الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالفيديو والصور.. محررة "البوابة نيوز" تخترق العالم السري لإمبراطورية "التوكتوك".. الأسطى "بلبل" يكشف وقائع التحرش والبلطجة والمخدرات بـ"الزرايب".. وتتلقى عرضا بالزواج والعمل كمساعدة في تجارة الحشيش

محررة البوابة نيوز
محررة "البوابة نيوز" تجسد دور سائق "توكتوك"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سائق التوك توك مهنة احتكرها الرجال على مدى وقت طويل، ومن النادر أن تجد فتاة تمتهنها، خاصة في المناطق الشعبية، فمهنة سائق التوك توك تسمع عنها الكثير من الأقاويل، تجد منهم الأطفال الذين تركوا التعليم بحثا عن المال، وخريجي الجامعات الذين فشلوا في إيجاد وظيفة حكومية، والبلطجية ومدمني المخدرات الذين يستخدمونه فى أعمال غير شرعية، حتى تحول "التوك توك" من وسيلة مواصلات إلى إمبراطورية، وأصبح لسائقيه عالم سري خاص بهم لا يسمح لغريب الدخول فيه.
بدأ ظهور "التوك توك" بالهند في أوائل الستينيات، ثم ظهر في البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية، وذلك لانخفاض تكلفته وقدرته على السير داخل القرى المتزاحمة ليخترق دروبها الضيقة وحواري المناطق العشوائية.
وكانت قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية أول القرى التى استخدمت التوك توك في مصر، وأصبح أحد أهم المواصلات الداخلية في مناطق مختلفة من محافظات مصر، بشكل ملفت لرخص ثمنه مما يجعل انتشاره بين الراغبين في الحصول على مصدر للرزق أمرا هينا.
محررة "البوابة نيوز" تحولت من فتاة إلى "سائق توك توك"، في مغامرة صحفية، لاختراق العالم السري لامبراطورية التكاتك، ومعرفة خباياه بإحدى المناطق الشعبية.

البداية
كانت منذ شهر مايو الماضي، عندما ذهبت لإجراء إحدى التحقيقات الصحفية في حلوان، حينها شاهدت أحد الرجال من المعاقين والذي تم بتر قدميه يقوم بقيادة "التوك توك" في أحد شوارع حلوان، إضافة إلى رؤية الكثير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 5 سنوات فيما فوق يقومون بقيادته، حينها تساءلتُ عن طبيعة حياتهم وما دفعهم للمخاطرة بحياتهم واللجوء إلى تلك المهنة، ومن هنا جاءت فكرة اختراق هذا العالم بالتحول إلى أحد "سائقي توك توك"، في أشهر أحياء القاهرة الشعبية وأكثرها ازدحامًا.
قمت بعرض فكرة تحولى إلى "سائق توك توك" على رئيس القسم، والذي قابل الفكرة بالرفض خوفا على سلامتي، ولكنى أصررت على تنفيذها وحاولت إقناعه بها لمدة شهور طويلة، وعندما رأى إصراري على تنفيذ الفكرة وافق عليها مجبرا.

البحث عن "توك توك"
وبعد موافقة رئيسي فى العمل على تنفيذ فكرة دخولى وسط سائقى "التكاتك" وتحولى إلى واحدة منهم، قمت بالبحث عن المكان الذى أستطيع فيه ممارسة عملى كسائق، هل ستكون منطقة راقية أم شعبية، وأيهما الأفضل، وتملكتني الحيرة حينها بشكل كبير.
وخلال بحثي قمت بالذهاب إلى أحد مصادري بمنطقة الخليفة، ولجأت إليه وطرحت عليه الفكرة وسألته عن أفضل منطقة أقوم بتنفيذ عملى كسائق "توك توك" إضافة إلى صبي يعلمنى القيادة، فطرح على أن أقوم بتنفيذ الفكرة معه بالمنطقة التي يعرفها، وهي موقف الإمام الليثي بالسيدة عائشة لتواجد به الكثير من السلبيات، ورشح لى أحد الصبية لمساعدتى في تعلم القيادة، حينها قررت أن أمارس عملي بمنطقة"الإمام الليثي".
وتحولت إلى الأسطى " بلبل" سائق "التوك توك".
وقمت بتجهيز الملابس التى سأرتديها وهي ملابس شبه قديمة لارتدائها أثناء قيامي بالدور، تشبه زي الرجال، وعلى الرغم من كل ذلك كان كل ما يشغلني هو استقبال "السائقين" لي، وهل سيتقبلون فكرة وجودي معهم أم سيرفضونني، لكوني فتاة.

قصة مختلقة
لكى أكتسب استعطاف السائقين كان يجب أن أختلق قصة لأقصها عليهم، الاسم والعنوان وقررت اختيار محافظة أخرى بعيدة حتى أستطيع كسب استعطافهم، ولذلك قمت بالاستعانة بأحد الأصدقاء من محافظة الإسماعيلية وسألته عن أشهر المناطق الشعبية بالمحافظة وأكثرها خطرا، فاقترح لى شارع شيل بالمحطة الجديدة.
وخلال التدريب على القيادة طلبت من الصبي الذى سأتعامل معه بأن ياخذنى في منطقة بعيدة عن أعين السائقين حتى أتمكن من التعلم بشكل سليم، وأثناء التدريب سألني لماذا أتيت إلى هنا فاختلقت قصة وهمية لكسب تعاطفه لكونه سيساعدني في الدخول وسط السائقين، وبأنني حضرت من الإسماعيلية باحثة عن عمل بعد يأسي من إيجاد عمل مناسب بمرتب مرتفع في بلدي، فلجأت إلى تعلم قيادة "التوك توك" لأنها ستساعدني على توفير دخل يومي عال لعلاج والدى العاجز.

مغامرة الأسطى بلبل
تم اختيار الاسم لكونه الاسم الذى يقوم مصدري بمناداتى به لقيامى باستخدامه فى أحد التحقيقات السابقة والذى شاركنى فيه، وعرفنى بالصبي الذى يقوم بتدريبي بهذا الاسم " بلبل"، لذلك لم أتمكن من تغير الاسم إلى أي اسم آخر، وأصبحت "الأسطى بلبل" سائق "التوك توك".

موقف الإمام الليثي
ارتديت الملابس التي تشبه زى الرجال إلى حد كبير لجذب الانتباه، وذهبت إلى مصدري الذى أخذى إلى موقف سائقي "التوك توك" بالإمام الليثي، لجس نبض المنطقة ومعرفة كيف سيتعامل معي السائقون وهل سيتقبلون تواجدى معهم أم لا؟ فأنا بالنسبة لهم شخص غريب لا يعرفون عنه أي شيء، ولكوني غريبة عن المنطقة لم أكن أعلم ماذا سيحدث لي هناك، فقمت حينها بالتوقف أمامهم بالتوك توك الذى سأعمل عليه وقمت بالتعرف إليهم، والتقرب منهم حتى أعرف رد فعلهم تجاهى.
وقبل ممارسة عملى فى نقل الركاب، وجدت ترحيبا من البعض، وقاموا بمساعدتى فى تحميل الركاب قبلهم، تقديرا منهم إلى مصدري، حينها قررت عدم الاستمرار بالمنطقة وتغييرها بموقف آخر للتكاتك بعيدا عن ذلك المكان، ووقع الاختيار حينها على موقف "الزرايب" المتواجد بجوار مسجد السيدة عائشة.
وأثناء تواجدى وسط السائقين بالإمام الشافعي وقبل تركى المنطقة وتغييرها قررت التعرف على السائقين وطباعهم وكيفية التعامل معهم، فقام عدد من السائقين بتحذيري قائلين: "عاوزة تشتغلى معانا يبقي خليكى معانا إحنا وابعدى عن باقي الموقف لأن فيه شوية ناس "لبط" ومش هتعرفي تتعاملى معاهم ومعظمهم أطفال، بتلاقيهم بيبلطجوا وبيغلسوا عليكى عشان ياخدوا الزباين منك".
وأضافوا أن السائقين ليس جميعهم جيدين، فيوجد منهم السيئ الذى لا يستطيع الرجال التعامل معهم، ولذلك يجب عليكى الابتعاد عنهم بأى طريقة حتى لا تتعرضي للخطر، ومنهم الطيبون الذين سيساعدونك في العمل، وبعد ذلك بدأت ممارسة عملي كسائق "توك توك" بعد مساعدتهم لى فى تركيب الزبائن.

"الزرايب" بؤرة "تجارة الكيف"
الزرايب أحد الشوارع المعروفة بالسيدة عائشة، ويتواجد به أحد المساجد الأثرية، إضافة إلى مروجي المخدرات، وقمت منذ فترة بتصوير "دولاب" للمخدرات بذلك الشارع، لذلك سعيت إلى دخول هذا الشارع والتواجد وسط سائقي "التوك توك" المتواجدين أول الشارع وبجوار مسجد السيدة عائشة.
أول يوم لدخولى وسط سائقي الزرايب كان يوم عصيب؛ لأنى حينها قمت بالذهاب إليهم كفتاة مسكينة تبحث عن عمل وتريد العمل معهم، وعند تمعني في النظر إليهم ووجدت الدهشة تملأ وجوههم وأعينهم.
فكرة تواجدى وعملي مع السائقين بالزرايب قوبلت بالرفض حينها وكان إقناعهم بتواجدي معهم أمر صعب جدا، وعندها قرروا أن يعرفوا أولا من أكون وحكايتى، فقمت بقص رواية ملفقة تتناسب مع المقيمين بالمنطقة لكونها منطقة مشهور عنها "ترويج المخدرات"، والتى سهلت لى العمل معهم والدخول بينهم، وهى أنى فتاة تسكن في شارع شيل بالمحطة الجديدة بمحافظة الإسماعيلية، قررت ترك بلدتها والحضور إلى القاهرة لتصبح "سائق توك توك"، حتى تستطيع العودة إلى بلدتها والعمل على "توك توك" وتنتقم من بعض السائقين الذين قاموا بقتل زوجها وطفلها الذى لا يتعدى العامين، وطالبتهم بأن يعلمونى كيف أصبح رجلا ذات قلب ميت لا تهاب أحدا حتى تنتقم لزوجها وابنها من قاتليهما.
وبتلك القصة كسبت تعاطف كل السائقين، ولذلك قرروا مساعدتي في أن أصبح" رجلا في هيئة فتاة".

السائقون يحاولون المساعدة بتوفير شغل آخر
بعد استماعهم لروايتي طلب مني بعض السائقين أن أصرف النظر عن تلك المهنة وأنهم يساعدونى بتوفير مهنة أخرى تناسبنى كفتاة، ولكنى رفضت وأصررت على تعلم قيادة "التوك توك"، حينها سألونى هل تعرفين القيادة أجبتهم بالنفي قائلة: "لا بس أعرف بعض الأساسيات وأنا نبيهة وهتعلم بسرعة"، ردوا على محذرين من تواجدى بالمنطقة والعمل فى هذا المجال لتواجد البلطجية ومتعاطى المخدرات من السائقين الذى يسهل عليهم الاعتداء على دون مقاومة منى.
سائق يقدم عرضا للزواج والمتاجرة بالحشيش:
استمعت لهم ولكل مخاوفهم، ولكنى قابلتها بالتجاهل والإصرار على العمل معهم، وحينها فوجئت بقيام أحد السائقين بطلبه الزواج منى حفاظا علي، وعندما رفضت قال لى:" يبقى مفيش غير إنك تبيعي حشيش أفضل من سواقة "التوك توك"، وهو حتى هيموت قلبك وتكسبي فلوس كتير، أجبته متسائلة وأنا مبتسمة: "هل تسخر منى؟!
فأجابنى: "لا والله أنا بكلمك بجد، أنا أقدر أساعدك تبيعى حشيش، هيبقى أفضل ليكى من إنك تشتغلى على توك توك إنتى حلوة ومش بتاعة بهدلة".
وسايرته وقتها وأجبته سأعمل معك لكن بعد مساعدتى فى تعلم كيفية قيادة التوك توك، وطلب حينها من أحد السائقين تعليمى كيفية القيادة، ثم طلب منى انتظاره لحين عودته وعدم التحرك إلى مكان آخر.

تحرش.. بلطجة.. مخدرات
فى اليوم التالى عند حضوري إلى الموقف رحب بي بعض السائقين، وتجنبني آخرون، وعند حديثي معهم عن السائقين، وجدتهم يتحدثون عن أن بعض السائقين متعلمون واتخذوا "التوك توك" كمهنة لجلب قوت يومهم لعدم تمكنهم من إيجاد عمل، والبعض الآخر عبارة عن متعاطي مخدرات وبلطجية يقومون بعملهم بالمطاوى والسكاكين ونصحونى بتجنبهم.
وخلال تواجدى وسط السائقين وجدت بعضهم يقومون بمعاكسة الفتيات والمتواجدات أمامهم، وهذا ما شد انتباهى "لقيامهم بحمايتى ومعاملتى معاملة حسنة ويمنعون أى فرد من الاقتراب منى في حين يقومون بالتحرش ومعاكسة الفتيات أمامى بألفاظ غير مهذبة.

مصطفى يتحدى الإعاقة بـ"التوك توك"
أكثر المشاهد الإنسانية التى لفتت انتباهى خلال عملى وسط السائقين بالزرايب، هو مصطفى الطفل البالغ من العمر 11 عاما، من ذوى الاحتياجات الخاصة، والذى يقوم بقيادة التوك توك بشكل حرفي دون خوف، عند دخوله الموقف قام أحد الأطفال بمعاكسته وضربه، حينها ذهبت إليه للتحدث إليه، وقال لى: "إنه فى إجازة من الدراسة وأحد أصدقائه علمه كيفية القيادة وساعده فى العمل معه على التوك توك.
وعندما سألته هل أهله على علم بذلك أجابنى "نعم "
وحينها سألته "أنت مش بتخاف من السواقة أو البلطجية يضربوك أو يؤذوك"، فرد على قائلا:"لا مش بخاف"


نهاية مؤلمة
كان من المقرر التواجد وسط السائقين لمدة طويلة، ولكن شاء القدر غير ذلك، فعند قيام أحد السائقين بتعليمى كيفية القيادة خلال قيامه بتوصيل إحدى السيدات إلى السيدة نفيسة، عند عودتنا انقلب التوك توك بنا، وتم نقلي بعدها إلى مستشفى أحمد ماهر وعلمت بأن الحادث تسبب لى فى إصابة بكسر فى" الترقوة الشمال"، وحينها تغيرت كل مخططاتنا فى استكمال الموضوع وقررت أن أخبئ عن رؤسائي فى العمل خبر إصابتى فى الحادث حتى استكمال الموضوع، وبعد عودتى إلى المنزل اتصلت بالمصور وأخبرته بأننا سننهى الموضوع فى اليوم التالى، وكان هو الوحيد الذى علم بإصابتى بحادث وطلبت منه عدم إخبار أحد لحين الانتهاء من التحقيق حتى لا يقوم رئيسي بالقسم بمنعى من استكمال التحقيق خوفا على حياتي.