الجمعة 01 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إسرائيل والالتفاف على إفريقيا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يغيب عن بعض غير المتخصصين أن الدبلوماسية سلاح من أسلحة الدولة تستخدم فى إدارة علاقاتها الخارجية، وهى إحدى أدوات القوة القومية على المستويات الإقليمية والقارية والدولية، ولكن الدبلوماسية الناجحة لا بد أن تكون قوية وفاعلة تحقق مصالح الدولة، وهى الهدف من أى سياسة خارجية، بعبارة أخرى أنه لا توجد فى العلاقات بين الدول صداقة دائمة أو عداوة دائمة إنما توجد مصالح دائمة، ومن ثم لا بد أن يتمتع منفذ الخطط الدبلوماسية بالدهاء والقدرة على المناورة لكسب نقاط القوة خصما من حساب قوة الطرف أو الأطراف الأخرى، هذه مسلّمة أو «ألف باء سياسة خارجية» يتعلمها أى دارس للعلوم السياسية أو المشتغل بالسلك الدبلوماسى، وأتصور أن هذا المبدأ يحكم العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية السلام بين الجانبين عام ١٩٧٩ فى عهد الرئيس أنور السادات، وليس له علاقة بما يسمى «التطبيع»، وهو تعبير سياسى أكثر منه دبلوماسى، وأى قارئ جيد لتاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية يكتشف أن التطبيع ظل فى إطاره الحكومى طوال أكثر من ٤٧ عاما، ولم يصل حد التطبيع الشعبى إلا فى حالات نادرة، تمثل استثناء ولا يمكن أن تعتبر قاعدة ضابطة لنظرة الشعب المصرى للإسرائيليين لأسباب قومية ونفسية وتاريخية قد نتعرض لشرح جوانب هنا، يمكننا القول إن مصر تلاعب إسرائيل «شطرنج» بحرفية ومهارة على المستوى الدبلوماسى، والمهم جعل الخصم يستسلم بعد أن يكش ملك.
ولهذا أعتقد أن زيارة سامح شكرى وزير الخارجية لإسرائيل مؤخرا تأتى فى هذا الإطار، خاصة أنها عنونت ببحث عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفى الواقع أنها جاءت فى أعقاب جولة إفريقية قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية لإفريقيا، أصدق قول بشأنها إنها كانت جزءا من محاولة إسرائيل للالتفاف على دول القارة الإفريقية نتيجة فترة الغياب العربى عن القارة، وبالتالى لم يكن لقاء عنتيبى الأخير الذى جمع بين نتنياهو وسبعة من الرؤساء الأفارقة مفاجأة سعت من خلالها إسرائيل للحصول على عضوية الاتحاد الإفريقى بصفة مراقب، وبحثت مع الأفارقة إمكانات التعاون لمواجهة الإرهاب، على أى حال فإن محاولة تقييم المشهد الحالى للعلاقات الإفريقية الإسرائيلية لا بد أن يتم بشكل واقعى بعيدا عن إعمال نظرية المؤامرة، لأننا أمام صراع وليست مؤامرة حتى ولو كان التآمر جزءا من جوانب الصراع، وهو أمر وارد فى الصراعات بين الدول. 
وفى البداية، أتصور أن الجانب الأكبر من المسئولية يقع على عاتقنا نحن العرب رغم كل عوامل الضغط الخارجى على الشعوب والحكومات العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وبشكل محدد يمكن القول إن مباركة تقسيم السودان إلى سودانيين ساهم فى تكريس واقع الانفصال بين الفضاء العربى والفضاء الإفريقى دون أن نشعر.
وقبلها بسنوات تراجع المد المصرى عن إفريقيا منذ أن تعرض الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وبدلا من البحث عن أسباب المشكلة اتخذت السياسة المصرية آنذاك موقفا معاندا وضع حاجزا بين إفريقيا ومصر، رغم أن مصر هى الدولة العربية الإفريقية التى أنشأت فى الستينيات منظمة الوحدة الإفريقية باعتبارها أول تنظيم قارى فى إفريقيا. 
مصر الدولة التى كانت فى الخمسينيات والستينيات سندا لحركات التحرر الإفريقى، واعتبرت مصر عبد الناصر حجر عثرة أمام الأطماع الإسرائيلية فى القارة السمراء، ولا يمكن أن ننسى أن صوت مصر وصل آنذاك إلى كل الدول الإفريقية من خلال الإذاعات الموجهة باللغات السواحلية والأمهرية والإنجليزية والفرنسية إلى كل إفريقيا. 
وكان أمرا طبيعيا أن تستقبل القاهرة بكل الترحاب بيتريس لومومبا، وجومو كينياتا، ونكروما، وأحمد سيكوتورى، وهيلا سيلاسى، حيث قامت السياسة الخارجية المصرية على تفعيل الاهتمام بالبعد الإفريقى، ليس هذا فقط بل احتوت مصر الإعلاميين والصحفيين الأفارقة، وتم إنشاء معهد لتدريب الكوادر الإذاعية والتليفزيونية والصحفية من كل دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وما زال موجودا فى مبنى ماسبيرو حتى الآن يعمل رغم أى ظروف بشكل عملى ومهنى، لكن مصر مبارك لم تحافظ على العلاقات الوثيقة مع الدول الإفريقية من باب المصالح الاستراتيجية، وبالتالى وجدت إسرائيل وغيرها فى إفريقيا أرضا بكرا لم تستغل بعد، ويعتبر سد النهضة الإثيوبى مثالا واضحا على التعاون غير العربى مع إفريقيا، ولم نستيقظ لمواجهة هذا الخطر إلا مؤخرا بعد ثورة الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣، فقد استطاعت السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن تعيد النظر فى العلاقات الإفريقية من منظور فهم واقعى واهتمام بالمصالح الوطنية العليا. 
ورغم ذلك ما زال التحدى فى إفريقيا قائما، بدليل اكتمال سد النهضة دون أن يطمئن المصريون على مستقبلهم المائى، وفيما نجد إسرائيل تخترق فضاء إفريقيا بنفس منطق شيمون بيريز عندما تحدث عما سماه الشرق الأوسط الجديد اعتمادا على الخبرات الإسرائيلية فى مجال التنمية الاقتصادية للدول الأقل تقدما فى المنطقة، ولهذا نجد نتنياهو يذهب إلى عنتيبى فى أوغندة، ليبشر بالرفاهة الاقتصادية فى دول كم هى فى حاجة إلى التطور والتنمية، ومن بينها دولة جنوب السودان التى فضلت الانفصال عن الانتماء العربى فى إطار السودان الموحد، واندفعت بكل قوتها إلى أحضان الدولة العبرية، وفى اعتقادى أن هذا التحدى يفرض على صانع القرار العربى رسم سياسة مخالفة لما كان يتم فى إفريقيا من سياسة قائمة على الاحتواء وطمأنة الجانب الإفريقى وإثبات أن التعاون العربى الإفريقى هو الأبقى، والأضمن بدلا من الالتفاف الإسرائيلى على القارة الإفريقية، ومن ثم يجب أن نتعامل بواقعية مع سد النهضة الإثيوبى ببحث إمكانية الإفادة والاستفادة منه بما يحافظ على حصص دول حوض نهر النيل من المياه، ولا بد أن يتعاون العرب مع الأفارقة فى مجال مكافحة الإرهاب، وليس مقبولا أن مواجهة الإرهاب تتم من خلال التعاون الإفريقى الإسرائيلى!
ولهذا أقترح عقد مؤتمر عربى إفريقى مشترك بين جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى يرسى لقواعد جديدة فى العلاقات العربية الإفريقية، خاصة فى المجالات الاقتصادية، وفتح أسواق فى إفريقيا للمستثمرين العرب من القطاع الخاص، وتفعيل صناديق التعاون الإفريقية، هذا إذا أردنا مواجهة التحدى والاستيقاظ من حالة الغيبوبة التى عاشتها العلاقات العربية الإفريقية لنحو ٣٠ عاما!!.