الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سعد ساويرس.. الطبيب المناضل يرحل في هدوء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى هدوء يليق بشخصيته رحل الدكتور سعد ساويرس، منذ أيام عندما استيقظ أبناء الشرابية والزاوية الحمراء على نبأ وفاة طبيبهم الذى لم يغادر الحى والتزم طوال حياته بعلاج البسطاء فى عيادته العامرة، جاءت صدمة أبناء الحى لأن ساويرس لم يكتف فى حياته بالكشف وتقديم العلاج لمرضاه، بل كان حريصًا فى أغلب الحالات المرضية على تدبير العلاج ومتابعة المريض حتى يقف على قدميه من جديد، وكان سعد ساويرس راهبًا يمشى فى البالطو الأبيض ليوزع المحبة على الجميع دون تفرقة ما بين مسلم ومسيحى، لذلك كانت الصدمة كبيرة على محبيه.
الحزن الغائر الذى سببه رحيل الدكتور سعد ساويرس تمدد من الحى الذى أفنى فيه عمره ليصل إلى صفوف اليسار المصرى الذى التزم سعد معه منذ بواكير شبابه، ليصحو حزب التجمع على النبأ الحزين ويحط الصمت الثقيل على أرواح القادة والأعضاء فى المحافظات، ويمتد الصخب عبر شبكات الهاتف بين الجميع غير مصدقين أن الطبيب المناضل اليسارى المسيحى قد رحل دون مقدمات ودون أن يلوح لمحبيه بيديه تلويحة الوداع.
الأنبا مارتيروس أسقف الشرابية كان حزنه مركبًا فهو يعرف قدر سعد ساويرس جيدًا على مستوى الدائرة التى عاش سعد فيها وعلى مستوى الوطن الذى عاش بداخله سعد لذلك نعاه الحبر الجليل بقوله «انتقل من عالمنا الفانى الخادم الأمين الدكتور سعد ساويرس المحب لله والوطن عضو حزب التجمع ومرشح مجلس النواب سابقًا والرائد فى العمل السياسى والمدنى»، ليست الكنيسة فقط التى بكت ساويرس ولكن حزب التجمع أيضًا يكتب نعيه للشعب المصرى من الإسكندرية إلى أسوان مؤكدًا على أن المناضل د.سعد ساويرس، عضو اللجنة المركزية الذى وافته المنية قد أفنى حياته مدافعًا عن الطبقات الشعبية الكادحة ومناصرًا لقضايا الوطن واستقلاله، وكما توقعت يصلني من باريس صوت الدكتور عبدالرحيم على عضو مجلس النواب ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «البوابة»، ورفيق الدكتور سعد ساويرس فى الكثير من القضايا المشتركة، يصلنى الصوت عاتبًا وغاضبًا وحزينًا لأنه لم يتمكن من وداع سعد كما يليق بالرفاق.
كل هذه المحبة التى حصدها طبيب الفقراء الدكتور سعد ساويرس لم تكن مصادفة، فالرجل الذى بكاه المسلمون قبل المسيحيين كان يعرف جيدًا أن الدين لله والوطن للجميع، ويعرف أن ضرائب مهمة لابد من دفعها للوطن، ومن تلك الضرائب يعرف ساويرس أن الارتباط العضوى بين المثقف ومجتمعه واجب مُلزم، لذلك كان من الطبيعي أن ترى سعد وهو يخوض الانتخابات البرلمانية تحت راية اليسار مُبشرًا بمجتمع العدالة الاجتماعية، وكان بديهيًا أن يخلع الطبيب البالطو الأبيض مناضلًا فى الميادين ضد الفساد قبل يناير ٢٠١١ وضد الاستبداد فى زمن الإخوان، كان الأمر بسيطًا جدًا عند طبيب الفقراء المناضل وهو يتخذ قراراته الفاصلة التى تمنعه من السكن فى كومبوند الأثرياء ويرضى بسعادة أن يبقى فى حوارى الشرابية والزاوية الحمراء.
كنا في مؤتمر عام لحزب التجمع قبل سنوات وجاء الزملاء من كل محافظات مصر، وكان مبيت الزملاء بالقاهرة مشكلة تؤرق المقر المركزى محدود الإمكانيات، كنت هناك وكان ساويرس بوقفته المميزة يتابع أفكار المبيت مع المسئولين وكعادته فى الحل البسيط يقول «مقر العيادة تحت أمركم»، وبالفعل تتحول عيادته إلى فندق بسيط ليستوعب عددًا من القادمين، لهذا وغيره كانت دموع الشاعر مدحت منير حارقة فى وداعه وكان انهيار الدكتور فريد حنا فى لحظة وداع سعد أمرًا طبيعيًا، وكانت أسرة الدكتور سعد تتأمل محبة الناس وهي مطمئنة بأن أباهم وأخاهم الذى رحل قد زرع بحرص واهتمام ما يجعله راضيًا مستريحًا فى رقدته الأبدية، وكانت ابنته فيولا وهى تتلقى الاتصالات نيابة عن أبيها ترفع رأسها فخورة بالعائلة الكبيرة التى انتمى إليها أبوها، إنها عائلة اليسار والتقدم إنها عائلة البسطاء الذين أحبهم سعد ساويرس.
أكتب عن صديقى الذى رحل وأنا واثق أنه ينظر الآن إلى المقال قائلًا.. على الأرض السلام وبالناس المسرة.