الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"داعش" وشعارها زائلة وتتقلص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يخفى شعار تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" عن المتابعين لشأن الحركات الإسلامية والذي يرفعه إزاء أي معركة عسكرية يخوضها؛ فقد نجح التنظيم في وضع شعار اجتمع عليه العاملون تحت لواء هذا التنظيم، وبالتالي لم يكن مجرد شعار بل تحول إلى هدف وغاية، نجح التنظيم على المدى القريب في تحقيق جزء منه باحتلال مناطق جغرافية في العراق وسوريا وبسط سيطرته على مناطق أخرى في عدة دول، وما زال يحاول السيطرة على مناطق جديدة.
"باقية وتتمدد" شعار قد يربط القيادة المركزية للتنظيم في الرقة والموصل بباقي المناطق التي يُحاول التنظيم السيطرة عليها سواء السيطرة على الأرض عسكريًا أو حتى الإيهام بالسيطرة من خلال تنفيذ عمليات عسكرية كثيرة وخاطفة على رقعة أرض كبيرة، فيُصيب هدفه في نشر الفوضى ويمهد لإسقاط الدولة، فالتنظيم يُدرك أن سيطرته لن تكون إلا في ظل الأوضاع غير المستقرة وبخاصة الأمنية.
نجح التنظيم خلال الفترة الأخيرة في نشر تسجيل مرئي للتعريف بهيكله التنظيمي، ولعله أراد إيصال عدة رسائل لم تكن في محلها من خلال هذا التسجيل، أولها أن التنظيم ما زال قويًا وقادرًا على تنفيذ هجمات مسلحة في الشرق والغرب، وهذا غير صحيح، فالتنظيم يعيش لحظات حرجة بعد توجيه عدد من الضربات لعمقه العسكري سواء في مناطق تمركزه في الرقة والموصل أو في المناطق التي يحاول السيطرة عليها، وبالتالي تلاشي مساحات الخلاف ولو بشكل مبدئي بين المتصدرين لمواجهة هذا التنظيم من قِبل الأنظمة العربية أمر في غاية الأهمية للقضاء النهائي على ذيول التنظيم.
معاناة التنظيم يمكن تجسيدها مؤخرًا في ضعف الإقبال على فكرته والقتال ضمن صفوفه، وهو ما جعله يبحث عن شكل جديد يبث من خلاله الأمل في نفوس أنصاره ومقاتليه أولًا وفي نفوس الذين ينتوون ضمهم للهيكل العسكري ثانيًا، فخرج بتسجيل مرئي لم يُسمه مكتفيًا ببعض اللقطات المرئية التي أبدع في تصويرها وكأنه يحاول إيصال رسالة تخالف الحقيقة.
رسالة التنظيم من وراء الإعلان عن هيكله التنظيمي في هذا التوقيت، أنه يريد أن يقول إنه دولة لها وزراء ومجلس شورى من خلال الإعلان عن ولايات تابعة لتنظيم الدولة ووصف الوزارات بالدواوين، والأعجب أنه ابتدع وزارة في دولته المزعومة أو حسب مفهومهم ديوان للفيئ والغنائم، فالتنظيم يعتبر حياته قتل وإغارة على المناطق والدول الآمنة، وهو ما يستلزم وجود وزارة تكون مهمتها تنظيم جمع هذه المسروقات وصرفها في مصارفها "الشرعية" سواء بتوزيع جزء منها على المغيرين أو ضم هذه الغنائم لحظيرة الدولة.
"داعش" مثله مثل الدول غير الديمقراطية أو المتخلفة أعلن عن وجود ديوان الإعلام المركزي، فهو لا يرى في ظل دولته المزعومة أي صوت إعلامي أو إعلاني إلا صوت الخليفة ومن يعاونونه، إعلام الدم والنار تسلطه هذه الدولة ضد خصومها سواء في نطاق دولتهم أو خصومهم خارج حدود هذه الدولة المحمية من دول أجنبية تستفيد من هذا الوجود، ولهذا ارتأت إنشاء وزارة أو ديوان للإعلام المركزي ليس لمجرد تنظيم حركة الإعلام ولكن لبسط سيطرتها على هذا الإعلام.
لم تكن وزارة الفيئ والغنائم أو وزارة الإعلام المركزي هما الملاحظتان الوحيدتان في الإعلان عن الهيكل التنظيمي لتنظيم الدولة الإسلامية، فمن أكثر المعلومات المغلوطة التي أثارها التنظيم في مقاطعه المصورة الإعلان عن الفلوجة وسيناء ولايتين تابعتين للتنظيم ضمن 35 ولاية 19 منها في حدود العراق والشام و16 خارجهما، والحقيقة أن الفلوجة تم تحريرها بشكل كامل في العراق، وسيناء فشل التنظيم في السيطرة على شبر واحد منها.
قد يكون التنظيم نجح في تطويل أمد معركته في شبه جزيرة سيناء ولكن القوات المسلحة المصرية شلت حركة التنظيم بعد توجيه ضربات قاتلة رغم الإسعاف المتواصل عبر جنود تُرسلها هذه الدولة عبر الإنفاق، فتأثير أجهزة الأمن لم يقتصر على ضرب قوة التنظيم في سيناء بل امتد لضرب التنظيم خارج الحدود من خلال إضعاف قوته وإفشال أغلب عملياته العسكرية حتى أصبح عقيمًا، وهو في مرحلة التصفية النهائية لكل عناصره، ثم الدخول في معركة تصفية فكرية وثقافية تؤكد استحالة ظهور التنظيم بأفكاره في أي وقت على المدى الطويل.
أراد التنظيم من خلال المقاطع المصورة إيصال رسالة مهمة فحواها أنه ما زال قادرًا على ممارسة إرهابه، وهو دليل على ضعفه وهزاله ونجاح الجهود المشتركة في استهدافه، فالإفراط في الإعلان عن هيكله التنظيمى من خلال نشر مشاهد القتل ونحر الرءوس واستخدم تقنية الصورة البطيئة لكي تمر هذه المشاهد ببطء أمام عيون القارئ فتحقق الهدف المنشود منها في بث الرعب والقلق والفزع، وتبع هذه المشاهد بأخرى من خلال جرف جثث المعارضين والخصوم بأوناش نقل القمامة؛ سياسة التنظيم تميل إلى العنف وممارسة القسوة في ممارسة العنف ميلًا كبيرًا.
التحدي الأكبر أمام الإنسانية جميعًا أن تُصفي خلافاتها وأن تضعها جانبًا مقابل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي يرفع شعار "باقية وتتمدد"، على الأنظمة العربية أن تُدرك أن مواجهة هذا التنظيم لن تكون إلا من خلال سواعد وإرادة العرب والمسلمين، فهم أكثر مَن يكتوون بنار الإرهاب والعنف بكافة صوره، وهم المؤهلون لمواجهة هذا الشعار وتغير وجهته حتى يُصبح "زائلة وتتقلص".