الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

شهادات النوبيين عن السد العالي

السد العالي
السد العالي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كتابه «التاريخ الإنسانى للسد العالي» يواصل الكاتب والروائى يوسف فاخورى رصده للتحولات الاجتماعية التى أثرت على العاملين فى هذا المشروع الضخم، وعلى أهل أسوان وجنوب الصعيد تحديدًا، ثم تأثيراته على المجتمع المصرى ككل، إذ لم يتوقف تأثير السد العالى على الدورة الزراعية وجعلها متاحة أكثر من موسمين كما كان الحال قبله، ولا على الكهرباء التى دخلت كل بيت مصرى خاصة فى الريف والقرى التى كانت محرومة من الإنارة قبل بنائه، بل تمثلت فى الحراك الاجتماعى والاقتصادى للشعب المصرى.
يُختزل هذا الحراك، والفرق بين ما قبل وما بعد السد العالى، فى شهادة «وليم كيرلس»، وكيل البنك الأهلى بأسوان حتى عام ١٩٦٩، فعن حجم التعامل فى البنوك فترة الخمسينيات فى أسوان يقول: «فترة الخمسينيات كان البنك الأهلى هو البنك الوحيد فى أسوان، وافتتح بنك مصر بعد كده من خمس لعشر سنين، وفتح بنك إسكندرية وبنك اسمه الجمهورية، البنوك دى ماستمرتش، يعنى بنك الجمهورية اندمج فى بنك إسكندرية، وأصبح فيه ٣ بنوك بس: الأهلى وبنك مصر وبنك إسكندرية، فى الخمسينيات الشغل نفسه مكنش يكفى يشغل البنوك دى كلها، الحركة فى البلد كانت ضعيفة والمشاريع مكنتش لسه ابتدت وقاصرة على عمليات محدودة، كانت قاصرة على التجار والمعاملات الطبيعية حسابات جارية وحسابات القروض بسيطة، التجار بيكون عليهم كمبيالات وحاجات من هذا القبيل، بعد كده بدأ مشروع مناجم الحديد والصلب والسد العالى واتسعت المعاملات، كان مثلا فى خزان أسوان شركة (هوختيف) وشركة باتنيول وشركة مرسيليا، دول كانوا بيتعاملوا مع البنك الأهلى وهو اللى فى الصدارة، العمليات بتاعتهم كبيرة ييجوا ياخدوا مصاريف العمال، وكوم أمبو شركة السكر كان مندوب يجيى ياخد القبض بتاع العمال، ماكنش فى بنوك فى كوم أمبو خالص».
وتابع: «بعد كده لما بدأت المعاملات تتغير ولما بدأ مشروع تهجير قرى النوبة، دا كان مشروع كبير جدا، بلاد النوبة كان فيها النوبيون وفيه آثار فرعونية وقبطية، حاولوا ينقذوا أكبر عدد من المعابد والكنايس وقرروا يعملوا قرى بديلة نواحى كوم أمبو بنفس أسماء القديمة، وابتدى النشاط فى كوم أمبو وأسوان لأن تجار وعمال المعمار ابتدوا يشتغلوا كويس قوي، وأثرت فى أسوان باعتبار أنها المدينة والمشاريع جنبها».
وأضاف: «بدأت حركة ازدهار فى كل المجالات تقريبا، لأن أسوان كانت محدودة جدا قبل كدا، إللى أحيا أسوان فعلا المشروعات بتاعة بحرى كوم أمبو دا كان موجود من زمان إنما ابتدى يشتغل واستوعب نسبة كبيرة من العمال، وده نتج عنه وجود حركة شغل وازدهار طبيعى فى البلد كلها، كان فى تجار مشهورين ابتدوا يرتفعوا شوية لأن البلد كبرت والمعاملات اتسعت والمشروعات كترت وحصلت نقلة فى النواحى المالية والاقتصادية».
وفى شهادات الفنيين يقول «جمعة مختار» عن التحول الذى حدث فى أسوان: «أسوان كانت فاضية خالص، أنا كنت ساكن عند السيل الريفى القديم من سنة ١٩٥٠، والناس بتوعنا جم بنوا فى السيل، كان فيه ساقية هناك السيل كله كان عبارة عن نخيل، الشيخ هارون كانوا جماعة نوبيين فوق الجبل والشارع بتاع كيما، ودول جم بعد تعلية الخزان وكلهم من عندنا من «الدابودية» كانوا فى الشيخ هارون ومطرح المستشفى العام، كانوا بيزرعوا وعاملين شواديف وسواقى وآبار، أنا أيامها أخدت الابتدائية من أسوان وبعدين فى الإعدادية رحت مدرسة قورته فى بلاد النوبة، جيت من هناك لاقيت بلدوزرات تروح ضاربة فى النخيل موقعاها، ده كان فى السيل أسأل يقولوا ده عشان السد العالي، إحنا كنا بنمر على الموقع اللى اتعمل فيه السد نلاقى عاملين خط جير أبيض من الشرق وخط من الغرب، وطبعا حصل تحول مع ظهور ناس مختلفة، قبل كده كنت الضهر تلاقى الدكاكين مفتوحة ومفيهاش حد والناس نايمة، لكن الظاهرة دى اختفت مع ظهور ناس تانية». 
وعن اعتراض النوبيين على بناء السد العالى يواصل جمعة مختار شهادته: «النوبيون كان ليهم اعتراض على السد العالى لكن كان فيه شباب صغير منهم اتعين فى السد، دخلوا صغيرين فى الجراجات سواقين، واتعلموا الميكانيكا وموجودين لغاية دلوقت، إنما أقل كتير من الصعايدة، النوبيين مكنوش بيفكروا فى الشغل التقيل، النوبة أصلا منطقة زراعية كانوا بيزرعوا وعندهم سواقى». 
وعن العلاقات الإنسانية بين الناس داخل العمل يقول جمعة: «الناس كانوا مع بعض فى الشغل والبيوت، كانوا كلهم عزاب شباب جايين من مناطق مختلفة وقاعدين مع بعض فى شقق، كان فيه شقق ٦ أنفار وشقق ٣ أوض فيها ٩ أنفار مع بعض، لذلك كان فيه اندماج، وكنا نروح يوم الخميس نتفرج ع التليفزيون فى القهوة، كان الإرسال داخليا من أسوان، والأخبار نسمعها تانى يوم العلاقات كانت هايلة».
ومن المواقف التى يتذكرها جمعة عن الخبراء الروس يقول: «أنا اشتغلت مع واحد اسمه «فالوجا» دا كان فنى خبير عادى بس عنده كم من العلم والخبرة جامدة، خدت منه خبرة فعلا وهو مكنش يسيبني، أى حتة يروحها كان يندهلى لدرجة إن زمايلنا كانوا يقولولى ابن عمك بيندهلك، وهو كان رئيس المجموعة، ولما مشى وإدانى كاميرا ومكوى وكل الحاجات اللى كانت عنده، كنا عملنا له حفلة قبل ما يمشى، وفى الحفلة كان فيه فودكا وقالى لازم تشرب فى صحة الصداقة المصرية السوفيتية».