الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بعث وعروبة.. عنصرية ومصالح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من يتابع السجالات البريطانية بمناسبة الاستفتاء على الاتحاد الأوروبى، يلاحظ كيف توضع المصالح فى مقابل نزعات كره الغريب والعنصرية والتعصب. هكذا قيل، فى معرض نقد النتيجة التى انتهى الاستفتاء إليها، إن تلك النزعات مُضرّة بمصالح البريطانيين، تؤدى بهم إلى الخسارة وإلى انخفاض مستوى المعيشة. ذلك أن الاستثمار ينكمش عن بلدهم وتهرب منه الرساميل إلى البر الأوروبى، فيما يغدو من الصعب عليهم الإقامة والعمل والدراسة فى ٢٧ بلدا أوروبيا. وفى مجادلتهم هذه، نادرا ما يشير نقاد العنصرية وكره الغريب إلى مشاعر إنسانية مجردة يبدو لهم استحضارها أقرب إلى وعظ أخلاقى. أما الصواب الأخلاقى الذى ينطوى عليه هذا الوعظ، فلا يبدو لهم كافيا لإدخاله فى التداول السياسى والنقاش العام.
تُستحضر تلك الحجج والسجالات، فيما يعانى السوريون فى لبنان سلوكيات بعضها عنصرى وبعضها كاره للغريب، لا يتورع عن إشهارها رموز من «علية القوم» فى سائر الطوائف، وإن كان الوزير كامل الأوصاف جبران باسيل يتصدر هؤلاء الرموز جميعًا ويبزهم فى العنصرية.
لكن الكلام فى المصالح عندنا لا يطل برأسه إلا لمامًا فى الرد على تلك الزفرات الغريزية التى تتعدد مصادرها فى التليفزيونات والجرائد، فضلًا عن الإجراءات والقيود العملية فى الانتقال والعمل، وعن انتهاكات وارتكابات متواصلة. ولما كانت حجة «الأخوة القومية» غدت مسخرة لا يصدقها «القوميون» أنفسهم، تقدمت مناهضة العنصرية وكره الغريب بحلة أخلاقية وخطابية يصعب الرهان على إحداثها تغييرات جدية فى الواقع أو فى الأفكار.
وبالطبع فإن ما يضعف حجج مناهضى العنصرية، فى هذا المجال، أن ضحاياها السوريين لا يصدرون عن دولة تتبادل المنافع والمصالح مع لبنان، بل عن دولة تولت تهجيرهم ومحاولة قتلهم فيما هى ذاتها تحترق بنارها.
لكنْ ألم يكن ممكنًا التخفيف من معاناة العنصرية، لو أن الفترة السابقة عرفت مصالح مشتركة وأسست للوعى بمثل هذا الاشتراك فى المصالح؟
بمعنى آخر، خضع لبنان حتى ٢٠٠٥ لما عُرف بنظام الوصاية السورية. مع هذا، وعلى رغم إنشاء «مجلس أعلى» بائس، لم يحصل ما يستحق الذكر على صعيد المصالح الاقتصادية التى كان ممكنًا رفعها اليوم فى مواجهة العنصرية وكره الغريب، إما من قبيل التذكير بمثال آخر مفيد، أو من قبيل التنويه باحتمالات مستقبل آخر واعد.
وترتفع الدهشة إلى ذروة أعلى، حين نتذكر أن الحزب الذى مارس تلك الوصاية على لبنان، معطوفة على وصايته الكابوسية على سوريا، إنما هو «حزب البعث العربى الاشتراكي» الذى يتصدر قائمة الأحزاب الموصوفة بالقومية فى العالم العربى. ولئن نظر الحزب المذكور إلى سوريا ولبنان بوصفهما جزءين من «أمة عربية واحدة» هى، طبعًا، «ذات رسالة خالدة»، فإن وحدة الأمة وخلود رسالتها لم يُربطا مرة بمصالح مشتركة بين الجزءين اللذين «جزأتهما الحدود الاستعمارية».
والحال أن القومية العربية فى صيغتها المشرقية، إنما عجّت بالحديث عن «التاريخ» و«اللغة» و«الوجدان»، وما لبثت القومية إياها، فى صيغتها المصرية - الناصرية، أن فاضت بهوى «الأمن القومي» و«الضرورات الاستراتيجية». وبدورهم صرف الناطقون بلسان هذه القومية فى صيغتيها عقودًا وهم يتهاترون فيما إذا كانت «وحدة الهدف» تتقدم على «وحدة الصف»، أم العكس، وما إذا كانت «الطريق إلى فلسطين» تفضى إلى «الوحدة»، أم العكس. لكنْ حينما أعطيت هذه القومية فرصتها فى «علاقات مميزة» بين سوريا ولبنان، دامت نيفًا و١٥ سنة، اقتصرت ثمارها على خط عسكرى للتهريب بين البلدين «الشقيقين».
وفى الخلاصة، كان الخواء الذى انطوت عليه الوصاية، والنظرية القومية التى استندت إليها، والحزب الذى هندسها، من عناصر التأسيس للسلوكيات والمشاعر والتعابير القذرة التى يواجهها اليوم السوريون فى لبنان.
نقلًا عن الحياة اللندنية