الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الحكام في الإسلام.. المعتصم بالله "18- 30"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هو؛ أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ثامن الخلفاء العباسيين، ولد سنة 179 هجرية وتوفي في مدينة سامراء في 18 من ربيع الأول سنة 227 هجرية (4 من فبراير سنة 842 ميلادية)، وكان في عهد أخيه المأمون واليا على الشام ومصر وكان المأمون يميل اليه لشجاعته فولاه عهده، وفي اليوم الذي توفي فيه المأمون بطرطوس بويع أبو اسحاق محمد بالخلافة ولقب بالمعتصم بالله في 19 من رجب سنة 218 هجرية (10 من أغسطس سنة 833 ميلادية).

صفاته
بحسب المؤرخين فقد كان المعتصم يملك قوة بدنية وشجاعة مميزة، غير أنه كان محدود الثقافة وضعيف في الكتابة، وما ميز عهد المعتصم هو استعانته بالجنود الأتراك وذلك للحد من المنافسة الشديدة بين العرب والفرس في الجيش والحكومة.
وكان أبيض أصهب اللحيه طويلها، مربوعا مشربا بحمرة، ذا شجاعة وهمة عالية، وقوة مفرطة،(كان يقرأ ويكتب قراءة ضعيفة، وكان مع ذلك فصيحا مهيبا، عالي الهمة، حتى قيل أنه كان أهيب الخلفاء العباسيين).

فترة خلافته
تولى أبو اسحق محمد المعتصم بالله الخلافة بعد أخيه المأمون، وقد بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بـ"طرسوس".
استمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما افتتحها سلفه المأمون، غير أن ما ميز عهد المعتصم هو اهتمامه باقتناء الجنود الأتراك بجلبهم من مناطق آسيا الوسطى كسمرقند وخوارزم، ولقد ملأ الجنود الأتراك بغداد حيث بلغت أعدادهم ما يقارب بضعة عشر ألفا، أدى ذلك إلى التضييق بأهل المدينة، واضطر الخليفة نتيجة لذلك إلى الانتقال إلى مدينة سامراء التي بناها على بعد 100 كيلومتر شمالي بغداد لتكون عاصمة له ومقرا لجيوشه التركية من المماليك والأحرار، ويرى المؤرخون أن ميل المعتصم للأتراك يرجع إلى كون والدته تركية، كما أراد أن يحد من المنافسة الشديدة التي كانت قائمة بين العرب والفرس في الجيش والحكومة.

الثورات الداخلية
أكمل المعتصم خطوات أخيه المأمون في القضاء على الثورات الداخلية التي استعصت عليه، إذ تمكن من القضاء على ثورة الهنود الزط التي هددت مرافق الدولة في جنوب العراق تمكن من القضاء عليها القائد العربي عجيف بن عنبسة سنة 220 هجرية وأجلاهم المعتصم إلى الأناضول.
ولعلّ قضاءه على ثورة بابك الخرمي التي أسست دولة شاسعة في أذربيجان وجوارها منذ عهد المأمون كانت من أبرز أعماله؛ إذ إن بابك الخرمي قد مزج بين الإسلام والمجوسية وأسس دينًا هجينًا وعمد إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية ما ساهم في بقاءه عصيًا على الدولة العباسية عشرين عامًا، قضا عليها القائد حيدر بن كاوس "الافشين".
ثم قامت ثورة أخرى بقيادة محمد بن القاسم وهو شيعي على المذهب الزيدي، إذ كان مقيما بالكوفة ثم خرج منها إلى الطالقان بخراسان يدعوا إلى الرضا، فاجتمع اليه أناس كثر، فاهتم لأمره عبد الله بن طاهر بن الحسين أمير خراسان وبعث له جيوشا وقامت بين الفريقين وقعات بناحية الطالقان انتهت بهزيمة محمد بن القاسم وفراره إلى كور خراسان في مدينة نسا غير أن واليها أمسك به وبعثه إلى المعتصم فقام الخليفة بحبسه غير أنه تمكن من الفرار من السجن بمساعدة مجموعة من أنصاره، ولم يعرف عنه أي خبر بعد ذلك.

فتح عمورية
كان بابك قد كتب إلى حليفه تيوفيل ملك الروم، عندما ضيق عليه الأفشين، يستنصره ويقول له إن الفرصة مهيأة للانتصار على المسلمين.. تأخر ملك الروم في التحرك فلم يتحرك إلا بعد ما قتل بابك.. فتحرك ملك الروم سنة 223 هـ وانقض على مدينة زِبَطرة وأعمل فيها السيف، وقتل الصغير والكبير وسبى النساء بعد ذبح أطفالهن.
وعندما سار المعتصم باتجاه الثغور لتأديب تيوفيل تساءل قائلًا: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي أصل النصرانية وهي أشرف من القسطنطينية فسار باتجاهها بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار والنفط ودارت المعركة بقيادة المعتصم وبعد حصار دام 55 يومًا، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223 هـ. ودك عمورية واستنقذ المرأة الهاشمية.
وكان عدد جيش المسلمين 15 ألف فارس، وجيش الروم 200 ألف.

فتح الباب للأتراك
اختار المعتصم الكثير من القادة الأتراك لشجاعتهم وسلَّمهم زمام ملك آبائه العرب، وأزال العرب عن قيادة الجيوش، وأسقط أسماءهم من الدواوين واعتز بهؤلاء المجلوبين، فجعل بذلك بنيه تحت سلطان هؤلاء الغلف قلوبهم، يتصرفون فيهم كما يشاءون ولم يكن لهم أنساب معروفة. حتى قال المؤرخون: "إن المعتصم وحده يتحمل تبعة أكثر ما حل بالعباسيين من بعده من اضطراب أمرهم وضعف سلطانهم وما حل بالأمة العربية من غلبة هؤلاء على الأمر. لم يكن الرجل بعيد النظر في العواقب، وإنما كان شجاعًا جسورًا يحب الشجعان ويعتز بهم مهما كان شأنهم، سواء كانت لهم أحساب يحمونها أم ليست لهم أحساب وسواء كان يهمهم شأن الدولة وبقاؤها أم لا؟".
وكان من قواده الذين يعتمد عليهم: الأفشين حيدر بن كاوس، وهو تركي من أشروسنة، ومنهم إيتاخ وأشناس وعجيف بن عنبسة ووصيف وبغا الكبير أبو موسى، وغيرهم.
وكان اختيار المعتصم للأتراك لأنه رأى أن من ببغداد من جنود لا يوثق بهم، لكثرة اضطرابهم وقيامهم على الخلفاء ورأى للأتراك من شدة البأس والنجدة فأراد أن يكون منهم جيشًا. فاستكثر من غلمان الأتراك وأحضر منهم عددًا عظيمًا فوق ما كان منهم في عهد المأمون وأسكنهم بغداد وكان هؤلاء القوم عُجمًا جفاة يركبون الدواب فيركضون في طرقات بغداد وشوارعها فيصدمون الرجل والمرأة والصبي فيقف لهم الجند من العرب ويجرحونهم، حتى اشتكى الأتراك إلى المعتصم وتأذت العامة، فاختط لهم مدينة تكون لهم معسكرًا سماها (سر من رأى) سامراء حاليًا، سكنها المعتصم مع العسكر، وهي منطقة متميزة من بغداد.

وفاته
احتجم المعتصم في أول يوم من محرم سنة 227 هجرية فأصيب عقب ذلك بعلته التي قضت عليه يوم الخميس لثماني ليال مضت من شهر ربيع الأول من تلك السنة ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات.
ويقول السيوطي أنه لما احتضر جعل يقول:
« ذهبت الحيلة فليس لي حيلة »
« اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك. وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي »
كانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وهو ثامن الخلفاء من بنى العباس، وثامن أولاد هارون الرشيد، ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات، وتولى الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين، وفتح ثمانية فتوح وتوفي وهو ابن ثمانية واربعين عاما فكان يلقب ب"المثمن"، وكان معروفا بطيبة النفس، وكان من أعظم الخلفاء وأكثرهم هيبة.وإثر وفاته عام 842 م بويع بالخلافة ابنه الواثق بالله.