السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أين مبدعونا من أفراحنا ومآسينا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«القمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده.. لولى ومشبك على عوده والدنيا وجودها من جوده.. عمره ما يخلف مواعيده يا رب تبارك وتزيده.. لولى من نظم سيده متحكم بين عبيده..أرواحنا ملك إيده وحياتنا بيه.. هلت على الكون بشايره ردت للعمر عمره.. والأمر الليلة أمره.. يا رب احميه..يا حليوة أرضك رعتيها والنظرة منك تحييها.. من شهدك كنت بترويها والخير أهى هلت مواعيده.. يا رب تبارك وتزيده.. والنيل على طول بعاده فات أهله وفات بلاده.. جاله يجرى فى ميعاده علشان يرويه..والخير فاض من إيدينا لما النيل فاض علينا..النسمة عرفت مواعيده هزت من شوقها عناقيده..والقمح الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده»..هذه الأغنية الرائعة التى أبدعها الشاعر الرائع حسين السيد، وقام بتلحينها وغنائها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، لإدراكهم أهمية القمح وما يمثله من قيمة فى حياة المصريين على مدار التاريخ وبالتالى أرادوا تحفيز الناس على زراعته والاهتمام به..وهو ما يعكس مدى وعى المبدعين آنذاك ودورهم الهادف..وكما تغنوا بالقمح غنوا أيضا للقطن المصرى الذى يعد أجود أنواع القطن فى العالم، وله أهمية اقتصادية كبيرة، فكتب الشاعر «حسين حلمى المناسترلى» طقطوقة «نورت يا قطن النيل» والتى لحنها وغناها الفنان محمد صادق عام ١٩٣٣ فاشتهر من خلالها وكانت موسيقاها ملهمة للمبدعين فؤاد الظاهرى وعلى إسماعيل فى مؤلفاتهما سواء فى موسيقى الأفلام أو الرقصات الشعبية، كذلك غنت سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» «أنشودة القطن» فى فيلم «عايدة» عام ١٩٤٢، والتى كتبها الشاعر الكبير أحمد رامى ولحنها المبدع زكريا أحمد، وأيضًا غنى الفنان عمر الجيزواى، «يا قطن مصر»، فى فيلم «خضرة والسندباد القبلى» فى عام ١٩٥١، ولم يفت المبدع الشامل صلاح جاهين أن يكتب عنه أيضا فقال: «يا معجبانى يا أبيض يا معجبانى، يا قطن يا اللى مبيض وش الغيطانى، يا قطن يا اللى مبيض وش فلاحك»..أما فى الحروب أو الفترات التى كانت تتطلب الاصطفاف الوطنى وعدم التشتت والفرقة مثل ثورة يوليو ١٩٥٢ وما تلاها من أحداث، والعدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ وصولًا إلى نكسة ١٩٧٦ وحتى نصر أكتوبر، فكان الفن والإبداع هو صاحب الفضل فى حشد وتعبئة الشعب تجاه موقف وطنى واحد خلف القيادة السياسية والجيش، ولعب أهم أدواره فى استنهاض الهمم ورفع الروح المعنوية والاعتزاز بالكرامة الوطنية..وكان من أكثر الفنانين الذين وقفوا إلى جانب وطنهم فى ذلك الوقت عبدالحليم حافظ، الذى لم يترك موقفًا وطنيًا إلا وسجله من خلال صوته للتاريخ من خلال الشعراء والملحنين المبدعين الذين عاشوا أفراح الوطن وهمومه وعبروا عنها، فغنى لتأميم قناة السويس ولمشروع السد العالى ولكل المواقف الوطنية آنذاك..ورغم الاتهامات التى يكيلها بعض ممن لا يقدرون الوطن أو يفهمون معنى الوطنية من أن تلك الأغانى كانت نفاقا للنظام السياسى والرئيس عبدالناصر الذى كان على رأس السلطة.. إلا أن الدافع الحقيقى لهؤلاء المبدعين، هو أنهم عشقوا تراب وطنهم وأدركوا قدر جيشهم، وكان لديهم من الوعى بحيث يدركون ما يحاك بنا من مؤامرات وأطماع، فلم يبيعوا مواهبهم لأعدائنا أو يستخدموها فى تحريض الشعب ودفعه للتمرد والتشتت والانقسام كما نرى من الكثيرين الآن!!.. فهؤلاء المبدعون القدامى بحسهم الوطنى والقومى والعروبى لم يتركوا مناسبة أو موقفا أو إنجازا إلا وعبروا عنها وخلدوا ذكراها بإبداعهم وأعمالهم الهادفة..فكانوا دائما دافعا لحب الوطن وتقدير خيراته والشعور بالعزة والفخر والانتماء..أما الآن فغالبًا لا نجد سوى الأعمال الفنية القديمة لكى تعبر عن أفراحنا وأتراحنا، سواء أغانٍ أو أعمال درامية أو أوبريتات أو غيرها من القوالب الفنية..وقد جاءت كلمات الرئيس السيسى فى خطابه بمناسبة قيامه بافتتاح «موسم حصاد القمح» بالفرافرة، ضمن مشروع الـ١.٥ مليون فدان، لتعبر عن مدى إحباطه من مبدعى عصرنا!!..فقد تحدث عن المشروعات والإنجازات التى تمت خلال العامين الماضيين والتى تكلفت مئات المليارات، وشرح أنه كان من المستحيل إنجاز هذه المهام دون أن يكون قد حارب البيروقراطية والفساد..فتكلم عن الألف بئر التي تم حفرها خلال تلك الفترة والتي نستطيع من خلالها الآن زراعة ٤٠٠ ألف فدان، فى حين أن البئر الواحدة كانت تستغرق عامين أو ثلاثة للحصول على الموافقات، وبالتالى كنا نحتاج لعشر سنوات لكى نحقق ذلك إذا استطعنا.. لذلك قال: «إحنا مش حاسين إحنا بنعمل إيه، واللى تم تنفيذه غير مسبوق ويصعب جدا على أى شعب تنفيذه فى هذه المدة… وكان مهمًّا أن تغنى الناس قولنا هنبنى وادى إحنا بنينا السد العالى»..وكأنه أراد أن يوجه اللوم بأدبه الجم وبأسلوب غير مباشر للمبدعين، مستنكرا موقفهم السلبى وتجاهلهم للإنجازات وعدم قيامهم بأدوارهم، فاستدعى زمن بناء «السد العالى»..والذى كان فيه الفن والإبداع والإعلام أهم عوامل التكاتف والإصطفاف الوطنى، فأراد أن نقارن بين مبدعينا الآن، وبين المبدعين آنذاك والذين استطاعوا بأعمالهم الفنية الخالدة أن يجعلونا نحيا هذا الزمن دون أن نعيشه، وكانوا بحق سلاحًا للدفاع عن الوطن ومواقفه ومشروعاته القومية..فأين أنتم أيها المبدعون، إن كان لا يزال لدينا مبدعون؟!