الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حسين بيكار.. عازف الألوان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صاحب مدرسة للفن الصحفي وصحافة الأطفال، فنان شامل، رسام ومصور وشاعر وفيلسوف وموسيقي.. إنه الفنان الراحل حسين أمين إبراهيم بيكار، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده "1913".
أفرغ طاقة الحب في تقديم إبداعاته الفنية وكتب الأطفال والموسيقى والقصص المصورة، والرسومات الصحفية، أجيال عديدة تدين له بالفضل لتعليمهم حب الحياة والفن والقيم الجمالية، طرق كل الأبواب حتى يصل الفن للجمهور من خلال إسهاماته في الصحافة والأعمال السينمائية التي شارك فيها من خلال الصورة.
الإسكندرية والخطوط الأساسية لميلاد الفنان
الخطوط الأساسية في حياته تحددت هناك في حي الأنفوشي بالإسكندرية، الحي الذي ولد وعاش فيه سنوات التفتح وسط البسطاء من الحرفيين والعمال والسماكين وأبناء الإسكندرية، تأثر الفنان ببيئته في أعماله الفنية، وكان لها بالغ الأثر في تكوين شخصيته، الإسكندرية عنده هي حي الأنفوشي ورأس التين والأماكن الشعبية الأصيلة.
كان والده يعمل أمينًا لمخازن السلطان عبدالحميد، ووالدته سيدة بسيطة كانت تحب عملها وهو التطريز بالإبرة قد عاش في بيت بسيط يخلو من الأثاث، وجدرانه جرداء من أي صورة، وكانت والدته عندما ترسم وردة أو فراش تقوم بتطريزها على المفرش كان الولد الصغير يندهش من هذا العمل، ويعتقد أن أمه ساحرة تقوم بالرسم ثم تحقق ذلك على المفرش.
بيكار يعزف على ألة البزق
طفل لم يبلغ العشر أعوام، يجد في منزله عود، لم يقم أحد من الأسرة بالعزف عليه، فضول الطفل في المعرفة، جذبه نحو العود، يداعب أوتاره ليخرج الأنغام، ومن ثم علم نفسه بنفسه العزف على العود تدريجيًا، وأصبح ظاهرة يتحاكى بها أهل الحي على أنه يعزف ويغني الأغاني والطقاطيق، للدرجة التي جعلت الناس تطلب منه أن يعلمها العزف.
في يوم عرضت عليه إحدى الجارات أن يعلمها فن العزف مقابل ريـال شهريّا، وبالفعل كان أول ريـال يتقاضاه ذهب مسرعًا لشراء علبة ألوان زيتية وكانت البداية العملاقة بتلك العلبة، حيث بدأ في رسم المناظر الطبيعية من سويسرًا وكانت منقولة، والبيوت المائلة والزهور والأشجار المنعكسة على البحيرات، وقبل حصوله على الشهادة الابتدائية توفي والده، وبعد حصوله عليها هاجر مع والدته وأخته إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا.
بدأ نشاطه الموسيقي بعد تخرجه عام 1933، وكان صديقه عبدالرحيم محمد والد د. جمال عبدالرحيم عميد معهد الكونسيرفتوار سابقًا وزميله ذكي خورشيد وكونوا فرقة موسيقية، وكان بيكار مغني الفرقة.
أعجب بيكار بآلة البزق، وأخرج منها نغمات جديدة، أمتعت من يسمعها، وآلة البزق هي آلة شرقية وبالتحديد هي آلة كردية، لا تختلف كثيرًا عن آلة الطنبورة سوى فروقات صغيرة وبسيطة، مثلاً شكل القصعة "الكود"، فالطنبورة قصعتها محدبة على شكل ظهر السمكة أما البزق فشكل قصعتها "الكود" تأخذ شيئًا من التسطيح ومن ناحية الوجه فوجه البزق أعرض من وجه الطنبورة وطولها أقصر من الطنبورة أما الزند فهي أقصر من الطنبورة الكردية بنحو" 5- 6"سم ومعروف أنه كلما كبر حجم القصعة "الكود"زاد طول الزند ولها قياسات محددة أما البجق "حامل مفاتيح الأوتار" فالطنبورة مكونة من الخشب ومنحنية لكن البزق مفاتيحها معدنية ولها وتران مزدوجان ودو زانها "دو – صول" ويمكن إضافة وتر ثالث مزدوج وهو "فا" فيصبح " دو- فا – صول"، وهذا يعود إلى العازف ورغبته، وقد أخرج منها نغمات جديدة مبتكرة، وأتحف الجمهور بالتقاسيم على آلة البزق في مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة عام 1922.
بدايات الرسم ورحلة الألوان
كان مقررًا على طلبة المرحلة الابتدائية، كتاب بعنوان "القراءة الرشيدة"، أعجب بيكار بالكتاب، ومن خلاله أحب الرسم، كان يلون ويشف وينقل الرسوم، كان يسير الطفل في اتجاهين الموسيقى والفن، درس في مدرسة الفنون الجميلة على أيدي أساتذة أجانب، حيث الرسم بالزيت، واكتشف أستاذه أحمد صبري براعته وحبه لفن البورتريه، ومن هنا توطدت علاقتهما معا وأصبح البورتريه نقطة التقاء بينهما وزاد تأكيدها بعدما أصبح بيكار أستاذًا مساعدًا لأستاذه أحمد صبري، وكان بيكار يتردد كثيرًا على أستاذه أحمد صبري في بيته، وقد شرع الفنان أحمد صبري في رسم بورتريه لبيكار في 10 جلسات مع العود الذي اشتراه خصيصًا لذلك، ويقول بيكار: "كنت أغني له وأغني معه أثناء رسمي، كنت "موديل" وتلميذًا ومنه تعلمت كيف يكون فن البورتريه وتعلمت فقه التصوير، تفوق بيكار وكان أول دفعته عام 1933 بكلية الفنون الجميلة قسم تصوير.
مرت رحلته في عالم الألوان بمراحل متباينة، ففي أحد أعمال البورتريه، نجد تصرف النسب الطبيعية للعناصر اقترب بحذر إلى المدرسة السريالية، أما في أعماله "المناظر الطبيعية" اهتمام بالجمال الزخرفي تارة، وبالبناء المعماري للوحة تارة أخرى، وتعطي لمسات الفرشة في أعماله التأثيرية، تحليًا لانعكاس الضوء على عناصر مختلفة، كما أن هناك رغبة في التعبير عن مكامن العقل الباطن في لوحات البناء المعماري، كما تظهر بعض أعماله كأنها مشروع لعمل من أعمال النحت. 
كتب الأطفال
حمل على عاتقه، الاهتمام بالأطفال، وجذب جمهور جديد متذوق للفن، وعمل على سد الفراغ الموجودة في الكتب التي تخاطب الأطفال.
كانت مجلة السندباد تصدر كل خميس ومع العدد هدية للأولاد، وكان رئيس تحريرها محمد سعيد العريان، وقال بيكار عنه إنه صاحب فكرة صدور المجلة للأولاد.
وتميز بيكار بنوع جديد من الأدب وهو أدب الرحلات أي كان يسافر حول بلاد العالم حاملا قلمه وفرشاته يسجل ويعبر عن انطباعه عن كل بلد قام بزيارتها، ولذلك لقب بيكار بالسندباد الصحفي، كما أخرج بيكار العديد من أغلفة الكتب، وأضاف للكتاب متعة جديدة من خلال رسوماته والقصص المصورة.
بيكار والصحافة 
اشتغل بيكار في أخبار اليوم، وكان يشغله ضرورة وصول الفن إلى الجمهور، أخذه العمل بالصحافة عن تقديم أعمال فنية، حيث كان يقيم معارض كل فترة، ثم تواصل مع جمهور جديد عمل على أن يتذوق الفن، حيث وكان هناك عمل مهم قام به بيكار وهو رسم معبد أبوسمبل بكل ما فيه، وقد طلب منه ذلك مخرج فرنسي لعمل فيلم عن تماثيل أبوسمبل، وقد رسم بيكار ببراعة وبكثرة، كما أنه عمل مدرس رسم بدار المعارف، حتى جاءت وظيفة للعمل بدولة المغرب.
بيكار والرحلة.
سافر في أول بعثة للتدريس إلى بلاد المغرب في مدينة تطوان وكانت منطقة قابعة تحت الاحتلال الإسباني، وهناك كانت له تجربة مهمة وهي رسم لكتابين لكتاب أجانب وعن هذه المرحلة قال بيكار: "في البداية كنت أرسم أغلفة القصص والكتب، ثم دخلت عالم الكيلاني فأخذت أرسم القصة بأكملها، وكنت أفكر في كيفية التعليم من خلال العين، ومن هنا بدأ بيكار في سلسلة كتب "الكتاب العجيب " تأليفه ورسمه، ثم شكل جمعية للرسم، وعقب أعلن الحرب في المغرب، قدم العديد من الأعمال الفنية وسجل مظاهر الحياة قديما وحديثًا مثل" هزة الطوفان، وزلزال أغادير" ثم سافر إلى إسبانيا، وغاص في تاريخها، وسجل مظاهر الجمعة الحزينة هناك، وفتحت له إسبانيا فرصة السفر إلى العديد من الدول الأوروبية، حيث زار فرنسا، وإنجلترا، وبلجيكا، وبرلين، واندلعت الحرب العالمية الثانية عندما كان في برلين، ويسافر بحرًا إلى الجزائر ثم تونس وسوريا، وسجل خلال زيارته لتلك الدول بريشته كل مظاهر الحياة والعادات الشعبية، وغاص في عمق التاريخ، حيث سجل العادات القديمة عند تلك الدول.
العودة والتدريس في كلية الفنون الجميلة
كانت من أجمل الأوقات لديه، عندما عاد ليدرس للطلبة، ويخرج فنانين أصبحوا عمالقة للفن ومؤثرين في الحركة التشكيلية ومنهم من أصبح فنانًا عالميًا مثل جورج بهجوري، ويوسف رمسيس، ووقف بجانبهم وتعلم العديد من الفنانين القيم الجمالية وحب الفن.
توفي عملاق الفن التشكيلي بيكار في نوفمبر لعام 2002 بعد رحلة مليئة بالإبداع الفني والقصصي والأدبي.
https://www.youtube.com/watch?v=FOGA9SmzNx8
https://www.youtube.com/watch?v=A2sdTlKEKd0
https://www.youtube.com/watch?v=paPZ2GflVS4