الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

مقاربة شاملة للتغلب على "طرق الموت" وأزمات النقل في أفريقيا

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثيرت موجات من الجدل داخل الأوساط السياسية والاقتصادية الأفريقية بشأن معدلات الموت والحوادث التي تطرأ على الطرق في عدد من بلدان القارة التي تفتقر إلى شبكات طرق متطورة ومؤهلة لمواكبة تطورات الحياة في القارة، ولعل المثال الصارخ على ذلك ما أظهرته الطرق التنزانية التي كشفت أن 4ر3 في المائة من التنزانيين لقوا حتفهم في عام 2013 بسبب حوادث الطرق، فيما بدت الحقيقة الصادمة أن 75 في المائة من تلك الحوادث وقع بسبب رعونة السائقين وتهورهم، فيما لم تستبعد دراسة أجريت في هذا الصدد أسبابا أخرى منها تردي واقع البنية التحتية للطرق وزحامها في البلاد.
وانطلق الجدل بشأن أمن الطرق الأفريقية وتحديات قضية النقل بوجه عام من تنزانيا، وسرعان ما لفت الأمر انتباه كثيرين أثناء انعقاد جلسة نقاشية عقدت في مارس 2013 برعاية القنصلية البريطانية في دار السلام، وبتنظيم من "منتدى السياسة"، وهو كيان يضم المنظمات غير الحكومية في تنزانيا.
وفي استعراض قدمه الدكتور أوماري أوبوجويو أمام المنتدى بدا جليا أنه بالإضافة إلى تناول الكحوليات وإدمان المخدرات، كمسببات رئيسية لارتفاع معدلات الحوادث في البلاد، فإن هناك حقيقة أخرى يتعين الاعتراف بها تتمثل في أن أعداداً كبيرة من السائقين غير أكفاء وغير مؤهلين للقيادة على الطرق، إضافة إلى أنهم لا يخضعون لفحص طبي ملائم.
وزاد الطبيب التنزاني في سرد حقائقه بشأن السائقين، مؤكدا أن هناك بعضا من السائقين يعانون أمراضا نفسية طبيعية؛ بمعنى معاناتهم مرضا ذهنيا يقلص من قدرات الفرد على التفكير والسلوك بصورة منطقية، كما يعاني آخرون من أمراض صرع، أي أنهم قد يتعرضون لتشنجات مرضية في أي وقت، إضافة إلى أن هناك قلة تعاني ارتباكاً في التصورات الإدراكية نتيجة عدد من الأسباب، من بينها الخلافات الزوجية.
كانت بحوث أجرتها منظمة "أموند أورج"، غير الحكومية وغير الهادفة للربح، كشفت أن نحو 4ر3 في المائة من التنزانيين لقوا مصرعهم في عام 2013 بسبب حوادث الطرق، وعزت أسباب 75 في المائة منها إلى رعونة السائقين، غير أن الدراسة لم تغفل الأسباب الأخرى للحوادث وأبرزها اهتراء البنية التحتية للطرق والمواصلات في تنزانيا.
ويرى أحد الخبراء في مجالات الطرق، المهندس تشارلز كيسونجا، رئيس وحدة دراسات النقل والأمان والبيئة في "معهد النقل الوطني" NIT، أن العرض المفضل للطرق ذات المسارين على الطرق السريعة يتراوح بين 7ر2 إلى 6ر4 متر، لكن بالنسبة للطرق السريعة المزدحمة يتعين ألا يقل عرضها عن 6 أمتار.
وتدخل الصين على خط الجدل الدائر بشأن إشكاليات الطرق الأفريقية واستثماراتها، حيث أدلى خبراء صينيون في صناعة النقل من مركز "يووي"، وهو منتدى بحوث صيني أفريقي، بدلوهم في القضية كاشفين النقاب عن تحديات أخرى تواجه الطرق في أفريقيا في مقدمها الافتقار إلى ما وصفوه بـ"الاعتبارات الأخلاقية" حين يتم إرساء العطاءات الخاصة بشركات التشييد والبناء.
وأجمع باحثو "منتدى يووي" الصينيون والأفارقة على أن البنية التحتية لديها تداعيات تتجاوز حدود التنمية داخل الدولة الواحدة، بل تتعداها إلى البلدان المجاورة. وأخذ الخبراء في استعراض أهم المكونات الجوهرية اللازمة لضمان توافر شبكة طرق آمنة وصناعة نقل قوية بوجه عام.
وأكدوا أن الشبكات ينبغي النظر إليها باعتبارها مكملة ومتفاعلة بعضها بعض، فعلى سبيل المثال فإن السكك الحديدية والطرق يجب ربطها على الفور وبناء حالة من الاعتماد المتبادل فيما بينها. بعبارة أخرى، إذا كانت هناك شبكة سكك حديدية متهالكة فإننا سرعان ما سنشعر بتداعياتها وعواقبها على شبكة الطرق التي ستعاني التكدس المروري.
وبالتالي، فإن إذا كانت هناك شبكة سكك حديدية متهالكة بشكل كامل وبمحاذاتها شبكة طرق ذات حارات ضيقة، فإن معدل الحوادث على الطرق سيتصاعد بصورة مرعبة. ولاشك أن شبكة المواصلات والنقل في الدولة يعتمد على الدعم الحكومي ومدى توافر التشريعات التشغيلية الملائمة وأطر العمل في قطاع النقل. ومن ثم يمكننا تتبع دور السائقين الذين ينبغي تدريبهم جيدا وتزويدهم بالخبرات التقنية اللازمة على الطرق السريعة.
ويجب التأكيد على راحة السائقين، وتوافر قمرات النوم المصغرة في حافلاتهم على طرق السفر السريعة والطويلة، علاوة على خضوعهم لفحوصات دورية ومنتظمة لحالتهم النفسية والذهنية، ونسب الكحوليات في دمائهم. كما أن السائقين الجدد ينبغي تزويدهم بتقنيات حساب الكيلومترات التي يقطعونها بالإضافة إلى الاتجاهات والمسارات والخرائط.
وقد لاقت مسألة تشييد البنية التحتية حيزا كبيرا من نقاشات الباحثين في "منتدى يووي"، ولاسيما في أعقاب العرض الذي قدمه، البروفيسور زياو يوهوا، الذي أثار في نفوس المندوبين الأفارقة المشاركين في المنتدى الإحساس بمدى ضخامة التحديات التي تواجههم في هذا القطاع لدى عودتهم إلى بلدانهم.
وقد أشار إلى أن الإشكاليات الكبرى والجوهرية في أفريقيا تنبع من حقيقة أن شبكة النقل في القارة غير مترابطة، وأنها عرضة للتوترات والارتباكات حتى بالنسبة للأحداث الصغرى التي قد تنتج عن المخاطر الطبيعية مثل التغيرات المناخية أو الزلازل الخفيفة. وأكد البروفيسور الصيني البارز في دراسته البحثية أنه لعلاج العجز الحاد في البنية التحتية لأفريقيا فإن القارة بحاجة إلى ما لا يقل 90 مليار دولار.
كما أن الافتقار إلى أنظمة سكك حديدية موثوقة وطرق سريعة يؤدي إلى التخلف والانتقاص من حقوق الأجيال المقبلة. ويقول البروفيسور زياو يوهوا، "إذا كانت أفريقيا كقارة ترغب في الالتحاق باقتصاد العالم المنافس، فإن عليها تشييد بنية تحتية أساسية حديثة، وإلا فإنها ستبقى في موقف ضعيف".
ونبه إلى وجود أوجه قصور واضحة تشمل الافتقار إلى أطر عمل للاتصالات سواء على صعيد الطرق والسكك الحديدية والطرق السريعة، ومحطات توليد الطاقة، والمناطق الصناعية وخطط التحضر طويلة الأجل.
وراهن على أنه لن تكون هناك تنمية في أفريقيا بدون كهربة أنظمة السكك الحديدية، ورسم خطط رئيسية لأنظمة نقل وطنية وموثوقة، وخطة تعويض عن الأراضي المصادرة لمصلحة تلك الشبكات. ودعا إلى تأسيس العمود الفقري للبنية التحتية، على أن يترافق ذلك مع شبكة طرق فعالة ومتفرعة وكافية.
وخلال بحوثه التي أجراها للتعرف على التحديات التي تواجه القارة الأفريقية في قطاع البنية التحتية، انتقد البروفيسور الصيني الضعف الذي رصده في الأنظمة السياسية نفسها. فعلى سبيل المثال، فإن قرارات تحديد موقع الممرات الرئيسية والقنوات في الوقت الراهن تثير خلافات ونزاعات كثيرة نظراص لنقص الشفافية والرؤية الموحدة.
وحذر "هناك بعض خطط التعويض لا تقام على اعتبارات أخلاقية، ولكنها تراعي آفاق الاقتصاد الوطني على الأجل القصير. لهذا فإن المصالح ذات المدى القصير تتمكن من التغلب على الخطط طويلة الأجل، لذا فإن المشروع بأكمله يغرق في دوامة فشل بمجرد بروز طلب زائد".
واقترح ضرورة أن تتوافر بعض الجوانب في البنية الأساسية الرئيسية أهمها أن تعمل على تواصل الناس، وأن تستجيب للاعتبارات الجيوسياسية في المناطق المجاورة، وأن تعمل على تكريس التنوع، وأن تضمن انخراط كل المهتمين بدءا من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحليات ووصولا إلى المستخدم العادي للبنية التحتية، أي إلى المواطنين بوجه عام.
وتابع البروفيسور الصيني استعراضه للمسألة قائلا إن أي إنشاء لطريق خصوصا من الطرق المحورية في البنية التحتية الأساسية ينبغي أن يتم تشييده بشفافية تامة للتعرف على طبيعة الجهة المتعاقدة والمنفذة... ولماذا؟ ومن سيمتلك المستندات الفنية.. ولماذا؟ كما أكد أهمية تسليط الأضواء على تصميمات المناطق الصناعية وأنظمة الاتصالات الأساسية.
كما أن عملية التشييد ينبغي أن تعكس الغايات التجارية للمشروع؛ يجب أن يتوافق مع الأطر التشريعية والقانونية، وتلافي أي نوع من أنواع الغموض والحيل والفساد. وإلى جانب الخبراء في الطرق ومشروعات البنية التحتية، يتعين توافر صناديق الاستثمار من أجل التدخل الفوري والتأمين في حالات الطوارئ والحوادث. فجودة الطرق ينبغي ضمانها والحفاظ عليها منذ البداية إلى النهاية.
ويجب إبرام اتفاقيات خاصة بشأن القيود المتعلقة بالمشروعات، فعلى سبيل المثال تخفيف أعباء شراء واستخدام آلات التكسير ومعدات تعبيد الطرق من أجل الحفاظ على أمن الطرق.
ولسد ما بات يعرف بـ "فجوة البنية التحتية"، هناك احتياجات ملحة بمشاركة أكبر من جانب القطاع الخاص في مجالات التصميم وتسليم تلك الأصول.
ونتيجة لتنامي قيود التمويل من جانب الحكومة وتصاعد المنافسة المختلفة لها، ترجح الأوساط الخبيرة أن تتضاعف التحديات إذا همش القطاع الخاص وأقصي عن صناعة القرار، بما يؤثر على الموارد المالية والبنوك التي تتمتع بتجارب أوسع وخبرات متنوعة في هذا المجال.