الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حاميها متحرّش بيها

التحرش
التحرش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن صادمًا لها التحرش ولكنه المتحرش، فقد اعتادت التعرض للسخافات اليومية التي تنتهك عرضها وكرامتها وحريتها، للأسف "اعتادت" كما هو الحال لكل نساء مصر بلا استثناء بعد أن أصبح التحرش منذ العشر سنوات الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع "مبارك" أسلوب حياة في شوارع المحروسة وجزء لا يتجزأ من الروتين اليومي لسيدات مصر، وليس من الضروري أن يكون التحرش جسديا فإن التحرش اللفظي أحيانًا ينتهك المرأة ويؤذيها اكثر من لمس جسدها، فمجرد الكلام والألفاظ كفيل بأن يدمرها معنويا ويشعرها بالإهانة الشديدة، وما بالك وأن يحدث ذلك من الشخص المخول بحمايتها، ولعل قصة الفتاة التي تحرش بها أمين الشرطة على باب الكنيسة هي واحدة من قصص كثيرة سخيفة ووقائع مؤسفة تتعرض فيها السيدات للتحرش من رجال وأفراد المؤسسة الأمنية، فقد دخلت الفتاة الكنسية وهي ترى أمين الشرطة يجلس بالخارج ومعه أشخاص يرتدون زيا مدنيا، وفي وسط أجواء الأرهاب السائدة يشعر المسيحيين ببعض الاطمئنان عندما يشاهدون الأمن يحرس كنائسهم وهو ما يجعلهم يتوافدون عليها بأمان تام، وبعد الصلاة خرجت من الكنيسة وهمت بالذهاب لسيارتها لتسمع تحرشا لفظيا من أمين الشرطة وهو يجلس على كرسيه الموجود بجانب الباب، دخلت الكنيسة تشتكي، ردوا عليها "ده حكومة" خرجت يمزقها الغضب والغيظ وذهبت إليه تصوره في رد فعل يائس لعلها تستطيع أن تأخذ حقها منه، وكتبت ما حدث مع نشر صورة المتحرش على صفحتها الخاصة بموقع الفيس بوك، وبعد تداول الصورة والأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها للصحف والقنوات الفضائية، أعلنت الداخلية أنها تحقق مع أمين الشرطة المتحرش.
الفتاة كتبت ما حدث لها علي "الفيس بوك"، وتم تداوله وتحركت الداخلية، ولكن يوجد فتيات ونساء أخريات يتعرضن لمثل هذه الواقعة من رجال الشرطة، ولكنهم ليس عندهم فيس بوك، أو لا يملكون جرأة هذه الفتاة في نشر ما يتعرضن له على الملأ لأن المجتمع ما زال مغلقا لا يتقبل حديث الأنثى عن ذلك حتى لو كانت هي الضحية.
كما أنه يلومها أصلا ويتهمها بأنها سبب ما حدث لها، لم تكن هذه هي الحالة الأولى أو الوحيدة، فقد اعتادت الفتيات والنساء الآن التحرش من رجال الشرطة، وخاصة من يرتدون الزي الميري، فقد أصبح معروفا للجميع ما يحدث من ضباط وأمناء بعض النقاط المرورية والأكمنة الثابتة، من مضايقات تجاه السيدات اللاتي يقودن السيارات، وهي شكوى تكررت كثيرا حتى أصبحت أي فتاة أو سيدة تقود سيارة تتوقع يوميا ما قد يحدث لها عندما تمر على كمين وخاصة لو في المساء أو في ساعة متأخرة من الليل، وأصبح ثابتا لدى الجميع أن الكمين الذي يقف لرصد المخالفين والمشتبه بهم من الممكن أن يجعل جميع السيارات تمر باستثناء سيارات السيدات، يستوقف السيارة التي تقودها سيدة "شكلها يعجب سيادته"، ويسأل عن الرخص، ويطلب منها الترجل من سيارتها لتفتيشها، ويقوم الضابط بفتح حوار معها "أي حوار"، وإذا انزعجت وردت بامتعاض وأغلقت باب الود، وبدا له أنها ترفض ذلك تفنن في مضايقاتها وإهانتها وتعطيلها، وطبعا العكس صحيح في حالة الاستجابة، فقد حكت لي سيدة أنها تعرضت لموقف شديد السخف من أحد الضباط في طريق عودتها من الساحل الشمالي للقاهرة منذ شهر تقريبا، وكان ذلك في مدخل القاهرة عندما وجدت كمينا للشرطة ولاحظت أنه لا يستوقف أي سيارة، وتمنت أن يكون الضابط أو القوة التي تقف في الكمين، بها شخص محترم وغير متحرش لا يضايقها وهي بمفردها، ولكن للأسف بمجرد أن دخلت دورها في طابور السيارات استوقفها أمين الشرطة، وجاء إليها الضابط "نقيب" كان يجلس علي كرسي في مكان ليس بعيدًا عن الطريق، وطلب منها الرخص ووجه لها أسئلة من نوعية "جاية منين ورايحة فين، وليه لوحدك" إجابته عن الأسئلة حتى تتخلص منه، ولكنه لم يكتفِ بذلك، ورغم أن الرخص سارية إلا أنه طلب منها أن "تركن على جنب" وتخرج من السيارة، ولكنها كانت قد طفح كيلها من هذه الممارسات فرفضت أن تخرج من السيارة، وطلبت منه أن يعيد لها الرخص، وتركها ترحل في سلام، وطبعًا شعر الضابط الصغير بالإهانة، وأوجعه رفضها رغم النجوم الثلاث التي تلمع علي كتفه، فهو يعلم جيدًا أنه دونها لا يساوي شيئا، رغم أن ذلك غير حقيقي ولكن مع الأسف فإن غالبية شباب الضباط لديهم هذه القناعة الراسخة في إذهانهم.
ولعل ذلك السبب الأول في كل المشاكل التي يتسبب فيها هؤلاء، فتح الضابط باب السيارة بعصبية وأخرجها بالعافية منها، وطلب من أمين شرطة كان يقف بالقرب منه أن يقود السيارة ويضعها على جنب، ثم يعود للكمين لتفحص باقي السيارات، أمر المخبرين والعساكر على حد قولها بتفتيش السيارة جيدًا، وطلب منها بطاقتها الشخصية فقالت له: "إنت بتعمل كدا ليه؟ إنت بتمشي كل العربيات ما عدا أنا؟!".
رد: "أنا حر"!! ونظر إليها وتفحصها بعينه ثم قال: "وإيه اللي إنتي لابساه ده في ست محترمة تلبس كدا؟!".
وكانت ترتدي جيب قصير وتيشرت، فقالت له: "أنا حرة، وده مش من حقك وبعدين أنا قلتلك إني راجعة من مصيف".
ولم يكتفِ أيضا وقال لها: "على فكرة ممكن دلوقتي أعمل محضر بلفة حشيش في عربيتك، بس أنا ح طلع ابن ناس ومش ح عملها معاكي".
وبعد أن استوقفها قرابة الساعة بجانبه، مع واصل من الكلام والعبارات "السخيفة والمهينة"، أفرج عنها وجعلها تنصرف بعد أن أكد لها أن رقم سيارتها معه، وأنه قادر على فعل أي شيء، ولكنها لم تنصرف إلا بعد أن قالت له: "ربنا يكتر من أمثالك يا باشا".
لم تكن هذه الواقعة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فإن هذه الحكايات تتكرر يوميا تقريبا، أسمعها دائما من السيدات والفتيات، وطبعا هذا سبب رئيسي أيضًا لعدم ذهاب السيدات للإبلاغ عن حالات التحرش التي تتعرض لها في الشارع، لأنه كما علمت من الكثيرات أنه عندما تدخل قسم الشرطة للإبلاغ عن ما تعرضت له، تقابل بوصلة سخرية وألفاظ بذيئة من الأمناء والضباط على السواء، وأسئلة مثل "مسكك منين وحط إيده فين بالظبط، ولبسك يا آنسة السبب ده، أنا لو مكانه أعمل أكتر من كدا".
وطبعًا الداخلية ترد بالرد الأبدي: "أفعال فردية"، ويبدو أن هذه العبارة سبب أساسي لكل تجاوزات رجال الشرطة، فإن المجتمع كله يتكون من أفراد، ومجموعات الأفراد هذه تشكل المؤسسة أو المجموعة، ومن ثم تشكل الوطن، وبعد كل هذه التجاوزات الفردية على حد قول مؤسسة الشرطة والتي يقوم بها أفرادها تصبح المؤسسة كلها هي المخطئة، ليس بأفرادها فقط بل بفكرها وعقلية قيادتها الذين كانوا يوما شبابها تجاوزتهم أيضًا مجرد "أفعال فردية".
هذه القيادات تلقن الدروس والخبرات لرجال الشرطة وأفرادها والتي على رأسها "افعل ما تريد نحن أسياد الشعب"، ومن هنا يشعر صغار الضباط ومن لديهم السلطة الأقل "الأمناء" أنهم فوق البشر؛ ولذلك فإن كل المصائب التي تجر المشاكل على الداخلية تأتي من شباب الضباط ذوات الرتب القليلة وأمناء الشرطة، وطبعًا النساء هم الفصيل الأضعف من وجهة نظرهم في هذا المجتمع وله الحق في فعل أي شيء معهن وخاصة، وأنهم يتصورون أنه "لازم ولابد" أن تنبهر الفتاة بالزي الميرى، وتفخر بأنها عجبت الباشا، وعندما ترفض يجن جنونه ويصبح حاميها هو المتحرش بيها.