الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل بات عزل ترامب وشيكًا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حتى الآن، أدت العلاقة بروسيا بوتين إلى سقوط موظّف بارز فى الإدارة الأمريكية الجديدة بعد أيام على تعيينه. إنّه مستشار الأمن القومى السابق مايكل فلين الذى «ضلّل» البيت الأبيض فيما خص اتّصالاته بالروس، فاستقال أو أقيل. والعلاقة نفسها قد تتسبب بسقوط آخرين، أبرزهم المدعى العام جيف سيشون الذى يطالب الحزب الديمقراطى باستقالته بسبب اتصالات مماثلة بينه وبين الروس. وثمة، وعلى إيقاع يومى، معلومات توردها الصحافة الأمريكية، أو تكهنات تتكهنها، عن صلات مالية وتجارية برجال أعمال روس مقربين، إلى هذا الحد أو ذاك، من إدارة بوتين. أما الكلام، فى البيئتين السياسية والإعلامية عن أشكال التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة فلا ينقطع. لا بل يرى مراقبون أنه إذا ما تسنى، عاجلًا أو آجلًا، عزل الرئيس الأمريكى، فسيُرجّح أن يكون السبب الرئيسى هو الموضوع الروسى.
وهذا كله يشير إلى أن الطريق الروسى للرئيس دونالد ترامب سيكون سلوكه أصعب بكثير مما تخيله البعض إبان الحملة الانتخابية التى شهدتها الولايات المتحدة قبل أشهر قليلة.
أما صعوبة سلوك تلك الطريق فأسبابها كثيرة ومتعرجة. لقد تركت الحرب الباردة التى استمرت أربعة عقود إحساسًا أمريكيًا راسخًا وواسعًا بأن روسيا هى «العدو». وما كاد التغير يطال هذه المشاعر، مع انهيار الشيوعية والاتحاد السوفييتى ومباشرة لون من الانفتاح على العالم الخارجى، حتى برز ضابط «الكى جى بي» السابق فلاديمير بوتين بوصفه الزعيم الجديد. والحال أن الرئيس بوتين لم يفعل سوى إعادة الروح إلى المخاوف القديمة، بالواقعى منها والوهمى المتضخم. فهو فى كلامه المتكرر عن بعث القوة الروسية إلى الحياة، وإنعاش القدرات العسكرية لبلده، وامتداح الأباطرة والقادة التوسعيين فى التاريخ الروسى بمن فيهم جوزيف ستالين، أعاد تغذية المشاعر المناهضة لموسكو فى الولايات المتحدة وعموم الغرب.
وكانت سياسات التدخل التى اتبعها بوتين ما بين أوكرانيا وسوريا مصداقًا لتلك المشاعر وبرهانًا عليها. وبدورها عملت القسوة التى اتّسم بها تنفيذ تلك السياسات على شحذ الحساسيات الغربية التى يُقلقها بوتين ودولته ونظامه. وأولى تلك الحساسيات، وأكثرها اتصالًا بالتاريخ، خوف أوروبا والخوف على أوروبا من نزعات القوة والقسوة الروسيتين. فالثقافة الأوروبية غالبًا ما تعاملت مع جيرانها فى الشرق بوصفهم قلعة للاستبداد وقمع الحرّيات. أما الولايات المتحدة فيدلّها التاريخ القريب على أن التهديد لأوروبا، من روسيا أو من سواها، يرتّب عليها مسئوليات إنقاذية بالغة الجديّة. لقد دافعت الولايات المتحدة عن أوروبا فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، قبل أن تدافع عنها إبان الحرب الباردة فى مواجهة الاتحاد السوفييتى، وتؤسس لهذا الغرض حلف شمال الأطلسى «الناتو».
إلى ذلك كله، فإنّ النموذج الروسى الداخلى الذى يتربع فلاديمير بوتين فى قمته، لا يملك أية جاذبية على متوسط الرأى والذوق الغربيين. يصح هذا فى قمع الصحافة، والتضييق على رجال البيزنس غير الموالين وسجنهم ونفيهم.. وإلى التدخل، «تهكيرًا» وتجسسًا، فى الانتخابات الأمريكية، واحتمال تكراره فى الانتخابات الفرنسية والألمانية، لم تخاطب روسيا الذوق الغربى فى شيء. لم تدخل عالم ما بعد الصناعة، ولا عرفت المجتمع التعددى، ولم تساهم فى الموسيقى الحديثة والشبابية.
وهكذا يبدو مفهومًا أن تترتّب أكلاف كبيرة على ميل ترامب إلى مصادقة بوتين. ولأنه أمر يكاد يكون عكس طبيعة الأشياء، فإن حملة ترامب على الرئيس السابق باراك أوباما تقوى وتشتدّ، وصولًا إلى اتهامه بالتجسس على هواتف حملته الانتخابية. فكأن الرئيس الحالى يمضى فى تحويل الأنظار عن الصعوبات الفعلية التى لا تكمن إلا فى العلاقة بروسيا بوتين.
نقلًا عن «العربية»