الإصلاح السياسي، وهو مؤسس على إصلاح تشريعى دستورى وقانونى ينقى التشريع من كل ما يعوق حرية الفكر والدين، وقد كتبت فى إصلاح الأزهر فى كتاب «مبادئ الشريعة الإسلامية وكيفية تطبيقها» و«دين داعش الملعون» و«شاهد على عصر السيسى»، إضافة إلى مقالات متفرقة منشورة مؤخرا، أرجو الرجوع إليها فى موقع «أهل القرآن».. الخطاب الدينى الإصلاحى الذى يحتاجه العالم الإسلامى اليوم هو توضيح التناقض بين الإسلام وشريعته القرآنية وقيمه العليا السامية «العدل والإحسان والرحمة وكرامة الإنسان والحرية المطلقة فى الدين» بناء على تأجيل الحكم فيما يخص الدين إلى يوم الدين أمام الله جل وعلا رب العالمين، وبين شرائع المسلمين التراثية، خصوصا الوهابية السُّنّية.
عضو لجنة الفتوى بالأزهر صالح عبد الحميد يرد على منكرى السنة في حواره لـ«البوابة نيوز»: يقتطعون الآيات كالإرهابيين

«فرقة ضالة» يحرمون الحلال ويحللون الحرام.. وتنبأ بهم الرسول قبل 1400 عام
«الشافعى» أول من تصدى لهم.. والاستعمار الأجنبى أعادهم ليحارب الإسلام 
رد الشيخ صالح محمد عبد الحميد، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، على مطالبة الدكتور أحمد صبحى منصور، للرئيس عبد الفتاح السيسى بتبنى أفكار «القرآنيين» لإصلاح الخطاب الديني، وقال «عبدالحميد» إن القرآنيين فرقة ضالة، وقد واجههم الإمام الشافعى فى القرن الثانى الهجرى وكان أول من تصدى لهم وواجههم وفند حججهم الباطلة، واختفوا تماما إلى أن عادوا للظهور بدخول الاستعمال الأجنبى للدول الإسلامية، حيث مولهم وأعانهم حتى يقضى على الإسلام، فهم ينكرون أن السنة هى المصدر الثانى للتشريع، رغم إجماع الأمة على أن كلام الرسول «وحى من الله»، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا منافق معاد للإسلام، ثم إنهم يقتطعون آيات القرآن من مكانها ليستخدموها لصالحهم، مثلما يفعل الإرهابيون والتكفيريون بالضبط، فيحتجون بالآية القائلة «ما فرطنا فى الكتاب من شىء» على الرغم من أنها لا تعنى ذلك، وهو ما أوضح تفاصيله فى هذا الحوار..
■ ما سبب تسمية هذه الفرقة بـ«القرآنيين»؟
- هؤلاء المنتسبون إلى القرآن زورا وبهتانا، يسمون أنفسهم «القرآنيين» نسبة إلى كتاب الله تعالى، وقد اختاروا تلك التسمية لإيهام الناس بأنهم ملتزمون بكتاب الله من جانب، ومن جانب آخر يريدون أن يقولوا إن غيرهم من المسلمين الذين يؤمنون بسنة النبى ليسوا قرآنيين، وإنهم انشغلوا بالسنة عن القرآن الكريم، وأيضا نسبوا أنفسهم إلى القرآن حتى يقطعوا الطريق على من يعارضهم.
■ وما ردك العلمى على قولهم إن السنة ليست من الدين؟
- ليس من المستغرب وجود مثل هؤلاء من الفرق الضالة، ممن يضمرون العداء لهذا الدين، فأعداء الإسلام كثر، ومنكرو السنة مضت بهم القرون جيلا بعد جيل، وهؤلاء جهلهم بيّن وظاهر، وعداوتهم صريحة.. فما رد هؤلاء على قول الله عز وجل فى سورة النجم «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى»، وقوله تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما».
إن السنة التى ينكرونها هى المصدر الثانى للتشريع الإسلامى، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا معاد للإسلام مضمر فى قلبه النفاق والحقد على المسلمين، ومن الآيات التى تدل دلالة قاطعة على أن السنة من عند الله عز وجل قوله تعالى «ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين»، فهذه الآية التى فى سورة الحاقة تدل دلالة صريحة أن الرسول لا يتقول بشىء من عند نفسه بل وحى من عند الله، ولو أن الرسول قال شيئا فى الدين لم يوح الله به وحاشاه لأهلكه الله، فهذا وعد من الله أنه حافظ دينه من أن يدخل عليه شىء ما ليس منه.
ثم بعد ذلك تأتى الآيات التى تأمرنا بطاعة النبى واتباعه والانقياد لكل ما جاء به وتجعل طاعته واتباعه فيصلا بين الإيمان والكفر والنجاة والهلاك مثل قوله تعالى «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب»، كما نفى الإيمان عن كل من عصاه فقال تعالى «قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين»، وغيرها الكثير من الآيات التى توجب طاعة الرسول واتباع سنته والتحذير من عصيانه.
■ من أفكارهم أن السنة باب خفى يحتمى به المخربون.. ما صحة ذلك؟
- هذا القول لا ينم إلا عن جهل مطبق بالسنة وبصاحب الرسالة الذى ما بعث إلا ليكون رحمة للعالمين، فالسنة بها آلاف الأحاديث التى تدعو إلى الرحمة وحسن الخلق ومكارم الأخلاق، حتى إنها وضحت وبينت أن الرحمة ليست مقصورة على أهل ديننا فقط، بل امتدت لأصحاب الديانات الأخرى كما أمر النبى ووصى المسلمين بالنصارى خيرا حينما قال «من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة».. بل امتدت لتشمل الحيوان كما أخبر النبى «إن امرأة دخلت النار فى قطة حبستها، لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض»، وبين أن رجلا دخل الجنة بسبب أنه سقى كلبا يلهث الثرى من العطش، فأى تخريب يدعى هؤلاء بأقوالهم المنحرفة التى تنم وتظهر الكره والحقد للإسلام وأهله!
■ إذن من أين جاءوا بهذه الأفكار؟
- ليعلم الجميع أن هذه الافكار ليست وليدة اليوم، بل وجدت منذ مئات السنين، فبداية ظهور تلك الفرقة كانت فى القرن الثانى الهجرى، وكان أول من تصدى لهم وواجههم وفند حججهم الباطلة الإمام الفقيه الشافعى، حيث عقد فصلا خاصا فى كتابه «الأم»، ذكر فيه مناظرة بينه وبين من يريدون هدم السنة، ثم اختفت تماما فى بداية القرن الثالث الهجرى، لكنها عادت للظهور مرة أخرى فى نهاية القرن التاسع عشر مع دخول الاستعمار للبلاد الإسلامية الذى غذى هذه الأفكار المنحرفة ومولها وأيدها ماديا ومعنويا، فى محاولة منه للقضاء على الإسلام وهدم أصوله وأركانه، وكان هدفهم استغلال الجهل المنتشر لضرب الإسلام من خلال زعزعة العقيدة فى قلوب المسلمين بكل الوسائل، واستطاعوا من خلال أصحاب الأهواء والمطامع أن ينشروا تلك الأفكار الضالة، فانتشرت من الهند إلى العراق ومصر ولبيا وإندونيسيا وماليزيا وغيرها من الدول الإسلامية.
وكان من بين هؤلاء الذين دعوا إلى ترك السنة والاعتماد على القرآن فقط الدكتور توفيق صدقى الذى كتب مقالا فى مجلة «المنار» بعنوان «الإسلام وحده»، وتبع ذلك ظهور جماعة فى الهند دعت إلى ما يدعو عليه هؤلاء، مرددين نفس الشبهات التى يثيرها أتباعهم اليوم.

■ وما الذى يستندون إليه لإنكار السنة بهذه القوة؟
- من أهم الأسانيد التى يعتمدون عليها قوله تعالى «ما فرطنا فى القرآن من شىء»، فهل نحن مثلا لسنا فى حاجة للسنة، لأن القرآن قال «ما فرطنا فى الكتاب من شيء»، وللعلم فهذه الآية نفسها ترد على الشبهة التى دائما يرددونها عن أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ وليس القرآن الكريم، والواقع أن اللوح المحفوظ هو الذى حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها جليلها ودقيقها، والدليل على ذلك تكملة الآية «وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء»، بمعنى أن الأرزاق والآجال وكل ذلك مكتوبة ومحفوظة فى اللوح المحفوظ.
ولو سلمنا فرضا بأن المراد بالكتاب هنا هو القرآن، فالمعنى أنه لم يفرط فى شىء من أمور الدين وأحكامه، وأنه بينها بيانا وافيا، ولكن عن طريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده، وأحكامه العامة من وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها، على جهة الإجمال والعموم، بينما ترك بيان التفاصيل والجزئيات للرسول صلى الله عليه وسلم، لتبينه وتوضحه السنة المطهرة.
■ كيف ترد على إنكارهم لعذاب القبر وحساب الملائكة؟
- إنهم مجموعة اتخذت من القرآن بعض الآيات المقتطعة من مكانها واستخدموها لصالحهم، كما كانت ولا تزال جماعات الإرهاب والتكفير فى العالم تفعل، فعذاب القبر وحساب الملائكة هو من أساسيات الدين وذكرها القرآن فى أكثر من موضع، ولكنهم يتناسونها لحسابات خاصة.
■ وما موقفك من انتسابهم إلى الإسلام؟
- هؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد وأبوداود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله قَال: (يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُل مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِى فَيَقُول: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ مِثْل مَا حَرَّمَ اللَّهُ).. هؤلاء ليسوا قرآنيين، لأن القرآن أوجب طاعة الرسول فيما يقرب من مئة آية، واعتبر طاعة الرسول من طاعة الله عز وجل. بل إن القرآن الكريم الذى يدعون التمسك به نفى الإيمان عمن رفض طاعة الرسول ولم يقبل حكمه: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).. وقولهم إن السنة قد دست فيها أحاديث موضوعة مردود عليه بأن علماء هذه الأمة عنوا أشد العناية بتنقية السنة من كل دخيل، واعتبروا الشك فى صدق راو من الرواة، أو احتمال سهوه رادا للحديث، وقد شهد أعداء هذه الأمة بأنه ليست هناك أمة عنيت بالسند، وبتقيح الأخبار، ولا سيما المروية عن رسول الله كهذه الأمة. ويكفى لوجوب العمل بالحديث غلبة الظن بأنه صادر عن رسول الله فقد كان يكتفى بإبلاغ دعوته بإرسال واحد من أصحابه، مما يدل على أن خبر الواحد إذا غلب على الظن صدقه وجب العمل به.
ثم نسأل هؤلاء: أين هى الآيات التى تدل على كيفية الصلاة وعلى أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى أنصبة الزكاة وعلى أعمال الحج، إلى غير ذلك من الأحكام التى لا يمكن معرفتها إلا من السنة.
■ كيف تدافع عن البخارى الذى يكيلون لكتابة الاتهامات؟
- أقلهم تشددا يرفض بعض الأحاديث ويشكك فى الأئمة العظام الذين أفنوا أعمارهم فى طلب الحديث وجمعه، أمثال الإمام العظيم الإمام البخارى الذى عاش عمره كله جامعا لحديث رسول الله وطالبا للعلم متحملا عناء السفر والمشقة كما كان يروى عنه أنه كان يسافر بالأشهر ليتأكد من صحة حديث واحد عن رسول الله، ثم رجع من سفره لما وجد راوى الحديث يخدع دابته ويوهمها أن فى ثوبه طعاما ورجع ولم يأخذ عنه، وقال لا آمنه على حديث رسول الله، هذا الإمام الذى أجمعت الأمة كلها على أن صحيحه أصح كتاب بعد كتاب الله عزوجل.
أما الغلاة من هؤلاء الطائفة فيرفضون السنة إجمالا وتفصيلا، بل منهم من ينكر بعض العبادات والأركان فى هذا الدين مثل الصلاة وغيرها، وجميعهم يدعو بجهل وضلال إلى ترك السنة والاكتفاء بالقرآن الكريم كمصدر منفرد للتشريع.