الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيا.. تاريخ من الانقلابات العسكرية "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد يكون من المبكر القول ـ لكن من المرجح أكثر ـ إن العام ٢٠٠٧ كان أحد أكثر الأعوام الحاسمة فى تاريخ الجمهورية التركية منذ عام ١٩٢٣، عندما تم إعلان الجمهورية فوق رماد الإمبراطورية العثمانية، على أراضٍ تشمل أرض آسيا الصغرى بكاملها المسماة أيضا الأناضول، وعلى «تراقية الشرقية»، وهو الجزء القاري الأوروبي لتركيا اليوم كان لدى الجمهورية الجديدة، بخلاف سابقتها الإمبراطورية العثمانية، مبدآن موجهان بشكل رئيسي، أن تكون «دولة ـ أمة» فى نموذج مماثل للدول الأوروبية المتحضرة كما حصل منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وأن تكون أيضًا علمانية متأثرة إلى حد كبير بالمثال الجمهوري الفرنسي هكذا، منذ البداية، كانت الدولة التركية مثيرة للجدل فيما يتعلق بالتعبير الإسلامي خلال الحقبة السياسية، فضلًا عن تأكيد الهوية الاثنية الكردية للغالبية غير التركية أصبح ٢٠٠٧ العام الذي أظهر بشكل جذري التصدع في هذين الموضوعين الرئيسيين.
ووقعت البلاد فى الأزمات الدستورية الأكثر خطورة التي حالت دون انتخاب الرئيس، لكن على الرغم من ذلك، كان بإمكانها أن تتخطاها خلال ٣ أشهر عقب الانتخابات العامة أو البرلمانية التي مهدت الطريق لعبدالله جول، وهو إسلامي سابق، بأن ينتخب رئيسًا للجمهورية، فى تطور لا سابق له مع ردود فعل محلية ودولية متنوعة، يصعب قياس مداها ونطاقها فى الوقت الحالي وما لا شك فيه، من زاوية السياسة المحلية، أن الانتصار الانتخابي البرلماني الساحق لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذي يقوده رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، وهو الحزب المعروف فى تركيا بـ«آي كاي بي» أو حزب «آي كاي» (ويعني الحزب «الأبيض» بمعنى «النقي» وهو اسم يفضله قادته وأعضاؤه ومؤيدوه)، وانتخاب الرجل الثاني فى الحزب رئيسًا لتركيا، تطوران رئيسيان تركا بصمتهما على العام ٢٠٠٧، وتركا أيضًا أثرًا فى التاريخ التركي الحديث مع دعائم أساسية مهمة لمستقبل تركيا والمنطقة، وأبعد من ذلك حتى لاحت الأزمة وكانت متوقعة عندما استهلت تركيا العام ٢٠٠٧.
فى إبريل، كانت ولاية الرئيس أحمد نجدت سازار انتهت، ونظرا للأكثرية البرلمانية الضامنة، كان بإمكان حزب «آي كاي» الحاكم أن ينتخب من يختاره رئيسًا.
كان المرشح المتوقع طيب أردوغان. سارعت كل المؤسسة العلمانية المتماسكة، التي كان الجيش التركي القوي عمودها الفقري على الدوام، إلى منع حصول أمر كهذا.
فى نهاية إبريل، وفى آخر لحظة، تراجع طيب أردوغان بشكل مفاجئ عن ترشحه للرئاسة، وبدلًا من ذلك دفع باسم القيادي الثاني صاحب الكلام الهادئ الشعبي نسبيًا وزير الخارجية عبدالله جول، من أجل المنصب. 
ولجول علة رئيسية فى نظر المؤسسة العلمانية، هي أن زوجته ترتدي حجابًا إسلاميًا. لا يمكن أن يتواجد فى القصر الرئاسي حيث أقام أتاتورك، سيدة أولى بالحجاب، وهو لباس ممنوع حتى فى جامعات تركيا وفى المؤسسات العامة كانت مقاومة الاختيار كبيرة، وكان رأس حربتها خصوصًا حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري «سي اتش بي» بالحروف الأولى التركية.
وتم تنظيم تظاهرات ضخمة فى أرجاء البلاد، خصوصًا فى المدن الكبرى تحت عنوان «لقاءات جمهورية»، شارك فى كل واحدة منها أكثر من مليون شخص، حملوا عشرات الآلاف من الأعلام التركية، ملمحين إلى أن تركيا تواجه «انقلابًا إسلاميًا» يهدف إلى تغيير النظام «الكمالي» إلى نظام إسلامي سيفضي إلى «دولة الشريعة».
وتم التعامل مع الحجاب أو غطاء الرأس على أنه رمز لهذا الاحتمال، فيما كانت البلاد تهتز بهذه التظاهرات الضخمة فى إبريل ومايو، قاطع حزب الشعب الجمهوري التصويت فى البرلمان فى ٢٧ إبريل والذي فشل خلاله عبدالله جول فى الحصول على الثلثين الضروريين، أي ٣٦٧ صوتًا من أصل ٥٥٠، كما هو منصوص عليه فى الجولة الأولى من التصويت.
حصل على ٣٦٣ وكان سيتم انتخابه بالتأكيد فى الجولات المقبلة، حيث إن الثلثين ليسا ضروريين لكن حزب المعارضة الرئيسي لجأ إلى المحكمة الدستورية، وقامت الأخيرة بتفسير غريب للدستور، وقررت أن النصاب القانوني ٣٦٧ صوتًا ضروري لبدء الجولات من أجل انتخاب رئيس.
كان الأمر غير ممكن التحقيق، نظرًا لمقاطعة أعضاء البرلمان من حزب المعارضة الرئيسي. وكأن الأزمة لم تكن عميقة بشكل كافٍ، حيث تدخل الجيش وأصدرت أمانة الأركان بيانًا فى منتصف ليل اليوم المصيري ٢٧ إبريل، لمنع انتخاب عبدالله جول، لم تكن تركيا تفتقر إلى تدخلات الجيش. حصلت ٤ تدخلات أصلًا فى ١٩٦٠ و١٩٧١ و١٩٨٠ فضلًا عن «انقلاب ما بعد الحداثة» عام ١٩٩٧.
هذا الأخير يدعوه الرأي العام ووسائل الإعلام التركية «الانقلاب الإلكتروني» أو «البلاغ الإلكتروني»، لأنه جرى من خلال الإنترنت عبر بيان نشر فى موقع أمانة الأركان التركية. 
مع ذلك، وبشكل لا سابق له، بقيت حكومة طيب أردوغان صلبة. فى ٢٨ إبريل، ردت بإعلان مدروس، لكن محدد، بأنها لن تتزحزح تحت الضغوط، ودعت إلى انتخابات مبكرة. 
وهكذا فسنجد أن الجيش التركي ساعد فى تنفيذ الهجمات على حزب العمال الكردستاني فى تركيا والعراق، وهو الإجراء الذى كان يحظى بدعم من الاتحاد الأوروبي وأمريكا.