الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السيسي والتجربة اليابانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لليابان بمثابة "حجر الزاوية" فى صرح التنمية الشاملة الذى تعهد الرئيس بأن يكون هدفاً رئيسياً فى خارطة المستقبل التى بدأت بثورة 30 يونيو 2013.
فبغض النظر عن المكاسب السياسية والاقتصادية التى أعادت مصر إلى مكانتها المستحقة وسط دول العالم، والتى تعد شهادة ثقة جديدة فى الدولة العريقة التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ والحضارة الإنسانية، سأتوقف عند أهم إنجاز فى اعتقادى لهذه الجولة الآسيوية الناجحة ألا وهى اتفاقية التعاون المشترك التى تم توقيعها بين مصر واليابان فى مجال التعليم والتى تتضمن استقبال طوكيو 2500 طالب مصرى سنويا لمدة 5 سنوات كأولى خطوات نقل التجربة التعليمية اليابانية إلى مصر خصوصًا أن اليابان إحدى أكثر الدول تقدما فى كل المجالات وأهمها التعليم خصوصًا أنها استطاعت أن تصنع تقدمًا ملحوظًا بعد الحرب العالمية الثانية، وأنها مشهود لها عالمياً.
ففى تقديرى أن الرئيس السيسي، الذى كان محقاً إلى أقصى درجة عندما وصف نفسه بالطبيب الذى يضع يده على موطن الداء، يدرك تماماً أن نهضة مصر الحقيقية لن تكتمل إلا بثورة فى التعليم والمعرفة.. ومن حسن الطالع أن هذا المعنى بالتحديد هو ما أشرنا إليه فى المقال الأخير المنشور بتاريخ 25 فبراير 2016 أى قبل الجولة الآسيوية للرئيس بيومين، وكان تحت عنوان "لا سبيل للحياة إلا بالعلم".
وإذا كان العلم، الذى نواته الأولى التعليم والمعرفة، هو أساس التقدم والنهضة فإنه يتوجب على الحكومة وكل مسئول فى موقعه التعاطى بإيجابية وبنفس السرعة مع هذه الفرصة الذهبية التى وضعها الرئيس بين أيدينا على طبق من ذهب، وذلك عبر ثورة تصحيح حقيقية وشاملة فى العملية التعليمية برمتها بحيث نحقق أقصى استفادة من التجربة اليابانية فى أكثر من جهة منها تطبيق الكثافة الصحيحة للفصول ومحاكاة طرق التدريس والمساعدة فى تدريب المعلم وتطوير إمكاناته والاستعانة بهم فى تطوير المناهج المصرية، ليعد تعاونا معها كخطوة أولى على الطريق الصحيح لتطوير المنظومة التعليمية.
فعلى مدار سنوات طويلة عانى التعليم المصرى من أزمات خطيرة تمثلت فى مشاكل المناهج غير المتوافقة مع احتياجات المجتمع وعدم ربط العملية التعليمية باحتياجات سوق العمل وإهمال تأهيل المعلمين ما نتج عنه تخريج طلاب اعتادوا على الحفظ "أشبه ما يكونوا بالبغاء" وليس الفهم بحيث نفقد أى قيمة لتراكم العلم والمعرفة، والمحصلة النهائية تصدير عاهات للمجتمع غير واعية بأى شيء ولا هَمَّ لها سوى الحصول على شهادة مرور بلا أى قيمة.
فيجب أن يكون لدينا إرادة سياسية قوية تدرك مشكلات التعليم المصرى وتعلم إمكاناتها والمطلوب منها لتخليص التعليم المصرى من مشكلاته، ثم يأتى بعد ذلك الاستفادة من التجارب المتقدمة، لأنه إذا كانت مسألة التخلص من مشاكل التعليم متوقفة على مجرد الشراكة مع اليابان كان تم ذلك منذ زمن، ولكن هى متوقفة على الإرادة المصرية وهذا وفق ما يراه المحللون مرهونا بامتلاكنا إرادة حقيقية بتخليص تعليمنا من مشكلاته، فملف التعليم المصرى يكتظ بالمشكلات وأولها تدهور رواتب المعلمين، حيث يحصل المعلم المصرى على ما يعادل 120 دولارا فى حين أن المدرس فى اليابان يحصل على راتب فى حدود 7 آلاف دولار، وهذا يتطلب توجيه مخصصات أكبر للإنفاق على التعليم.
كما أنه يجب رفع مستوى المعلمين فى الثقافة العامة والعلمية إضافة إلى توفير عدد كافٍ من المدارس ليكون الحد الأقصى لكثافة الفصول 30 تلميذاً، ثم يقسم الفصل إلى 5 أو 6 مجموعات كل مجموعة 5 أو 6 طلاب على الأكثر، ويدرس المدرس لكل مجموعة محاضرة وهم جالسون بجواره كما فى الدرس الخاص ويمكن للمدرس أن يشرح ما بين ثلاث أو أربع محاضرات فى اليوم وتستطيع كل مجموعة أن تتلقى أربع محاضرات مختلفة وبذلك يمكن القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية والتى ترجع فى الأساس إلى أعداد الطلبة المرتفعة وعجز المدرس عن توصيل المعلومة.
ويجب أن يتزامن كل هذا مع إرادة وطنية مخلصة للارتقاء بمصر ووضعها فى مصاف الدول، ولن يتأتى هذا إلا بنسف المناهج التعليمية العقيمة وتحسين أحوال المعلم وقبل كل هذا الإيمان بأنه لا خيار أمامنا سوى العلم والمعرفة والتعليم، هذا إن أردنا الخير لبلادنا.