الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الغرب على شفا الهاوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال هذا العام والعام المقبل، سيتخذ الناخبون فى الديمقراطيات الغربية قرارات مصيرية من شأنها أن تغير الغرب - والعالم كما نعرفه منذ عقود. فى الواقع، لقد تم اتخاذ بعض هذه القرارات، وأكبر مثال على ذلك هو تصويت المملكة المتحدة فى يونيو لمغادرة الاتحاد الأوروبى. وفى هذه الأثناء، من الممكن أن يفوز دونالد ترامب فى الولايات المتحدة ومارين لوبان فى فرنسا بالانتخابات الرئاسية المقبلة فى بلديهما. 
وفى العام الماضى، كان توقع فوز أحدهما يعتبر منافيًا للعقل، اليوم، يجب علينا الاعتراف بأن مثل هذه السيناريوهات كلها ممكنة جدًا. وقد بدأت الصفائح التكتونية فى العالم الغربى تهوى، وكثير من الناس كانوا بطيئين فى إدراك النتائج المحتملة. لكن بعد استفتاء البريكسيت فى المملكة المتحدة، أصبحنا ندرك الأمور بشكل أفضل. فى الواقع، كان قرار المملكة المتحدة قرارًا ضد النظام الأوروبى للسلام الذى يقوم على التكامل والتعاون، والسوق المشتركة وسلطة القضاء. وجاء ذلك وسط ضغوط داخلية وخارجية متزايدة على هذا النظام. 
داخليًا، أصبحت القومية تكتسب قوة فى كل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى تقريبًا. خارجيًا، بدأت تلعب روسيا سياسة القوى العظمى، وتعمل جاهدة من أجل «الاٍتحاد الأورو آسيوى» - كناية عن تجديد الهيمنة الروسية على أوروبا الشرقية - كبديل للاتحاد الأوروبى.
وتهدد كل هذه العوامل بنية السلام للاتحاد الأوروبى، وسيضعف الاتحاد بدون المملكة المتحدة، الضامن التقليدى للاستقرار. فالاتحاد الأوروبى هو محور التكامل الأوروبي - الغربى، لذلك من الممكن أن يتسبب إضعافه فى إعادة التوجيه الأوروبى تجاه الشرق.
ستصبح هذه النتيجة أكثر احتمالًا إذا انتخب الأمريكيون ترامب، الذى يحب بصورة واضحة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وسوف يتجه نحو سياسة القوة العظمى الروسية على حساب العلاقات الأوروبية والأطلسية. وستكون بمثابة اتفاق «يالطا رقم ٢» الذى سيخلق العداء للولايات المتحدة فى أوروبا بالإضافة إلى الضرر الجيوسياسى الذى يعانى منه الغرب.
وبالمثل، فإن انتصار أقصى اليمين بزعامة لوبان فى الربيع المقبل سيكون دليلًا على رفض فرنسا لأوروبا. ونظرًا لدور فرنسا باعتبارها واحدة من الركائز الأساسية الهامة للاتحاد الأوروبى (جنبًا إلى جنب مع ألمانيا)، فإن انتخاب لوبن على الأرجح سيعنى نهاية الاتحاد الأوروبى نفسه.
إذا لجأت المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى الانعزالية الجديدة، وإذا تخلت فرنسا عن أوروبا لصالح القومية، سيكون من غير الممكن التعرف على العالم الغربى ولن يبقى حصنا للاستقرار، أما أوروبا فستواجه حالة من الفوضى إلى أجل غير مسمى.
فى هذا السيناريو، سينظر العديد إلى ألمانيا، كأكبر اقتصاد فى أوروبا.
 لكن رغم أن ألمانيا بإمكانها دفع أعلى سعر اقتصادى وسياسى إذا انهار الاتحاد الأوروبى - مصالحها متشابكة جدا مع مصالح الاتحاد الأوروبى - لا ينبغى لأحد أن يأمل فى إعادة التأميم الألمانى.
 الكل يعلم حجم الدمار والكارثة الذى يمكن أن يتسبب فيه ذلك للقارة. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن ألمانيا يمكن أن تتحول إلى حالة رجل محايد غير موثوق به.
 بما أن فرنسا دولة غربية وأطلسية، ومتوسطية، فإن ألمانيا، من الناحية التاريخية، قد تأرجحت بين الشرق والغرب. فى الواقع، كانت هذه الدينامية لفترة طويلة عنصرًا تأسيسيًا للرايخ الألمانى. ولم يتم الحسم بشكل نهائى فى قضية الشرق أو الغرب حتى بعد هزيمة ألمانيا الشاملة فى عام ١٩٤٥. وبعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فى عام ١٩٤٩، اختار المستشار الألمانى كونراد أديناور الغرب. وكان أديناور شاهدًا على المأساة الألمانية بشكل كامل - بما فى ذلك حربان عالميتان وانهيار جمهورية فايمار - واعتبر أن علاقات الجمهورية الاتحادية الشابة مع الغرب أكثر أهمية من إعادة توحيد ألمانيا. بالنسبة له، كان على ألمانيا التخلى عن موقف الرجل المحايد، وبالتالى التخلص من عزلتها، من خلال الاندماج بشكل نهائى مع الأمن الغربى والمؤسسات الاقتصادية.
وكان التقارب فى مرحلة ما بعد الحرب الفرنسية - الألمانية والتكامل الأوروبى فى إطار الاتحاد الأوروبى عنصران للتوجه الغربى لألمانيا لا غنى عنهما. وبدونهما، كان بإمكان ألمانيا العودة إلى استراتيجية الأرض المحايدة، والتى من شأنها أن تعرض أوروبا للخطر، وتغذى الأوهام الخطيرة لروسيا، ويجبر ألمانيا نفسها على التعامل مع التحديات التى تواجه القارة والتى من الصعب السيطرة عليها.
وسيكون التوجه الجيوسياسى لألمانيا قضية أساسية فى الانتخابات العامة خلال العام المقبل. إذا استغنى الاتحاد الديمقراطى المسيحى عن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بسبب سياساتها حول اللاجئين، فمن المحتمل أن يحاول الحزب جاهدًا إعادة كسب تأييد الناخبين الذين فقدهم لفائدة حزب البديل الشعبى لألمانيا (AFD) المناهض للمهاجرين.
لكن أى تحرك من جانب حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى للتعاون مع البديل الشعبى لألمانيا، أو للتحقق من صحة حججه، سيثير المشاكل. ويمثل البديل الشعبى لألمانيا القوميون اليمينيون الألمان (وأسوأ من ذلك) الذين يريدون العودة إلى الموقف القديم «الرجل المحايد» وإقامة علاقة أوثق مع روسيا. كما أن التعاون بين حزبى الاتحاد الديمقراطى المسيحى والبديل الشعبى لألمانيا قد يكون بمثابة خيانة لإرث أديناور، وسيؤذن بنهاية الجمهورية.
وفى هذه الأثناء، هناك خطر مماثل من الجانب الآخر للممر، فأى تحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى والبديل الشعبى لألمانيا سوف يضطر إلى الاعتماد على داى لينكه (حزب اليسار)، وبعض أعضائه القياديين الذين يريدون نفس الشيء مثل البديل الشعبى لألمانيا: توطيد العلاقات مع روسيا ومرونة أو عدم الاندماج مع الغرب. 
نأمل أن نجتنب هذا المستقبل المأساوى، وأن تحتفظ ميركل بمنصبها لما بعد عام ٢٠١٧. مستقبل ألمانيا وأوروبا، والغرب قد يعتمد على ذلك.
نقلًا عن بروجيكت سنديكيت