الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جابر عصفور "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولأن كتاب جابر عصفور الذى توقفنا على عتباته «للتنوير والدولة المدنية» هو كم كبير من مقالات كل منها يستحق الاهتمام، فإننا سنختار من بعض منها بعضا مما أبدع جابر عصفور.
«إن الدولة المدنية كما أعرفها أو أفهمها هى التى تقوم على دستور يضعه البشر عبر ممثليهم تحقيقا لمصالحهم ولغاية تقدمهم، يلازمه قانون بشرى يحقق العدل والمساواة بينهم بلا تمييز، متيحا لهم (مع الدستور) حق الاختلاف وحرية التفكير والتعبير، مشيعا بينهم مناخا من التسامح، ويدعم الحوار المجتمعى المقرون بالحرية فى كل المجالات التى يتقدم بها الوطن ويزدهر. ولا يختلط فى هذه الدولة الدينى بالسياسي، أو يصبح القانون فى خدمة الدين أو السياسة، أو الطائفية أو الثروة، فى موازاة استقلال الجامعة التى وصفها سعد زغلول بأن دينها هو العلم. فإن شيوع طبائع العدل لابد أن تقترن بشيوع لوزامها: أى طبائع التسامح واحترام حق الاختلاف واستقلال القضاء الذى لا يعرف سوى روح القانون المقرونة بالقيم التى تؤكد الدستور» (ص٣٤٩).
«من سلبيات الثقافة العربية المعاصرة، الأصولية الشائعة بين طوائف تزعم البعد عنها، وتدعو فى الظاهر إلى الحوار بين الأطراف المتكافئة مع أنها فى واقع الأمر تقوم بكل ما ينقض ذلك على مستوى الممارسة الفعلية، فتبدو المسافة بين الظاهر المعلن والواقع الممارس بعيدة بعد المسافة بين الأنظمة السياسية التى تتحدث أجهزتها الإعلامية عن الديمقراطية والتعددية والواقع الفعلى أنها مجرد كلمات تقال على سبيل الاستهلاك الإعلامى «(ص١٨٥).
«الأصولية نزعة عقلية جامدة، وموقف فكرى متصلب فى كل مجال يتصل به، وآلية نفسية دفاعية تبرر انغلاق الذات على نفسها وانطواءها على سوء ظن ثابت بالعالم المتغير حولها، ولذلك فهى نزوع عدوانى يخفى دوافعه الأصلية بالهجوم على كل ما يرى فيه تهديدا للقيم التى ينطوى عليها المدار المغلق للذات التى ترفض التغيير وتخاف منه» (ص١٨٦).
«وأصولية الفكر هى التمسك الحرفى بتأويل جامد أو وحيد للأصول التى يحيلها التعصب إلى «دوجما» لا تعرف المرونة، وينتهى بها التطرف إلى آراء متصلبة لا تقبل النقد أو المراجعة أو المساءلة. «وفى الدين» أصبحت قرينة كل فكر يحيل النصوص أو الآراء البشرية إلى أصول ثابتة جامدة متصلبة لا تعرف المرونة ولا تراعى المتغيرات فى الواقع المتحول الذى يحيط بها. ويقترن ذلك بأمرين هما: وهم احتكار المعرفة وأن ما ينطقه الأصولى هو الحق، والثانى هو الفعل المترتب على ذلك بلجوئه إلى القمع المباشر وغير المباشر» (ص١٨٦).
«عندما نتحدث عن التمييز نقول «التمييز هو العملية القمعية التى يعامل بها إنسان غيره بطريقة تقلل من احترامه وتحقر من شأنه، سواء كان مسيحيا باحتقار ديانته وحقوقه، أو مسلما يختلف مع هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية فيعتبرونه كافرا أو منحرفا متسما بالزيغ والضلالة فى أفضل الأحوال «(ص١٤١).
«يبدأ التخلف فى الخطاب الدينى بالخلط بين الثانوى والأساسى من النصوص، ساجنا نفسه فى المدار المغلق للتقليد الذى هو اتباع سلبى لما سبق أن ذهب إليه فقهاء العصور القديمة، خصوصا العصور التى ظلت معادية للنزعات العقلانية رافعة شعارات من قبيل «من تمنطق تزندق» و«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار»، وهى عصور شاعت فيها تهم الكفر التى نالت من المخالفين فى الاجتهاد أو الخارجين على الإجماع، وهو ما ورثته بعض التيارات الدينية المعاصرة بالمسارعة إلى الاتهام بالتكفير فى أحوال الاختلاف، ورفض الاجتهاد الفردى الذى يوصم بالخروج على الثابت المعلوم بالضرورة من الدين».
ولم يزل فى جعبة جابر عصفور المزيد والمزيد من الاستنارة الشجاعة، فلنواصل.