السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

السؤال الصعب: ماذا سيفعل العرب حيال "نقل سفارة واشنطن إلى القدس"؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد د.محمد السعيد إدريس رئيس وحدة الشئون العربية بالمركز العربى للبحوث

ارتباك عربى بين قمتى «نواكشوط» و«البحر الميت» 
إسرائيل تخطط لإعادة هندسة النظام الإقليمى الشرق أوسطى لتحقيق مصالحها
تخلى الدول العربية عن القضية الفلسطينية وخيار حل الدولتين والقبول بإسرائيل دولة
يهودية مقابل التحالف الإسرائيلى مع الدول العربية «السنية» ضد الخطر الإيراني

إنهاء الأزمة السورية بشكل يؤمِّن المصالح الإسرائيلية ويحول دون تحويل سوريا لقوة معادية 
السماح لروسيا بالسيطرة على سوريا فى المستقبل مقابل تفكيك التحالف مع إيران 
إعادة إعمار قطاع غزة وتحويله إلى «سنغافورة شرق أوسطية» مقابل تخلى «حماس» عن المقاومة
رغم أن ما يفصل القمة العربية الثامنة والعشرين، التى عقدت بالقرب من شواطئ البحر الميت بالمملكة الأردنية (٢٩/٣/٢٠١٧)، لم يفصلها أكثر من تسعة أشهر عن القمة السابقة التى استضافتها العاصمة الموريتانية نواكشوط (٢٥/٧/٢٠١٦)، التى حملت وقتها «قمة الأمل»، إلا أن ما حدث خلال تلك الأشهر كان كثيرًا وثقيلًا جدًا فى نفس الوقت، ولذلك فإن الإنجاز المحدود الذى تحقق فى القمة العربية بالأردن يصعب إنكاره مقارنة بالأجواء شديدة السلبية التى أحاطت بالقمة العربية فى نواكشوط، والتى جاء انعقادها فى العاصمة الموريتانية محاولة لإنقاذ القمة من مصير مشئوم سيطر على هواجس الكثيرين بأن القمة قد تؤجل إلى أجل غير مسمى.


تراکم المخاطر والتداعیات
كانت قمة نواكشوط صادمة فى ظروف انعقادها، وفى نتائجها الهزيلة. فقد استضافت موريتانيا تلك القمة، التى عقدت ليوم واحد على غير العادة، بعد اعتذار جريء وفريد من المملكة المغربية، التى كان من المقرر أن تستضيف تلك القمة.
تجاوز الاعتذار المغربى تقليد التستر على الأخطاء والسلبيات، الذى تحول إلى تقليد من أبرز تقاليد العمل العربى المشترك وأسباب فشله، ووضع النقاط فوق الحروف وقال إنه «أمام غياب قرارات مهمة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مناسبة للتصديق على قرارات عادية، وإلقاء خطب تعطى الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين الدول العربية، «وزاد الاعتذار المغربى على ذلك أن المملكة المغربية «لا تريد أن تعقد القمة بين ظهرانيها دون أن تسهم فى تقديم قيمة مضافة فى سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهى قضية فلسطين والقدس الشريف، فى وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلى فوق الأراضى المحتلة، وتنتهك فيه الحرمات، ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين».
كان الاعتذار المغربى بمثابة جرس إنذار لكل من يهمهم أمر هذه الأمة، لكن الواضح أن هذا الإنذار لم يصل إلى مسامع أحد، فالواقع يقول إن مؤشر العمل العربى المشترك فى الانحدار والتردى، بشهادة كبار الخبراء الإسرائيليين الذين يؤكدون أن العلاقات العربية الإسرائيلية أضحت فى أوج تألقها، وأن فلسطين لم يعد لها مكان فى أجندة أولويات دول عربية محورية.
هؤلاء الخبراء أكدوا أن ما بين دول عربية وإسرائيل، على مستوى الأهداف والمصالح المشتركة يكفى للتموضع فى الخندق الواحد. من أبرز هؤلاء الخبراء «آرى هبيسطين»، مساعد رئيس «معهد أبحاث الأمن القومى» فى تل أبيب، الذى كتب يقول فى نشرة «تحديث استراتيجى» إن دولًا عربية ازدادت قربًا من إسرائيل، بعد ما أدركت وجود تقارب فى الرؤية والتقدير إزاء مختلف قضايا الشرق الأوسط، وتحديدًا ما يتعلق بمواجهة إيران و«حزب الله» وحلفائهما.
وإذا كان هذا الباحث قد تحدث بتركيز على السعودية فإنه يرى أسبابًا لذلك، أبرزها العداء السعودي- الإسرائيلى المشترك لإيران، وإدراك السعودية أن إسرائيل يمكن أن تكون قوة داعمة للرياض فى غياب الحليف الأمريكى (أيام الرئيس باراك أوباما)، وأنها يمكن أن تكون داعمة لعلاقات سعودية- أمريكية مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ما هو أشد خطورة على العمل العربى المشترك ومكانة القضية الفلسطينية، كقضية مركزية ضمن هذا العمل ما يروج له الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى منذ سنوات، وأخذ يعكس أصداءه على الإدراك العربى. 
فالإسرائيليون يروجون لأكاذيب تقول إن إسرائيل ليست سببًا فى الأزمات العربية، وليست سببًا فى غياب الأمن والاستقرار عن الشرق الأوسط، وأن العرب وأوضاعهم السيئة هى السبب، ويدللون على ذلك بأن الصراعات الداخلية العربية- العربية، والظواهر الصراعية الجديدة خاصة الصراع السُني- الشيعى، والصراع العربي- الإيرانى، والإرهاب، كلها ليست إسرائيل سببًا فيها، لذلك يقولون إنه يجب أن يتوقف العالم عن إعطاء أولوية لما يسمى بـ «النزاع الفلسطيني- الإسرائيلى» والتركيز بدلًا عن ذلك على كل تلك القضايا ذات الأولوية وعلى الأخص الخطر الإيرانى والخطر الإرهابى.
إسرائيل تخطط لفرض «أجندة عمل جديدة» للنظام الإقليمى تكون هى من يقودها، أولوياتها الخطر الإيرانى والخطر الإرهابى وأطرافها تحالف يضم إسرائيل والدول العربية «المعتدلة» أى الدول التى لديها استعداد للتخلص من عبء التزاماتها نحو القضية الفلسطينية، وليس من بين بنود هذه الأجندة القضية الفلسطينية.


الأولویة للاستقطاب الإقلیمی
لم يكتف الإسرائيليون بدور المراقب للأوضاع العربية المأساوية التى أحاطت بانعقاد قمة نواكشوط، وما تلاها من تعثر عربى وجهود حثيثة، قاموا بها لتجميد الملف الفلسطينى نهائيًا بالنسبة للإدارة الأمريكية (إدارة أوباما)، ثم العمل على بلورة الأجندة الجديدة للرئيس ترامب، ولكنهم أعطوا الأولوية لعملية باتت لها كل الأولوية هى إعادة هندسة النظام الإقليمى الشرق أوسطى وفق أسس وقواعد جديدة تحقق لهم أعلى قدر من المكاسب، أولها هى تذويب النظام العربى فى النظام الإقليمى، بحيث يختفى النظام العربى كلية من الوجود ويتحول إلى جزء من عالم إقليمى أوسع هو الشرق الأوسط، من خلال جهود هائلة لطمس الهوية القومية للنظام العربى، ومن خلال مخطط إعادة تقسيم الدول العربية على أسس عرقية وطائفية تنهى أى صلة بالعروبة كهوية.
وثانيًا: فرض استقطاب جديد فى إدارة النظام الشرق أوسطى ينهى نظام التعددية القطبية الذى كان سائدًا لسنوات طويلة مضت، على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويفرض إسرائيل قوة قائدة لهذا النظام الآن من خلال فرض نظام إقليمى ثنائى القطبية، يؤدى إلى اختفاء قضايا محورية وصعود قضايا أخرى بديلة تبرز تمايز هذا الاستقطاب الثنائى.
الاستقطاب الجديد الذى تريد إسرائيل أن تفرضه مستغلة حالة الارتباك العربية، هو تأسيس ما يسمونه بـ «تحالف الاعتدال» الذى يضم دولًا عربية لم تعد طرفًا فى صراع مع إسرائيل يفضلون تسميتها «الدول السُنية» إضافة إلى تركيا وإسرائيل بمشاركة أمريكية، وهو التحالف الذى أعطوه اسم «حلف ناتو إقليمى» أى حلف إقليمى على غرار حلف شمال الأطلسى (الناتو) يؤسس على قاعدة تعاون دفاعى وأمنى واستخباراتى ضد تحالف آخر، أحيانًا كان يأخذ مسمى «الهلال الشيعى» تقوده إيران ويضم الدول القريبة من طهران خاصة العراق وسوريا ولبنان (باعتبار أن حزب الله حليف إيران أضحى صاحب الكلمة الأولى فى لبنان)، وأحيانًا أخرى يحمل اسم «محور الشر»، أى نفس المسمى الذى ابتدعه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش (الابن) عندما قرر أن يخوض حربًا واسعة ضد ما أسماه بـ «الإرهاب»، وكان العراق ومن قبله أفغانستان أول من دفع أثمان هذه الحرب.
هذا الاستقطاب الثنائى تسعى إسرائيل إلى تحويله من مجرد افتراض نظرى إلى واقع عبر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات التى تحاول إسرائيل الترويج لها، لتيسير هذا الاستقطاب الإقليمى الثنائى بين قطب محور الاعتدال أو «حلف الناتو الشرق أوسطى» تقوده إسرائيل، ومحور الشر تقوده إيران.
من بين أبرز وأهم هذه السياسات والاستراتيجيات الإسرائيلية التى تراها إسرائيل ضرورية للنجاح فى تأسيس «الناتو الإقليمى» وتقليص وزن التحالف المعادى الذى تقوده إيران ما يمكن تسميته بـ «استراتيجية المقايضات»، وهى مجموعة من «المقايضات» تسعى إسرائيل إلى الخوص فيها لتجاوز العقبات والقيود التى قد تعرقل مسعاها لتزعم هذا التحالف مع من تسميهم بـ «الدول السُنية» وتركيا، وتفرضها قوة قائدة لهذا التحالف الجديد من ناحية، ثم تقليص قوة التحالف المعادى الذى تقوده إيران من ناحية أخرى.
أولي هذه المقايضات تخص إعادة هندسة الأوضاع فى سوريا تستهدف إنهاء الأزمة السورية بشكل يؤمِّن المصالح الإسرائيلية كاملة ويحول دون تحويل سوريا إلى قوة مناوئة أو معادية أو طرفًا فى التحالف الآخر المعادى من خلال خطة صاغها وزير البناء والإسكان الإسرائيلى يؤاف جالنت حملت اسم «خطة سياسية استراتيجية» لتحقيق المصالح الإسرائيلية فى سوريا، وبحسب هذه الخطة، ينبغى أن تقوم الولايات المتحدة بقيادة ائتلاف دولى لإعادة إعمار سوريا، أى مقايضة إعمار سوريا، التى لن تدفع فيها إسرائيل دولارًا واحدًا مقابل فرض السيادة الإسرائيلية كاملة على هضبة الجولان، أى الإعمار مقابل الجولان. 
المقايضة الثانية تخص روسيا، وسبق أن ألمحت إليها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عبر خطة تهدف إلى تفكيك العلاقة بين روسيا وإيران على أن يتم مقايضة السماح لروسيا بأن تكون القوة المسيطرة على سوريا فى المستقبل نظير تفكيك روسيا لتحالفها مع إيران، شرط موافقة روسيا على منع أى نفوذ أو وجود سياسى أو عسكرى لإيران وحزب الله فى سوريا قد يسمح بإقامة جبهة عسكرية ضد إسرائيل فى الجولان على غرار الجنوب اللبنانى. وهذا معناه تفكيك كل روابط النفوذ الإيرانى فى المشرق العربى كله، وعزل حزب الله تمهيدًا للقضاء عليه باعتباره أخطر مصادر التهديد لأمن إسرائيل، هذه المقايضة مع روسيا تعنى: إيران مقابل سوريا.
المقايضة الثالثة تخص قطاع غزة وتتضمن - وفق خطة أعدها وزير الأمن الإسرائيلى أفيجدرو ليبرمان - وعودًا بإعادة إعمار قطاع غزة وتحويله إلى «سنغافورة شرق أوسطية» مقابل تخلى حركة «حماس» نهائيًا عن خيار المقاومة، وتتضمن خطة ليبرمان دعوة صريحة إلى انفصال سكان غزة عن سائر الشعب الفلسطينى فى الضفة والداخل والشتات، وبعبارة أكثر مباشرة، دعوة فصائل المقاومة إلى إلقاء السلاح، وهى تعنى أيضًا التخلى عن مقاومة الاحتلال فى الضفة، وقبول الاستيطان، واحتلال القدس وكل فلسطين.
المقايضة الرابعة والأهم: هى مقايضة فلسطين بـ «التحالف الإقليمى»، أى أن تتخلى الدول العربية عن القضية الفلسطينية وخيار حل الدولتين والقبول بإسرائيل دولة يهودية مقابل التحالف الإسرائيلى مع الدول العربية «السنية» ضد الخطر الإيرانى الذى تعمل إسرائيل بدأب على تحويله كمصدر أساسى للتهديد بالنسبة لمن تسميهم بـ «الدول السُنية المعتدلة» والمقايضة هنا تعنى الدعم الإسرائيلى ضد إيران مقابل التخلى العربى عن فلسطين.


قمة البحر المیت والارتباك العربی
رغم هذا كله لم يظهر العرب ونظامهم ممثلًا فى جامعة الدول العربية اكتراثًا بإعادة ترميم العلاقات العربية والعمل العربى المشترك والاستعداد للقمة الدورية الجديدة ولم تكشف الأعمال التحضيرية للقمة العربية الدورية الثامنة والعشرين التى عقدت يوم ٢٩ مارس الفائت فى العاصمة الأردنية عمّان عن أى نية عربية جادة للتعامل مع الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التى تستهدف إعادة هندسة خرائط التحالفات والصراعات فى الشرق الأوسط بما يحقق أعلى مكاسب لدولة الكيان الصهيونى، وعلى الأخص ما يتعلق بالمقايضات الأربع التى تشغل الإسرائيليين الآن، كما أن هذه الأعمال التحضيرية لم تكشف عن أى نية عربية للرد على المواقف الأمريكية الاستفزازية للحقوق والثوابت العربية فى فلسطين، سواء ما يتعلق بدعم الرئيس الأمريكى للموقف الإسرائيلى الرافض لخيار «حل الدولتين» أو ما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودعم سياسة الاستيطان فى الضفة الغربية.
فى هذه الأجواء عقدت القمة العربية الثامنة والعشرون على الضفة الشرقية للبحر الميت، وعلى بعد كيلو مترين من الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، وعلى بعد ستة كيلو مترات من القدس، وبالقرب من الحدود التركية مع كل من العراق وسوريا، ما يعنى أن القمة عقدت مكانيًا فى بؤرة الأزمات العربية، فضلًا عن أن انعقادها زمنيًا جاء فى ذروة التحديات، وكان من المتوقع أن تكون القمة على مستوى التحديات، لكنها لم تستطع ذلك، جاءت تقليدية فى قراراتها وأهم ما أنجزته هو مجموعة من المصالحات العربية، وبالتحديد مصالحة مصرية- سعودية، لم تمتد إلى تحقيق مصالحة مصرية- قطرية، وفضلًا عن ذلك قررت ترحيل ملف فلسطين إلى واشنطن واكتفت بإدانة عربية واضحة وصريحة لإيران وتوافق عربى شامل على رفض أى تدخل فى الشئون العربية الداخلية. فقد تضمن «إعلان عمان» الذى تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مجموعة من القرارات المهمة التى رأى فيها البعض تراجعًا عن توقعات كانت تتردد فى أروقة المؤتمر وخاصة ما يتعلق بإجراء تعديل فى جامعة الدول العربية، سواء من ناحية «قبول الطرف الفلسطينى وبعض الدول العربية إعادة صياغة معادلة الأرض مقابل السلام لتصبح دولة فلسطين مقابل السلام، أى التنازل، ولو بشكل مؤقت عن طلب الانسحاب الإسرائيلى من هضبة الجولان السورية» على نحو ما كتب «تسفى برئيل» فى صحيفة هآرتس، ما يعنى أن هذا التوقع كان إسرائيليًا، أو أنه كان مثار تفاهمات لأطراف عربية مع الإسرائيليين، أو من جانب الوسيط الأمريكى مبعوث الرئيس ترامب جيسون جرينيلات الذى أجرى محادثات مستفيضة مع الإسرائيليين والفلسطينيين قبيل انعقاد القمة العربية، وتواجد فى أروقة القمة وأجرى العديد من اللقاءات مع أطراف عربية. كان هناك توقع بتعديل آخر فى المبادرة العربية التى تنص على مبادلة الأرض مقابل السلام، بحيث يبدأ تطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية فور إعلان إسرائيل موافقتها على المبادرة، وليس نتيجة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التى تجرى بين الطرفين على أساس هذه المبادرة.
أيًا من هذه التوقعات لم يحدث، أو أن ما حدث كان مختلفًا بدرجة ما فقد طالب «إعلان عمان» دول العالم بعدم الموافقة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وأكد مركزية القضية الفلسطينية، والتمسك بـ «مبادرة السلام العربية»، وأدان التدخلات الإيرانية فى الشئون العربية، كما أدان جميع أعمال الإرهاب وممارساته بكل أشكاله. لكن كان هناك تحول ملحوظ فى أسلوب التعامل مع المبادرة العربية، وربما جاء ذلك تمشيًا مع توجهات أمريكية جرى التعبير عنها مؤخرًا.
فالإعلان شدد من ناحية على أن «السلام الشامل والدائم خيار عربى استراتيجى تجسده مبادرة السلام العربية» لكنه من ناحية أخرى، وصف هذه المبادة بأنها «لا تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية قدرة على تحقيق مصالحة تاريخية». مصطلح «المصالحة التاريخية» هو الجديد على الخطاب السياسى العربى، ويكاد يتماهى مع ما سبق أن عبر عنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بخصوص «الصفقة الشاملة» التى أثارت وقت طرحها توجسًا إسرائيليًا ملحوظًا، خشية أن يكون ثمن هذه الصفقة هو فرض واشنطن لخيار حل الدولتين.
فقد سبق انعقاد القمة العربية تردد أنباء ومعلومات مصدرها واشنطن وتل أبيب مفادها اعتزام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تمرير «وصفته» لتسوية فلسطينية- إسرائيلية عبر مفاوضات تستمر ستة أشهر، وأن جولة مبعوثه للمنطقة جيسون جرينيلات ولقاءاته مع المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين قبيل القمة كانت لتسويق تلك «الوصفة» أو «الخطة» بين الأطراف المعنية وأن حضوره القمة العربية كان للغرض ذاته. ووفق ما تم تسريبه من معلومات عن هذه الخطة فإنها تتضمن شروطًا ثقيلة الوطأة أكثر من كل سابقاتها، وأكثر مما تتضمنه تسوية تكفل الحد الأدنى من المطالب والحقوق الفلسطينية.
واضح أن القمة العربية لم تكن بعيدة عن أجواء هذه التسريبات والمعلومات، وأن وجود جيسون جرنيلات فى أجواء تلك القمة كان له انعكاساته، ومن هنا ربما يكون اللقاء الثلاثى الذى جمع الملك الأردنى عبدالله بن الحسين والرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الفلسطينى محمود عباس وحضره الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قد تدارس هذه الأفكار والمعلومات، لكن التطور الأهم هو تلك اللقاءات التى تقررت فى واشنطن لثلاثة من القادة العرب مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الأمر الذى أثار توجسًا إسرائيليًا شديدًا، خشية أن تقود هذه اللقاءات إلى مشروع للتسوية يفرض على إسرائيل تقديم تنازلات خاصة بالنسبة للأرض والاستيطان وموضوع الدولة الفلسطينية.
فالإسرائيليون يعيشون هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التوجس خشية أن تأتى من واشنطن «رياح خماسينية» تعكر صفو «نسيم الربيع» الذين يعيشونه مع الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب. سبب هذا التوجس هو الاهتمام المفرط والجديد، إن لم يكن الغريب، الذى يسيطر الآن على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بخصوص تسوية القضية الفلسطينية، وهو التوجس الذى ظهرت معالمه فور تلقى الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) اتصالًا هاتفيًا من الرئيس ترامب، ومحادثته فى شئون المفاوضات والتسوية، ووعده بأن يلقاه قريبًا فى واشنطن، لكن الأمور أخذت جديتها عقب الإعلان عن لقاءات قمة ثلاثة متتالية ومتقاربة للرئيس الأمريكى مع ثلاثة من الزعماء المفوضين من القمة العربية بالتباحث فى شأن التسوية الفلسطينية مع ترامب، القمة الأولى مصرية- أمريكية عقدت يوم الإثنين (٣/٤/٢٠١٧) والثانية أردنية- أمريكية عقدت الأربعاء (٥/٤/٢٠١٧) بين العاهل الأردنى الملك عبدالله بن الحسين والرئيس الأمريكى، أما القمة الثالثة فربما تعقد يوم ١٥ إبريل الجارى بين الرئيس الأمريكى والرئيس الفلسطينى محمود عباس. 
هذا التوجس الإسرائيلى كان قد عبر عنه كثير من كبار المسئولين بسبب عبارة وردت فى مجمل تصريحات دعم أمريكية غير مسبوقة لإسرائيل لدونالد ترامب. لم تتجاوز هذه العبارة الحديث عن «صفقة شاملة لتسوية الصراع فى الشرق الأوسط»، فالمشروع الإسرائيلى الخاص بمستقبل ما يسمى بـ «عملية التسوية» استبعد نهائيًا من مفرداته أى حديث عن حقوق فلسطينية، مثل دولة فلسطينية، أو انسحابات إسرائيلية من الضفة الغربية، هم يتحدثون عن سلام شامل مع العرب، يمكنه أن يؤدى مستقبلًا من خلال الدخول فى مصالح مشتركة عربية إسرائيلية إلى تفاهمات تخص الفلسطينيين أقصاها بالطبع إمكانية القبول بـ «حكم ذاتى» لـ «أقلية فلسطينية» داخل دولة إسرائيل حسب آخر اجتهادات لرئيس الحكومة الإسرائيلية عند زيارته لأستراليا مؤخرًا.
كيف سيكون الرد العربى إذا كانت التسريبات الخاصة بلقاءات جيسون جرينيلات مبعوث ترامب صحيحة وهى التى تعطى أولوية لتطبيع العلاقات مع العرب مقابل قبول مخادع لمبادرة السلام العربية خال من أي التزامات للفلسطينيين؟ وماذا سيفعل العرب إذا أعطى ترامب أوامره بنقل سفارة بلاده إلى القدس، خصوصًا وأن هناك قرارا عربيا بقطع العلاقات مع أى دولة تنقل سفارتها إلى القدس، وسبق تطبيقه على دولة كوستاريكا؟.
أسئلة مهمة تتجاوز فلسطين إلى العلاقات العربية- الأمريكية، التى كانت على أجندة أولويات القمة العربية فى الأردن، تطرح العديد من علامات الاستفهام من الذى يمكن أن يأتى من واشنطن على غير ما تمنته القمة العربية.