السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"عظيمة الحسيني" زغرودة الميادين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لها من اسمها نصيب، ولها منه ورطة عاشت بها وعاشت لها، المناضلة اليسارية عظيمة الحسينى التى رحلت قبل يومين هى النموذج الذى يمكن لأى متابع القياس عليه، ترحل عظيمة الحسينى مع بشائر يناير، ذلك الشهر الذى صهرها فى ١٩٧٧ وزغردت له فى ٢٠١١، ولا يمكن أن تكون يساريًا دون أن تعرف عظيمة الحسينى ببساطتها التلقائية، وصدقها الجارف وعطائها المؤمن بضرورة العطاء.
لم تنبت عظيمة من فراغ، الأسرة كلها منخرطة فى العمل السياسى والثورى كميراث من والدهم الذى علمهم دفع الثمن مقدمًا من أجل الدفاع عن فكرة، ومن أجل الإمساك بالحلم، ومن أجل مستقبل مزدهر لوطن تقدمي، لذلك كان الأب أول من دفع تلك الأثمان بعقوبات إدارية جعلت حياته الوظيفية مشتتة فى كل محافظات مصر، ولما شب عود ابنيه مهدى ومصطفى، كانت السجون تنتظرهما لدفاعهما عن حلمهما بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لم أكن قد ولدت بعد، ولكننى قرأت ما كتبه المعاصرون لفترة الخمسينيات والستينيات عن عظيمة الحسينى رائدة لجان إعاشة المسجونين فى قضايا الرأي، شابة تحمل الغذاء والكساء والأدوية، وتنقل الأخبار البسيطة من سجن إلى آخر، تزور مع أخريات من جيلها عائلات المسجونين، تشد من أزرهم، وتسد عوزهم لو احتاج الأمر، تشارك بحماسة فى وقفات احتجاجية للمطالبة بالحرية للمعتقلين، لم يتوقف نشاطها عند حدود هذا الأمر، ولكنها المنضبطة كما تعلمت منذ نعومة أظافرها، تشارك وبقوة فى نشاط حزب التجمع، وتساهم بفاعلية فى تأسيس اتحاد النساء التقدمي، لتصبح الملهمة لشباب الحزب فى نضاله.
فى تلك المرحلة عرفت عظيمة الحسينى عن قرب، عشرات كنا نقف محتجين بميدان التحرير، ونهتف من قاع قلوبنا تدعمنا حماسة الشباب، وهى التى تجاوزت السبعين، تأتى إلينا مشجعة مبتسمة مشرقة متفائلة، وهناك فى قاعة جمال عبدالناصر بالمقر المركزى لحزب التجمع، وعندما تحتدم الخلافات فى مؤتمر، ونلجأ للتصويت وتنتهى الأزمة ديمقراطيًا، كانت زغرودة عظيمة الحسينى، تشق الفضاء معلنة عن فرح الاتفاق، وعن ضرورة البهجة، وعن أهمية التزام الأقلية برأى الأغلبية، طالما تم ذلك فى جو ديمقراطي، زغرودة مصرية أصيلة تنخلع لها القلوب، وتهتز معها جدران المقر.
لم يقتصر عطاء عظيمة على حدود الشارع والمقرات الحزبية، ولكنها ضربت المثل الأروع بتطابق أقوالها مع أفعالها فى بيتها بالمنيل، البيت الذى كان مقصدًا لكل الباحثين عن روح الأسرة والعائلة من القاهرة والأقاليم، يعرف الواحد منهم أنه إذا ضاقت الدنيا عليه، فبيت عظيمة الحسينى مفتوح لاستقباله يغسل جروحه ويطيب خاطره ويشحنه بالأمل، قرأت شهادات لبعض فتيات جامعة القاهرة فى السبعينيات، وكيف كان بيت عظيمة الحسينى حماية لهن من الإحباط والهزيمة.
هى كما وصفها البعض أم إخوتها، نعم حدث ذلك، فالإخوة خمسة هم بهى، عادل، مصطفى، هاني، مهدي، جميعا ـ كما كتب الدكتور رفعت السعيد ـ مسهم شغف النضال اليسارى تمامًا كما فعل الوطن مع أبيهم فى البداية.. كانت ملاحقة بهى ثم مصطفى ثم عادل.. ثم الجميع. وهكذا وجدت عظيمة نفسها مسئولة عن ملاحقة خمسة يلاحقهم الأمن، هذه البداية المبكرة التى صقلت روح عظيمة الحسيني، جعلت من حياتها أسطورة لدمج السياسى بالإنساني، وجعلت الخلاف محطة للتفاهم للوصول إلى اتفاق، فكانت البساطة المذهلة فى سير الأمور للأمام، دون ضجيج أو مزايدة. لا شك أن الخسارة كبيرة، ولكن عزاءنا هو أن مدرسة عظيمة الحسينى سوف تمتد وتعمل وتواصل نشاطها، وأن أحلامها لم تدفن معها، ولكنها نثرتها فسكنت أرواح كل من عرفوها، ليمشوا على طريقها مسلحين برحابة الروح وصدق الحلم وأهمية التجربة.