السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكواليس السرية للشرق الأوسط «7»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع يفجينى بريماكوف، الكشف عن الكواليس السرية للأحداث الساخنة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بقوله، «أخذت الولايات المتحدة على نفسها منفردة دور تحديد أى دولة تمثل خطورة على الأمن الدولى، دون قرار من مجلس الأمن، وبمفردها تستخدم الضربات الوقائية ضد هذه الدولة بقواتها المسلحة».
«هذه العقيدة كانت من إنتاج المحافظين الجدد الأمريكيين، الذين أصبحوا ذوى تأثير غالب ومباشر على تحديد توجهات أيديولوجية السياسة الخارجية بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وعن العقيدة الشرق أوسطية للمحافظين الجدد، يشهد واحد من ممثليهم المعروفين، وهو «ر. بيرل»، عندما كان يعرض على زملائه فى البنتاجون وجهة نظره فيما يتعلق باستراتيجية الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وفتح خريطة عليها كل فلسطين تسمى إسرائيل، بينما الأردن تسمى فلسطين». 
كان هذا أثناء رئاسة «بوش الابن»، حيث كان «بيرل» يشغل منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية وأحد آخر من المحافظين الجدد المعروفين، وهو نائب وزير الدفاع الأمريكى خلال الفترة من ٢٠٠١ ـ ٢٠٠٥ «ب. فولفوتس»، صرح بضرورة إسقاط النظام الموجود فى العراق، لأنه يجب تحويل العراق إلى «أول ديمقراطية عربية»، وهو نفسه الذى طالب العراق ردًا على العمل الإرهابى الذى ضرب الولايات المتحدة فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، غير أن رأى هؤلاء الذين اختاروا أفغانستان للضربة، وليس العراق هو الذى انتصر فى الإدارة الأمريكية. 
خلافًا للتفكير السليم، بدأ الهجوم الأمريكى على العراق فى ٢٠٠٣ وسرعان ما تلاشت تلك المبررات، التى أعلنتها الولايات المتحدة لتبرير عملها، وصمتت التصريحات الصاخبة للمسئولين الأمريكيين الرسميين عن أنه، بالتحديد الآن بعد احتلال العراق سيجد الخبراء العسكريون، أدلة تثبت بلا شك، أن العراق إما كان لديه، وإما كان قريبًا من امتلاك سلاح نووى، وكان ينتج أيضًا أسلحة دمار شامل أخرى، كيميائية وبيولوجية. ثم استبدلت بهذه الأصوات تصريحات رسمية، إذ لم يتم العثور على أى أسلحة دمار شامل فى العراق، وأن اللجنة التى كان يجب أن تجد أسلحة الدمار الشامل من الخبراء العسكريين الأمريكيين تم حلها. 
يمكن الاعتقاد بأن كل إمكانيات الاستخبارات الأمريكية تم تفعيلها، لكى تؤكد اتهامات أخرى ضد العراق، استخدمت لتبرير عملية الولايات المتحدة العسكرية هى، «علاقة بغداد بالإرهاب الدولى»، وأعلنت شخصيات رسمية على مسمع من الجميع عن العلاقات الوثيقة التى بناها العراق مع «القاعدة»، هؤلاء كما هو معروف ليسوا مجردين، ولكن التهم لم تصمد للتلامس مع الواقع، ولم يكن شخص آخر غير مدير المخابرات الأمريكية هو الذى تحدث أمام لجنة استماع فى الكونجرس الأمريكى، وصرح بأنه لم يكن للعراق أى علاقات مع بن لادن ومنظمته، وهكذا اتضح أن السبب الآخر لدخول الولايات المتحدة العراق مجرد فقاعة صابون. 
فى غضون ذلك، العملية الأمريكية نفسها، موضوعيًا، ساعدت على توسيع النشاط الإرهابى، لقد خلق الوضع الذى نشأ فى العراق بعد احتلاله تربة خصبة لتحويل هذا البلد إلى مركز دعم «للقاعدة»، التى نشطت ضد بعض الأنظمة العربية وغير العربية فى نفس الوقت، فالإرهاب الدولى يعمل دائمًا على أساس «الأوعية التى تنقله»، أفغانستان والبلقان والشيشان، وهذه المرة رأس الجسر أصبح العراق، حيث تسرب آلاف المقاتلين من منطقة القبائل الواقعة بين أفغانستان وباكستان. 
بعد الفشل فى روايات، توصل العراق سرًا لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وعلاقته مع القاعدة، أصبحت الولايات المتحدة، أكثر فأكثر، تبرر عملها بسعيها لنشر الديمقراطية، ليس فقط فى هذا البلد، ولكن بصفة عامة فى كل الشرق الأوسط الكبير، ومن هذا يفهم أنهم يسعون لنشر النموذج الأمريكى للديمقراطية، الذى ليس له بصفة عامة أى شيء مشترك، لا تاريخى ولا مع التقاليد الدينية، ولا مع الوضع الاقتصادى والاجتماعى، ولا طريقة تفكير الشعوب العربية، بالطبع، لا يفصل الشرق الأوسط حائط عن بقية العالم.
وهو بالطبع أصبح هدفًا، وبفضل التقدم التقنى يتعرض لتأثير هبوب رياح الديمقراطية العالمية عمومًا، لكن هذا ليست له علاقة بالسعى «لتمشيط» الشرق الأوسط، وأجزاء أخرى من العالم، بواسطة «أمشاط الديمقراطية الأمريكية»، بالمناسبة عن بعد، تظهر أخطاء الديمقراطية الأمريكية نفسها، وعدم جدوى تطبيقها فى كل مكان، كما هو واضح من النماذج الديمقراطية للدول الأخرى. 
لقد اصطدم العالم بظاهرة، عندما تتهم دولة دولة أخرى، بأنها بنت عندها نظامًا معاديًا للديمقراطية، وحتى دون اتهام، ولكن تتدخل هى بمفردها بقوة السلاح فى الوضع الداخلى، وتسقط النظام، الذى لم يقف على عتباتها، طالبًا الرضا.