السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أول دراسة عن 20 يومًا في "عمر البرلمان"

ترصد كل شيء تحت قبة المجلس

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ على عبدالعال «منضبط وملتزم» لكنه «عصبى أحيانًا» لزيادة عدد النواب
■ تشكيل تحالفات على أساس «فئوي» و«جغرافى»
■ محاولات لتصدير المشكلات إلى الحكومة والهجوم عليها دون مبرر
■ مواجهة مع هشام جنينة ومساعٍ لتحسين الصورة برفض «الخدمة المدنية»

إن تقييم أى برلمان أو مقارنته بغيره، يجب أن يخضع لمعايير وأسس علمية منضبطة، منها: أولاً تناول أداء البرلمان خلال فصل تشريعى كامل، أو تناول أداء الأعضاء والأحزاب خلال دور انعقاد سنوى، ثانيًا تناول أداء فئة اجتماعية معينة أو شريحة عمرية خلال دور انعقاد سنوى أو فصل تشريعى كامل. ثالثًا موقف الأعضاء أو حزب معين من تشريع محدد، وذلك من أجل معرفة أسباب القبول والرفض لهذا التشريع، فضلاً عن الوقوف على الأسباب الواقعية التى بنى على أساسها الحزب أو العضو موقفه، وبالتالى يمكن التنبؤ المستقبلى بخريطة واتجاهات التصويت لهذا الحزب داخل البرلمان.
ومن الأهمية بمكان القول إن القراءة المبكرة لأداء البرلمان مهمة صعبة، لأنه كما يقال فى المثل المصرى الشهير «إن الجواب بيبان من عنوانه»، وذلك بسبب حالة التشويه المتعمدة له، فضلا عن ضرورة الوقوف على الجوانب الإيجابية فى أداء الأعضاء وتقويتها، ومعرفة جوانب الضعف، للعمل على تلافيها.
أولا: أخطاء سرعة تقييم الأداء
من غير المنصف تناول الأداء التشريعى للبرلمان خلال الفترة الماضية لعدة أسباب: أولها، نظرًا لطبيعة القرارات بالقوانين التى صدرت فى عهدى الرئيسين عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى (٣٤١ قانونا)، منها نحو ١٠٥ قرارات بقانون ذى طبيعة خاصة، بمعنى أنه لا تترتب عليها حقوق أو واجبات على المواطنين، والبعض الآخر قرارات بقوانين منظمة لعقود واتفاقيات بين الدولة المصرية وغيرها من الدول، والبعض الثالث قرارات متعلقة بمعالجة تنظيم العمل لبعض فئات المجتمع فقط، وأخيرًا، قرارات بقوانين تمس حياة عموم المجتمع أو على الأقل السواد الأعظم منه، مثل قوانين الخدمة المدنية وقانون التظاهر، ومنع التضارب فى المصالح… إلخ.
ثانيها، سوابق الخبرة التشريعية المصرية فى التعامل مع القرارات بقوانين، التى جاءت كلها من قبل بالموافقة الكاملة على جميع القرارات بقوانين التى صدرت فى غيبة المجلس، على الأقل فى فترة الرئيس الأسبق مبارك التى وصلت فى كثير من الأحيان إلى قانون كل يومين أو ثلاثة أيام، وهى ذات النسبة تقريبًا عند انعقاد البرلمان الحالى.
ثالثها، المأزق الدستورى الذى وضعته لجنة الخمسين لهذا البرلمان بدون قصد أو عن قصد، حيث نصت المادة ١٥٦ من الدستور بضرورة مناقشة القرارات بقوانين من قبل البرلمان خلال فترة لا تتجاوز ١٥ يومًا.
رابعها، عدم وجود لائحة جديدة للمجلس، وهو ما شكل عبئًا إضافيًا على النواب بشكل عام، وعلى رئيس المجلس بشكل خاص، الذى لجأ إلى تطبيق اللائحة القديمة وهو يعلم أن بها أكثر من ٣٢ مادة غير دستورية، فقد نصت المادة ١١٨ من الدستور على أن يضع المجلس لائحته الداخلية لتنظيم العمل وكيفية ممارسة اختصاصاته، وأن تصدر بقانون. ولجأ رئيس البرلمان الدكتور على عبدالعال فى أكثر من مرة إلى تطبيق السوابق البرلمانية وليس اللائحة القديمة، كإحدى السبل للخروج الآمن من المواقف المتناقضة داخل قاعة المجلس.
ثانيا: المشاهد الإيجابية برلمانيا
لأول مرة فى تاريخ البرلمانات المصرية يجلس المصريون أمام شاشات التلفاز فى مشهد لم يتكرر ولم أرصده إلا فى نهائى كأس الأمم الإفريقية، لمتابعة انتخاب رئيس المجلس من بين ٧ مرشحين، والوكيلين من بين ١٥ مرشحًا، فى مشهد لم نعتد عليه من قبل، وفى ظل بورصة توقعات لم تحسم إلا مع إعلان النتيجة النهائية للانتخابات من قبل اللجنة التى أشرفت عليها. إن مشهد عملية التصويت والتربيطات داخل مجلس النواب قبل عملية الاختيار تؤكد ترسيخ مبدأ الديمقراطية فى أذهان ممثلى الشعب، كما أنها تعكس حالة السيولة السياسية التى يتسم بها النظام السياسى المصرى الآن.
التدريب والتأهيل للنواب
خضع عدد لا بأس به من النواب لدورات تدريبية داخل المجلس وخارجه من قبل بعض مراكز بحثية علمية، وهو أمر لم يحدث من قبل. كما قام بعض النواب بتأسيس وحدات للدعم البرلمانى والتواصل المجتمعى، وهو أمر لم يلتفت إليه النواب من قبل. واللافت للنظر، هو إقبال النواب من الشباب والمرأة على مثل هذه الدورات، التى تسهم بشكل أو بآخر فى رفع القدرات والخبرات البرلمانية للنواب. فعلى سبيل المثال قام المجلس القومى للمرأة بعقد دورة تدريبية متخصصة للنائبات حول الأدوات الرقابية فى المجلس، وكيف تمكن مناقشة الموازنة العامة للدولة، وقواعد التشبيك بين النائبات ومؤسسات الدولة، وقواعد السلوك والتعامل بين النواب وزملائهم داخل المجلس.
نخبة تشريعية وإدارية جديدة
تولى أمين عام جديد قيادة العمل الإدارى بالمجلس، وبات من المعلوم أن مهمة ومهام الأمين العام لا تقل أهمية عن مهمة رئيس المجلس، فالأمين العام هو القوى المحركة الفعلية للعمل داخل الهيئة التشريعية، ويستطيع أن يلعب دورًا كبيرًا فى مساعدة رئيس المجلس فى التنسيق وإدارة العمل التشريعى أيضًا، بالإضافة إلى تدريب عدد كبير من العاملين فى المجلس، واستحداث عدد من الهياكل الإدارية والبحثية.
التصويت الإلكترونى
بحت أصوات الأحزاب والمهتمين بالعمل النيابى فى عهد مبارك بضرورة تطبيق التصويت الإلكترونى حتى يمكن ضبط عملية تمرير القوانين، وهو ما قوبل بالتجاهل فى كثير من الأحيان. ويعد تطبيق التصويت الإلكترونى داخل مجلس النواب هو دليل قاطع على جدية ونزاهة وشفافية العملية التشريعية. وفى الواقع الفعلى يمكن تلافى بعض الأخطاء التى واجهت عملية التصويت الإلكترونى عن طريق تطوير التقنيات التكنولوجية المستخدمة داخل القاعة العامة للمجلس.
ثالثا: الأداء السياسي للنواب
فى تناولنا للأداء السياسى للنواب يمكننا إبداء عدد من الملاحظات العامة التى يجب أخذها فى الاعتبار، والتى ظهرت أيضًا من خلال ممارسة النواب ومنها:
قلة الخبرة البرلمانية
هناك ما لا يقل عن ٦٥٪ من الأعضاء يدخلون البرلمان لأول مرة، وبالتالى هناك عدم معرفة بالممارسات البرلمانية المتبعة فى الأعراف والتقاليد البرلمانية المصرية على الأقل. والجدير بالذكر أن هذه الأعراف والتقاليد صارت قوتها مثل قوة القانون، ولكن تظل الإشكالية الرئيسة فيها أنها غير مكتوبة، وبالتالى غير معلومة للأعضاء الجدد. وقد تجلت مظاهر قلة الخبرة فى التجاوزات التى تمت من النواب ضد رئيس المجلس عند طلب الكلمة أو رفع اللائحة فى بعض الأوقات دون داعٍ. كما أن اعتذار رئيس المجلس لبعض النواب، وهو شخصية قانونية ومحترم وذو كفاءة عالية يجب ألا يحدث، لأن رئيس المجلس يطبق اللائحة على الجميع بموضوعية وشفافية كاملتين.
تكالب النواب على الإعلام والعكس
تم رصد اهتمام عدد من النواب بالتواصل مع الإعلام أكثر من اهتمامه بتطوير أدائه داخل المجلس أو خارجه. ولوحظ إصدار عدد من النواب بيانات صحفية أو الإدلاء بالآراء الخاصة بهم حول بعض القضايا الخاصة بالبرلمان أو تلك المتعلقة بالأمور السياسية اليومية وتوزيعها على المواقع والجرائد، وهذا ليس فقط يفقد النائب القدرة على العطاء داخل المجلس، ولكنه ربما يوقعه فى المشكلات التى قد تترتب على هذه التصريحات، وهو ما حدث مع ما يعرف باسم «نائب الحشمة» الذى طالب العضوات بارتداء ملابس أكثر حشمة، وأصبح مادة إعلامية خصبة لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على مدار أكثر من أسبوع متواصل.
على الجانب الآخر، قامت بدورها وسائل الإعلام المختلفة بتخصيص برامج يومية لتناول أداء البرلمان، والتركيز على كل القضايا المطروحة بداخله أو حتى خارجه، ولها علاقة بالعمل البرلمانى، وذلك بعدما حققت هذا القنوات نجاحًا ملحوظًا أثناء تناولها للعملية الانتخابية. ونستطيع الجزم بأن كل القنوات الإخبارية المصرية وبعض القنوات العربية قامت بتخصيص برامج أو فقرات كاملة فى برامجها القائمة لتناول أداء مجلس النواب، فى سابقة لم تحدث على المستوى العربى والدولى أيضًا، وهو ما يجب أن ينتبه إليه القائمون على إدارة العمل فى المجلس والنواب أنفسهم، لأن كثرة الظهور فى الإعلام سلاح ذو حدين.
محاولات تصدير المشكلات للحكومة
اتسمت البيئة التى انعقد فيها المجلس بحالة من حالات الترصد والمراقبة لأداء البرلمان، فضلاً عن حالة الهجوم غير معلومة المصدر على المجلس، وأنه برلمان جاء ليمرر ما تريده الحكومة أو السلطة من قوانين، وأنه جاء بشعبية ضعيفة لن تؤهله لممارسة اختصاصاته. وقد وضع هذا الأمر الأعضاء تحت ضغط معنوى ونفسى كبير، وهو ما تجلت مظاهره فى حالة الرفض المطلق لقانون الخدمة المدنية قبل أن يعرض حتى على لجنة القوى العاملة، التى قامت هى الأخرى برفضه قبل مناقشته. وهو ما قوبل أيضًا من بعض الأعضاء بمحاولات لتحسين صورة المجلس، وكأنه لحق بهم عيب أو نقص ما، وهو أمر غير حقيقى بالمرة، فهذا البرلمان لم يأت بالتزوير على الرغم من استخدام المال السياسى فى بعض الدوائر، وطبقت الدولة وجهة الإدارة كل المعايير الدولية فى العملية الانتخابية. وبدلاً من أن يقوم النواب بممارسة منضبطة برلمانيًا سادت حالة هجوم من قبلهم على أعضاء الحكومة، وخرجت تصريحاتهم بأنهم يحملون فى جعبتهم الكثير من طلبات الإحاطة والاستجوابات للمسئولين فى الدولة، حتى الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يسلم هو الآخر من هذه السهام، حينما عبر عن امتعاضه من رفض المجلس لقانون الخدمة المدنية، حيث وجّه له بعض النواب النقد على حديثه حول رفض المجلس للقانون، وأنه كان من باب أولى أن يوجّه حديثه للحكومة التى تقدمت بقانون غير منضبط من وجهة نظرهم، ولا يحقق العدالة بين الموظفين.
مرونة التحالفات داخل المجلس
على الرغم من مميزات عدم وجود حزب أو ائتلاف له الغلبة أو الأغلبية داخل البرلمان، والتى يأتى فى مقدمتها: عدم سيطرته على المناصب داخل الهيكل التشريعى، وإتاحة الفرصة للأحزاب أو أى مجموعة منظمة داخل المجلس فى أن تلعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا داخل أروقة المجلس، فإن هذا الأمر قد يشكل عبئًا على الحكومة، وذلك لأنها لن تستطيع أن تمرر بسهولة ما تشاء من قوانين. وسادت فى البداية حالة من حالات الهجوم غير المبررة على تكوين تحالف «فى دعم مصر» الذى أراد تشكيل الأغلبية فى البرلمان، وقد أكد البعض من النواب ومن الخبراء أننا أمام حزب وطنى جديد يريد السيطرة على الهياكل البرلمانية والأجندة التشريعية، وأنه أمر غير قانونى، على الرغم من النص فى المادة ١٤٦ من الدستور على تكوين وتشكيل الائتلافات البرلمانية.
وبعد أن هدأت حالة الهجوم على تحالف فى «دعم مصر»، سادت حالة من السخرية منه ووصمه بأنه تحالف هش ومفكك وضعيف ولا يمكن التعويل عليه من قبل الدولة. وأخذ الجميع يستشهد بموقفين أساسيين، الموقف الأول فشل التحالف فى معركة انتخاب الوكيل الثانى للمجلس، والموقف الثانى فشله فى التصويت الإيجابى لتمرير قانون الخدمة المدنية. وبدأ الجميع يقع فى أخطاء تحليلية أخرى بالقول بأن التحالف قد انهار، بل ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، بأنه لا يوجد من الأصل تحالف باسم «دعم مصر»، وهى محاولة باءت بالفشل.
وهنا نسجل التالى: أولا، إن تحالف دعم مصر ما زال الكتلة الصلبة أو النواة الرئيسة لأى تحالفات داخل المجلس، وأن التجربة ما زالت فى طور البناء والتكوين وخاضعة للتطوير وإعادة الهيكلة، ثانيًا إن طبيعة التكوين السياسى داخل المجلس يؤكد أن التحالفات ستظل على قضايا جوهرية أو قوانين محددة، وأنه فى الكثير من الحالات نجد أحزابا متعارضة أو على خلاف مع «دعم مصر» تتفق معه فى التصويت حول هذه القضايا، وبالتالى قوة تحالف دعم مصر الفعلية لن تظهر إلا فى بعض القضايا الجوهرية، حتى حالة قانون الخدمة المدنية لا يمكن القياس عليها نظرًا للطبيعة الشعبوية لهذا القانون.
غياب واضح لدور زعيم الأغلبية
يلعب زعيم الأغلبية دورًا مهمًا داخل المجلس، وفى كثير من الأحيان يكون موازيًا ومساويًا لدور رئيس المجلس فى هندسة وإدارة العملية التشريعية داخل البرلمان. ونعتقد أن زعيم الأغلبية فى برلمان ٢٠١٦ لم يظهر بعد، على الرغم من الدور الذى يقوم بها النائب سامح سيف اليزل فى لملمة شمل تحالف «فى دعم مصر»، ونعتقد بأن الاجتماع الذى عقد يوم الأحد ٢٤ يناير لبعض أعضاء التحالف كان الهدف الأساسى له هو إعادة اللحمة وترميم البيت من الداخل مرة أخرى، وهو أمر طبيعى وجيد فى ذات الوقت، ولكنه مؤشر أيضًا على بداية بلورة واقعية لخلق قيادة جماعية للتحالف، وهو أمر مهم فى هذا المرحلة. وعلى الرغم من هذا لا بد من أن يعى القائمون على التحالف ضرورة إعادة بناء اللوائح والقواعد المنظمة له، وتوقيع بعض العقوبات على المخالفين، حتى ولو استدعى الأمر طرد البعض من التحالف، وذلك حتى يضمن فى المستقبل القريب التماسك والالتزام.
أداء رئيس المجلس
لا شك فى أن الدكتور على عبدالعال لديه كفاءة وخبرة قانونية كبيرة، ولكن المشكلة الرئيسة تكمن فى العدد الضخم المشُكل منه المجلس- ٥٩٦ عضوًا- والعدد الكبير من القرارات بقوانين (٣٤١)، فضلاً عن وضع اللائحة القديمة، التى توجد بها ٣٢ مادة مخالفة للدستور الجديد، وحماسة النواب فى طلب المناقشة، وهو ما وضع رئيس المجلس فى حالة من الحيرة لبعض الوقت أو ظهر أداؤه بأن به عجلة من الأمر. وعلى الرغم من هذا فإن أداء رئيس المجلس يبدو للوهلة الأولى منضبطًا وملتزمًا بالقواعد البرلمانية المتعارف عليها، ومع استقرار البرلمان بوضع لائحة جديدة وتشكيل اللجان العامة واكتمال الهياكل البرلمانية، فإنه من المتوقع بأن يكون أداء رئيس المجلس أكثر حنكة وحكمة فى التعامل مع النواب، وبالتالى ستقل حجم العصبية التى ظهرت عليه خلال الفترة الماضية فى التعامل مع النواب. فلا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الفترة شهدت حالة من التربص من البعض ضد الدكتور على عبدالعال، وهو ما تجلت مظاهره من خلال محاولة أحد الأعضاء تصحيح معلومة أو خطأ ما أمام الجمعية العامة للمجلس أكثر من مرة، وكأن رئيس المجلس يجهل القانون، وهو ما جعل رئيس المجلس يرد بشكل قاطع وحاسم بأنه يعلم القانون واللائحة بشكل جيد.
التحالفات الفئوية والجغرافية
أثار بعض النواب أكثر من مرة مسألة «الطائفية الجغرافية» أو «الفئوية الاجتماعية» لأول مرة فى تاريخ البرلمانات المصرية، وذلك عن طريق تكوين تحالفات برلمانية على أساس جغرافى، حيث تحدث بعض نواب محافظات الصعيد على سبيل المثال بأن هناك ضرورة بأن يكون منصب أحد الوكلاء لنواب الصعيد، وكان هناك حشد وتعبئة لنواب الصعيد فى هذا الإطار، وقد تمت إثارة هذا الحديث فى وسائل الإعلام.
كما تحدث بعض الشباب عن ضرورة تكوين تحالف يضم النواب الشباب فقط داخل البرلمان، وهو ما ينصرف بالضرورة على محاولات بعض النائبات تكوين تحالف «نسائى» داخل المجلس.
كما طالب البعض باستحداث منصب داخل اللجان ليكون من نصيب الشباب، وطالبت النائبات بحصة للمرأة فى المناصب داخل اللجان، واجتماع رئيس المجلس بالنواب الشباب فقط دون غيرهم، وطالب ذوو الاحتياجات الخاصة بضرورة إنشاء لجنة داخل المجلس تهتم بهذه الفئة فى المجتمع.
إن خطورة الطائفية الجغرافية والفئوية داخل النخبة التشريعية جدّ خطيرة، لأنها تكرس بدون وعى النعرات الجغرافية والمصالح الضيقة، وتخلق عدم تجانس بين النخبة التشريعية فى اتجاهات التصويت لصالح البعد القومى، وتمنع النواب من ممارسات الأدوات الرقابية حيال السلطة التنفيذية، لأن التركيز سيكون على مصالح فئوية وليس أكثر.
الدخول على خط المواجهة مع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات
كان من المبكر جدًا أن يدخل مجلس النواب كطرف فى الصراع الدائر الآن بين رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات والحكومة حول «تقرير لجنة تقصى الحقائق» الخاصة بتصريحات المستشار هشام جنينة حول تكلفة الفساد فى مصر، حيث أكد النائب سليمان وهدان وكيل مجلس النواب أن هيئة مكتب المجلس ستقوم بتشكيل اللجنة الخاصة لدراسة تقرير لجنة تقصى الحقائق، لفحص ما أثير إعلاميًا من أن تكلفة الفساد فى مصر عام ٢٠١٥ بلغت ٦٠٠ مليار جنيه، وأن المجلس فوض هيئة المكتب بوضع معايير لاختيار أعضاء اللجنة، التى سيتم تشكيلها من بين النواب الخبراء والمتخصصين، وبناء عليه اختيارها فيما لا يجاوز ٢٥ عضوًا، لافتا النظر إلى أنه لم تتحدد مدة معينة لتشكيلها. وفى الوقت ذاته أكد وكيل المجلس أنه شخصيًا مع إرجاء تشكيل اللجنة لحين انتهاء جهات التحقيق من عملها منعًا للتضارب.
رابعا: قانون الخدمة المدنية
أربك رفض مجلس النواب للقرار بقانون رقم ١٨ لسنة ٢٠١٥، والمعروف إعلاميًا بقانون الخدمة المدنية، العديد من الحسابات داخل الحكومة المصرية، ولكنه فى الوقت ذاته جاء رفض القانون ببعض المميزات لصالح المجلس وتحسين صورته أمام الرأى العام.
ويمكن إبداء الملاحظات التالية: أولا غياب ١٠٧ نواب عن الجلسة، بمعنى غياب ١٨٪ من إجمالى عدد النواب، وهو رقم ضخم وكبير للغاية، ولا يوجد مبرر لعدم حضور هذا العدد الكبير للجلسات. ويمكن هنا تفسير هذا الأمر من عدة زوايا: أولا، عدم التزام نواب الأحزاب بمواقف أحزابهم من التصويت برفض القانون أو قبوله، وأن هذه الظاهرة ربما تتكرر فى المستقبل، فقد أكد رفض القانون ضعف الالتزام الحزبى لنواب بعض الأحزاب، ويُعد حزب «المصريين الأحرار» من أهم الأحزاب التى وقعت فى هذا المأزق، بعد إعلان رئيس كتلته البرلمانية أن نواب الحزب اتفقوا على تمرير القانون، وهو ما كشفت النتائج النهائية للتصويت عدم صحته. فقد بلغ إجمالى عدد نواب أحزاب الوفد ومستقبل وطن والنور والشعب الجمهورى والمؤتمر الذين أعلنوا رفضهم صراحة للقانون قبل بدء جلسة التصويت، بالإضافة إلى ما يقرب من ٨٠ نائبًا مستقلا ما يقرب من ٢٠٢ نائب، بنسبة بلغت ٦٠٪ من إجمالى الرافضين للقانون، وهو ما يعنى أن عددًا كبيرًا من نواب المصريين الأحرار خالفوا التعليمات، وشاركوا التكتل الرافض للقانون. ثانيًا كان رفض القانون بمثابة أداة قياس لمدى تماسك ائتلاف «دعم مصر»، وهو ما أدى فى النهاية إلى محاولة إعادة تنظيم التحالف مرة أخرى.
ومن الناحية السياسية، تعددت تداعيات ودلالات رفض القانون بهذا العدد الكبير من الأصوات، أولها، تحسين صورة البرلمان أمام الناخبين، سواء من شارك فى الانتخابات أو أولئك الذين لم يشاركوا فيها، وبدأ الحديث مرة أخرى عن مدى قوة البرلمان فى مواجهة الحكومة والرئي، ثانيًا، كان رفض القانون بمثابة قوة دفع لإعادة النظر من قبل مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا البرلمان، وبالتالى يمكن العمل والتشبيك معه من أجل الضغط على الحكومة لتنفيذ قوانين أو قرارات محددة تمس حياة المواطنين.
ثالثًا: يعتبر رفض القانون جولة أولى فى إطار مدى قياس العلاقة بينهم وبين الحكومة، وأعتقد أنها ليست الجولة الأخيرة، وهو أمر فى النهاية يصب فى مصلحة الوطن وإدارة عملية الانتقال الديمقراطى، على الرغم من أهمية القانون لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة المصرية.
وفى النهاية، يمكن التأكيد على أن الأداء السياسى والتشريعى للبرلمان يبدو جيدًا، وأن حملات التشويه المتعمدة للبرلمان لن تؤتى ثمارها، بل العكس هو ما يحدث الآن، ومع مرور الوقت يثبت أعضاء المجلس بأنهم على قدر المسئولية، وأنهم يعبرون بحق عن تطلعات المواطنين وأحلامهم.