الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأوراق الخاصة للأب "متى المسكين"

احتفاء بـ«الراهب الثائر» فى الذكري العاشرة لوفاته

متى المسكين
متى المسكين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تخاف مجتمعاتنا من المختلف، ترتعب من كل ذى فكر جديد، والكنيسة جزء من هذا المجتمع. كانت المشكلة الكبرى للأب متى المسكين هى حصوله على أقوال الأباء الأوائل للمسيحية فى العالم باللغة الإنجليزية، فقرأها بنهم واكتشف الفرق الكبير بين التعاليم التى جاءت للكنيسة القبطية من مصادر بروتستنتانتية وغربية، وعندما أعلن هذه الأقوال حدث زلزال فى الكنيسة، وبدلًا من الالتفات إلى أقوال الآباء ومصادرها تحول الهجوم إلى الأب متى الذى اكتشف هذا النبع. وفى المؤتمر الدولى عنه فى إيطاليا بمناسبة الذكرى العاشرة لنياحته، كشف الأنبا ابيفانيوس، أسقف ورئيس ديـر القديس أنبا مقار، عن أثر هذا التعليم على أفكار وحياة الأب متى، ولخصها فى أربع نقاط ذكرها فى كلمته بالمؤتمر.
متى المسكين والانفتاح على الكنائس
من الصعب على غير الدارسين لتاريخ الكنيسة القبطية فى العصر الحديث أن يُدركوا مدى الأثر الذى تركه الأب متى المسكين فى نظرة الأقباط للكنائس الأخرى، أو مدى تأثير الأب متى المسكين على الحياة الرهبانية، وعلى حقل الدراسات الآبائية والإنجيلية فى مصر.
ففى النصف الأول من القرن العشرين، بَدَأَت فى مصر حركة مدارس الأحد التى كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، الذى اعترفت الكنيسة القبطية بقداسته منذ ثلاثة أعوام. وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثَّل فى كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أى دراسات آبائية معروفة أو تفاسير للكتاب المقدس فى يد القارئ القبطى باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كُتَّاب من الكنائس البروتستانتية. وكانت أهم هذه الكتابات وأكثرها شيوعًا تفاسير ف. ب. ماير Fredereick Brotherton Meyer، ومتى هنرى Matthew Henry. وعلى هذه الكتابات تتلمذ معظم قادة الكنيسة فى ذلك الوقت. وفى حقل الدراسات اللاهوتية لم تكن الكنيسة تعرف سوى كتاب: «علم اللاهوت» - تأليف القمص ميخائيل مينا ناظر مدرسة الرهبان فى ذلك الوقت، وكان قد قام بتأليف هذا الكتاب عام ١٩٣٨م، ويتبع فيه نظام اللاهوت الغربى المعروف باسم: «اللاهوت النظامي».
وفى عام ١٩٥١م، صَدَر للأب متى المسكين كتاب: «حياة الصلاة الأرثوذكسية»، وهو أول كتاب يصدر له بعد تكريس حياته للرهبنة بثلاث سنوات فقط، وكان لهذا الكتاب صدى واسع عند الناطقين باللغة العربية داخل مصر وخارجها، حتى أنَّ جناب المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس، قال: «إنَّ هذا أول كتاب فى العصر الحديث لكاتب قبطى يتتلمذ عليه الروم».
لم يكن هذا الكتاب مجرَّد بحث فى أصول الروحانية الأرثوذكسية، بل كان نافذة أطلَّ منها الأقباط على ماضى حياتهم الروحية والآبائية والرهبانية، وكان له تأثيرٌ بالغ فى حياة الآلاف من الأقباط، الذين صار منهم الكثير من قادة الكنيسة بعد ذلك، بل كان له تأثير فى الكثير من الحركات الرهبانية خارج مصر، خاصة فى السنوات الأخيرة، بعد أن تمَّ ترجمته للُّغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأوكرانية.
ولعل من أهم ما تضمَّنه هذا الكتاب، وكان له أثرٌ كبير لم نشعر به إلاَّ بعد مرور سنوات طويلة، هو ذِكْر أقوال لقدِّيسى الكنيسة غير الأقباط، أى من الكنيسة الجامعة، والتى لا تعرفهم الكنيسة القبطيـة، مثـل: القديس غريغوريوس الكبير، والقديس يوحنا الدمشقى، والقديس ساروفيم ساروفسكي، مما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى، التى كُنَّا ننظر إليها، ولسنواتٍ طويلة، على أنها كنائس مُعادية لنا، فإذا بنا نقرأ سِيَر قدِّيسيها وأقوالهم، ونتمثَّل بحياتهم. وكان هذا إيذانًا بقبولنا الآخر الذى لم تستطع الحوارات المسكونية حتى الآن أن تُحقِّقه.
ولقد أدرك الأب متى المسكين وقتها أهمية هذا الكتاب، فكتب فى عام ١٩٦٨م فى مُقدِّمة الطبعة الثانية، تعليقًا على كلمة المطران جورج خضر: «إنَّ الله اختار هذا الكتاب ليكون فيه كلمـة مُصالحـة ونقطة تقابُل، لا على صعيد الحوار الفكرى أو الجَدَل اللاهوتى، بل على مستوى وحدة الحياة الروحية وتجلِّيات الإيمان الذى يتجاوز العجز اللفظى إلى نور الحق الإلهى المُعاش».
ثم بدأ الأب متى المسكين يذكر فى عظاته أسماء قدِّيسين غربيين كان لهم تأثيرٌ فى حياته الروحية، ومسيرته الرهبانية، مثل: القديسة تريزا الطفل يسوع، والقديس فرنسيس الأسيزى. فكان لمثل هذه الكتابات والأقوال أثرٌ فعَّالٌ فى حياة الأقباط تجاه قدِّيسى الكنيسة الجامعة، مع الإحساس العميق بوحدانية جسد المسيح. ولعل تواجدنا كأقباط الآن فى دير كنيسة شقيقة، لهو إحدى ثمـار مثل هذه الكتابات. وأيضًا التواجُد المستمر لرهبان وراهبات من الكنائس المختلفة فى أديرة الكنيسة القبطية على مدار العام، لهو ثمرة أيضًا لروح الحبِّ والتفاهُم التى غرستها فينا كتابات الأب متى المسكين.
أتذكَّر أنه فى أول زيارة لى إلى إيطاليا لحضور المؤتمر الدولى للدراسات القبطية، الذى نظَّمته الجمعية الدولية للدراسات القبطية (International Association for Coptic Studies)، والذى انعقد عام ٢٠١٢م، أنه فى أثناء زيارتنا لكاتدرائية ميلانو، أنْ تقابلنا مع الآباء المسئولين عن هذه الكاتدرائية، وبمجرد أن عرفوا أننا من مصر، كان أول سؤال يطرحونه علينا: «هل تعرفون الأب متى المسكين»؟ وكانت مفاجأة لنا. فأشار الأب الأسقف المسئول عن الوفد المصرى نحوى وقال: «هذا ابنه»! فأَقْبَلَ عليَّ الآباء يُقبِّلوننى ويُحيوننى بحرارة!
فلما استفسرنا منهم عن سبب سؤالهم هذا؟ قالوا لنا نحن من تلاميذ الأب متى المسكين، وفى ديرنا نقرأ كتاباته كل يوم. وقتَها علمتُ بمدى أهمية ما قام به دير «بوزى» هنا فى إيطاليا من ترجمة كتابات الأب متى المسكين إلى الإيطالية، فى أسلوبٍ جميل وإخراجٍ رائع، مِمَّا أتاح لأشقَّائنا فى كنيسة روما بالتعرُّف على الكنيسة القبطية من خلال تلك الترجمات.
متى المسكين والتجدید الرهباني
عندما بدأ الأب متى المسكين حياتـه الرهبانية، كانت الأديرة القبطية فى حالٍ يُرثَى لها، فأعداد الرهبان كانت قد تناقصت كثيرًا، ومبانى الأديرة آل بعضها للسقوط، خاصةً دير القديس أنبا مقار، ولم يكن بالأديرة أيُّ رهبان من خريجى الجامعات أو من المُنكَبِّين على الدراسات القبطية والإنجيلية سوى النزر القليل.
ومنذ أول يوم لتكريس حياته للرهبنة، وضع الأب متى المسكين فى قلبه أن يحيا حياة رهبانية تقوم على مبادئ الإنجيل ووصايا قدِّيسى الرهبنة، خاصةً أنبا أنطونيوس وأنبا مقار وأنبا باخوميوس. فكان أول كتاباتـه الرهبانية بعنوان: «أنبا أنطونيوس ناسك إنجيلي»، أوضح فيه الأساس الإنجيلى الذى تقوم عليه الحياة الرهبانية، والتى بدونهـا نصبح غرباء عن الطريق الصحيح. ثم بدأ عمليًّا فى إحياء حياة الرهبنة كمزيج بين حياة الوحدة كما عرفها القديس أنبا مقار، وحياة الشركة كما وضع أُسُسَها القديس أنبا باخوميوس.
فكان الأب متى المسكين هو أول من أعاد «مائدة الأغابي» - أغابى أى محبة وهى المائدة التى يأكل عليها الرهبان - التى يجتمع حولها الرهبان كل يوم، كطقس رهبانى أصيل، يُوحِّد الرهبان معًا فى خبز المحبة، بعد أن كان هذا الطقس قد اختفى من أديرتنا منذ مئات السنين. وقد سعدتُ جدًا عندما استضافنى الرهبان هنا لأخذ بركة الشركة فى مائدة المحبة الرهبانية، فوجدتُ فيهم نفس روح الشركة التى علَّمنا إيَّاها أبونا متى، مُناديًا أنَّ الشركة فى المائدة الواحدة هو امتدادٌ للشركة فى الإفخارستيا. كما وضع الأب متى أُسُس العمل اليدوى، كعملٍ مشترك لكلِّ رهبان الدير القادرين على العمل، واضعًا فى ذهنه أنه على الراهب أن يعول نفسه، وأن يُقدِّم فائض عمله لخدمة المحتاجين، حسب وصية آباء الرهبنة.
الأب متى المسكين والتعلیم الكنسي
أحدثت كتابات الأب متى المسكين تغييرًا ملحوظًا فى مجال التعليم فى الكنيسة القبطية. والسبب الحقيقى وراء هذا التغيير، أنَّ الأب متى المسكين لم يتتلمذ على اللاهوت القبطى المعاصر أو المستحدث الذى كان منتشرًا فى ذلك الوقت، إذ أنه بتدبيرٍ إلهى، حسب تعبيره، حصل على مجموعة كاملة لأقوال الآباء مُترجمة إلى اللغة الإنجليزيـة، فقرأها بنهَمٍ. فانطبع فكر الآباء على تفكيره، واصطبغت حياته بسِيَر قدِّيسى الكنيسة. فخرجت كتاباته لها طعم كتابات آباء الكنيسة، دون الحاجة لذِكْر نصوص كثيرة حرفية لهم. فلأول مرة فى الكنيسة القبطية فى العصر الحديث نرى كتابات عن الروح القدس وحلوله فينا، وقيادته لنا فى جهادنا الروحى. وكنتيجة مباشرة لهذه الكتابات تغيَّر مفهوم الجهاد فى الحياة الرهبانية، فأصبح النُّسك الرهبانى ثمرةً لعمل الروح القدس فينا، وأصبح الجهادُ الروحى تقدمةَ شكرٍ نُقدِّمها لله كل يوم عرفانًا مِنَّا بالفداء الذى نلناه نتيجة لذبيحة الصليب. أليس هذا تمامًا ما كان يُنادى به القديس أنطونيوس الكبير فى رسائله وأقواله لأبنائه الرهبان؟
وهكذا فى مفهوم الأب متى المسكين للأعياد الكنسية: فميلاد الرب يسوع، هو ميلاد الإنسان الجديد، ومعموديته وحلول الروح القدس عليه فى الأردن، هو معمودية الخليقة الجديدة وتَصَالحُها مع الله لقبول سُكْنى الروح القدس الدائم فيها، وصليب الرب هو صليبنا نحن، لأننا كُنَّا فى المسيح، مُتَّحدين به، وبالتالى عندما قام المسيح من بين الأموات، كُنَّا جميعًا قائمين فيه: «مع المسيح صُلِبْتُ»، «أقامَنى معه وأَجلَسنى معه فى السماويَّات». أليس هذا هو مفهوم التجسُّد والفداء كما شرحه آباء وقدِّيسو الكنيسة؟
هذه المفاهيم الآبائية تغلغلت فى جميع كتابات الأب متى المسكين، فأحسَّ بها القارئ المسيحى بِغَضِّ النظر عن انتمائه الطائفى، وأيقن أنَّ هذه الكتابات تخصُّه هـو. وهكذا مرَّةً أخرى، أصبحت هناك وحدة غير مُعلَنَة بين الكثير من القُرَّاء بسبب تلك الكتابات. وقد شعرنا، نحن أولاده، بهذه الوحدة من الصداقات التى تكوَّنت لدينا من جميع الطوائف المسيحية، ومن روح المحبة التى لمسناها من إخوتنا فى الكنائس الأخرى.
الأب متى المسكين والوحدة الكنسية
فى يناير عام ١٩٦٥م، كتب الأب متى المسكين مقالًا بعنوان: «الوحدة المسيحية»، بثَّ فيه أَفْكَارَه وتَصوُّراته حول مفهوم الوحدة المسيحية وكيفية تحقيقها، مؤكِّدًا أننا لا نُريد وحدةً عاطفية تكون لمجد الإنسان وتعظيم الذات البشرية، مثلما حاول الإنسان فى القديم أن يُقيم وحدةً الغرض منها بناء برج بابل، فكانت النتيجة التَّفتُّت والانقسام، ولا أن تكون وحدةً قائمةً على التكتُّل ليتقوَّى الضعيف بالقويِّ، وليزداد القويُّ قوةً وسُلطاناً، بل تكون وحدةً على مستوى إلهى، كنتيجة حتمية لاتِّحاد الإنسان بالله، أى نتيجة لوصية الله الأولى: «تحب الرب إلهك من كلِّ قلبك، ومن كلِّ نفسك، ومن كلِّ فكرك، ثم الوصية الثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك».
فالوصية الثانية قائمة على الأولى، وبدونها لا تساوى شيئًا. يقول الأب متى المسكين: «الطريق الموصِّل إلى الاتحاد بالله ليس طريقًا مُفردًا، أى ينتهى عند الله وحسب، بل يعود وينحدر إلى القريب وإلى الغريب وإلى العدو وإلى كل الخليقة. والذى يتَّحد بالله يلزم فى الحال أن ينظر كيف يتَّحد بالكلِّ ولا يهدأ حتى يكمل هذا الاتحاد».
ثم يعود فى عام ١٩٧٢م، ويكتب مقالًا فى مجلة «النور» اللبنانية للروم الأرثوذكس، يقول فيها: «إنَّ عدم اكتمال جامعية الكنيسة ووحدتها حتى الآن بين كنائس العالم، إنما يُلحُّ علينا جميعًا، لا أن نُراجع لاهوتنا، فلاهوتنا صادقٌ جدًا وأمين، بل أن نُراجع أنفسنا على لاهوتنا الصحيح حتى نُصحِّح رؤيتنا لله كأبٍ واحدٍ لكلِّ البشر، ونُصحِّح إدراكنا للمسيح كمُخلِّصٍ واحدٍ وفادٍ، واحدٍ لكلِّ مَن يدعو باسمه، الذى تبنَّى الإنسانية كلها لله بدون تمييز، ثم نُصحِّح حُبَّنا للإنسان، كل إنسان، باعتباره أخًا لنا بالالتزام، حتى ولو ناصَبَنَا العداء».
ثم لكى يؤكِّد على أنَّ الوحدة ليس معناها التنازُل عن العقيدة، يكتب كُتيِّبًا فى عام ١٩٨٤م بعنوان: «الوحدة الحقيقية ستكون إلهامًا للعالم»، يضع فيه تصوُّرًا بسيطًا لخطوات إيجابية تُساعد على الوحدة بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين:
فالخطوة الأولى: أن تتبادَل الكنائس فى وقتٍ واحد رفْعَ الحرمان، الواحدة عن الأخرى، لأن هذا الحرمان هو ضد مشيئة الروح القدس، وقد حَدَثَ عن جهل كلِّ كنيسة بروح وضمير الكنيسة الأخرى، وبسبب التمسُّك بالحرف لا بالروح، (كل كنيسة تحرم الأخرى وتعتبرها خطأ وهى الصح).
والخطوة الثانية: الاعتراف المتبادَل والمُتزامِن بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين (الذين يؤمنون بطبيعة المسيح الواحدة والذين يؤمنون ان له طبيعتين إلهية وبشرية) بعقيدة كلٍّ منهما على أساس الجوهر لا المضمون، أى على أساس موجبات الخلاص والحياة الأبدية الذى تُوفِّره عقيدة كـلٍّ منهما بواسطة يسوع المسيح العامـل فيهما بصورة واحدة برغم اختلاف النصوص.
والخطوة الثالثة: الدخول فى حوار المضمون، ورَفْع الغموض بالشرح، وليس بالحذف، أو بالإضافة فى بنود العقيدة المُسلَّمة حرفيًا بالتقليد لكلٍّ منهما، لتوفير صيغة مُصالحة تتناسب مع وحدة الشركة والروح، دون المساس بكلِّ ما يتعلَّق بتاريخ العقيدة وتفرُّعاتها من مؤلَّفات ومجامع.
لقد آمن الأب متى المسكين أنَّ الوحدة المسيحية يمكن أن تتحقَّق، ليس عن طريق الحوار المسكونى بالدرجة الأولى، ولكن عـن طريق قدِّيسى كلِّ كنيسة، الذيـن بصلواتهم وسيرتهم سوف يُلهمون قادة الكنائس ما يُعينهم على إتمام الوحدة.
مشاهدات فى المؤتمر العالمي
انعقـد فى ديـر «بوزيه Bose» بـإيطاليا، يومَى السبت ٢١ والأحد ٢٢ مايو سنة ٢٠١٦م، المؤتمـر الدولى حـول الأب متى المسكين، بمُباركـة قداسة البابـا تواضروس الثانى، بابـا الإسكندريـة وبطريـرك الكـرازة المرقسية، وبحضور نيافة الأنبا إبيفانيـوس أسقف ورئيس ديـر القديس أنبا مقار الكبير - وادى النطرون، وذلـك بمناسبة الذكـرى السنويـة العاشـرة لوفاة الأب القمص متى المسكـين أب الديـر (١٩١٩-٨ يونيـو ٢٠٠٦م)، والمُعتَبَر الأب الروحى للدير.
وقـد اعتبره المُتحدِّثـون فى المؤتمر أيضًا «الأب الروحى الكبير فى عصرنـا الحاضـر»، والمُعتَبَر أيضًا أحـد أهم الشخصيات فى الحـوار وبناء جسور التفاهُم بين مختلف الكنائس المسيحية فى عصرنا الحاضر.
وقد حضر المؤتمر أكثر من ٢٠٠ شخص مـا بين زائر ومُتحدِّث ومُشْتَرِك حول طاولة الحوار، وذلك مـن كثير من دول العالم: مصر، ولبنان، واليونـان، وفرنسا، وأمريكـا، وكنـدا، وإسبانيا، وسويسرا، والسويد، والنمسا.
كما شارَكَ فى إلقاء الكلمات علماء لاهوت، وآباء أساقفة، وأساتذة علم اللاهوت. كما حضره نيافـة الأنبا أثناسيوس أسقف الكنيسة القبطية فى فرنسا، ونيافة الأنبا برنابا أسقف شمال إيطاليا، ونيافـة الأنبا لوقـا أسقف سويسرا، وكثير من الآباء الكهنة والرهبان الأقباط والأجانب، كمـا حضر المؤتمر مساعـد رئيس أساقفة كانتربرى بإنجلترا.
وقـد تحدَّث المُحاضرون عـن الأب متى المسكين، ذاكريـن سمات العلم اللاهـوتى للأب متى المسكين وروحانيته، ومن الكلمات التى وصفت العلم اللاهوتى للأب متى المسكين، هو علم آبائى (علم الآباء مختص بدراسة آباء الكنيسة الأوائل والقديسين الكبار سيرة حياتهم وتعاليمهم وأقوالهم) أصيل نابع من حياة وتعاليم القديس أنبا أنطونيوس الكبير (مؤسس الرهبنة المسيحية فى مصر والعالم فى القرن الرابع الميلادى)، وقد قدَّمه الأب متى المسكين بصورةٍ مستنيرة اختبارية نتيجة علاقة وشراكة قوية مع الله.
كمـا أنَّ الأب متى المسكين عـاش واختبر واقتبس مـن العلم اللاهـوتى لقدِّيسى الكنيسة القبطية الإسكندرانية: القديس أثناسيوس الرسولى (واضع قانون الإيمان المسيحى الذى يبدأ بكلمة بالحقيقية نؤمن بإله واحد) والقديس كيرلس الكبير المسمى بعامود الدين. 
والعلم اللاهوتى للأب متى المسكين، هـو علم اختبارى مُستنير، مكتـوب ومنطـوق بلغة العصر، ولقد أدرك أبونا متى المسكين أنَّ الوحدة المسيحيـة، هى مَطْلَب إلهى يـدلُّ على النُّضج الروحى، وقـد اشترك الآباء السويديون مع الأب متى المسكين فى ضرورة طلب الوحدة، كما أوضح آخرون أنَّ الوحدة المسيحية لن تتمَّ إلاَّ بتربية النشء على الأخلاق المسيحية مع محبة المسيح داخل القلب.
وعـن الكنيسة والدولة أوضح المُتحدِّثون أنَّ الأب متى المسكين ركَّـز على أنَّ الكنيسـة تخـدم الدولة مـن خـلال الصلاة وسلوكيات أبناء الكنيسـة وأخلاقياتهم. وأن تكـون مهمـة الكنيسـة هى الصـلاة وتقديـم الكتاب المقدَّس كمصدر للأخلاق المسيحية، كما تكلَّموا عن علاقة الأب متى المسكين بـالرهبان: سَعَى إلى جَعْل علاقتـه، كأب لهم، علاقـة محبة وأُبـوَّة وليس سلطة. وسَعَى إلى تثقيفهم بدراسـة لُغات الكتاب المقدَّس والآبـاء، وتوظيف مهارات الرهبان مـن خـلال العمل الجماعى وحياة الشركة.
وقد عَرَضَ أحد المُتحدِّثين، وهو أستاذ جامعى فى إحدى جامعات فرنسـا، خريطة تُظهِر مبانى الدير ومناطق الزراعة، كما صوَّر القبر الذى دُفِـنَ فيه الأب متى المسكين كمغارة منحوتـة فى الصخر. ثم صوَّر القبر وهو فارغ، كما صوَّره بعد أن دُفِنَ فيه الأب متى المسكين، وأوضح الأستاذ الجامعى، كيف أنَّ الأب متى المسكين أرجع نظام الشركـة فى الديـر، مُتَمَثِّلًا فى المائـدة المشتركة التى يتناول عليها الرهبان الطعام معًا.