الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في بيت عصفور من الشرق (١-٢)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كيف عاش مع مثل هذه الزوجة؟
بل كيف عاشت الزوجة مع توفيق الحكيم هذا؟
وكيف سارت الحياة الزوجية بين زوجة عاقلة لكنها بلا تجارب فى الحياة.. مع فنان بوهيمى لم يتعود على رقيب يحسب خطواته.. ولا على وجود إنسان يشاركه حياته.. هو الذى عاش حياة الحرية التى كانت وقود إبداعاته؟
قال توفيق الحكيم: وبدأت الحياة الزوجية وبدأ معها الحنين إلى حياة العزوبة والحرية التى اعتدتها دائما.. رغم أنها -زوجتي- حفظت لى حريتى المطلقة.. فلم تتذمر بكلمة أو إشارة.. وعندما كنت أعود إلى المنزل قرب الفجر.. أو أدخل حجرتى الخاصة أغلقها على نفسى وأكتب .. كانت توفر لى الهدوء التام.
وحدث ذات يوم أنها كانت تمر فى سيارة «تاكسي» أمام مطعم.. فرأتنى خلف النافذة المفتوحة أجلس إلى مائدة مع شابة شقراء أجنبية دعوتها إلى الغداء.. فعادت بالسيارة إلى شقيقها.. وطلبت منه أن يذهب معها لتريه منظرا يجب أن يراه!
وركب معها شقيقها أرته منظرى مع الشقراء.
فقال لها: وماذا فى هذا؟ أنسيت أن زوجك فنان.. حاذرى أن تتكلمى فى شىء كهذا!
وبالفعل سكتت.. سكتت أكثر من عشر سنوات كبر فيها أولادنا.. واستشهد شقيقها فى حرب فلسطين عام١٩٤٨.
ذات يوم قالت لى وهى تبتسم: ما هى الآن أخبار الشابة الشقراء؟
وكنت قد نسيت ذلك.. وتلك الشقراء التى كانت مستشرقة أو صحفية أو شيئا من هذا القبيل.. وعجبت أنها كتمت ذلك فى نفسها طوال تلك السنوات.
لكنى لا أنسى لها موقفها يوم تعرضت أنا لهجوم عنيف فى الصحف.. وكان التليفون يدق باستمرار.. من معارفها يسألون عن أخبارى.. وهى تتظاهر بعدم الاهتمام.. لكنها كانت تأتى بهذه الصحف وتقرأ ما فيها من هجوم وشتائم ثم تخفيها عنى.. حتى لا تزعجنى!
وكان الرئيس جمال عبدالناصر هو الذى انفعل وغضب وعجب كيف يهاجمون كاتبا مثلى لا يستحق هذا الهجوم.. وأبدى رأيه بأن قلدنى أكبر وسام فى الدولة!
لهذا.. سكتت الحملة ضدى!
بل أقبل مدبروها يهنئوننى!
وعندما تحدد موعد مقابلتى مع عبدالناصر لتسلم الوسام قالت لى زوجتى وهى توصلنى إلى الباب مع الشكر للرئيس.. إياك أن تنحنى له!
فتذكرت ذلك ونفذته عندما قابلته.
ومع ذلك بعد أن مات عبدالناصر وسمعت أنى كتبت «عودة الوعي».. وقيل إنه هجوم عليه.. وكانت هى على فراش المرض.. همست لى بصوت ضعيف لا أكاد أسمعه.. تعبر عن استنكارها لما كتبت!
ولم تكن فى حالة أشرح لها فيها السبب.. وهو تمزقى بين الوفاء والوطنية. عدم احتمالى أن أرى فى مجلس نوابنا رقصا ونحن فى كارثة الهزيمة!
ويكشف الحكيم أى حياة صعبة عاشتها زوجته وعياله أيضا مع رجل فنان مثله.. لكن أفكاره العائلية جامدة حادة!
فيقول: ولم تكن حياتى الزوجية لها ميسرة.. فأنا زوج من طراز أزواج القرن التاسع عشر.. لا اختلاط.. لا خروج لزوجات معى.. وأكثر وقتى وحدى فى حجرتى الخاصة مع كتبى وأوراقى.
كان أصدقائى يتراهنون على أنى لن أمكث فى الزوجية غير شهور قليلة.. ثم أتخلص منها وأؤلف كتابا بعنوان «هكذا تزوجت»! وربما جال ذلك بخاطرى فعلا! لكن زوجتى لم تعطنى هذه الفرصة!
ولم ترتكب الخطأ الذى يبرر هذا الإجراء.. ولذلك مرت الأعوام والزوجية باقية.. ومستمرة فى طريقها الطبيعى.
كانت تحدث بالطبع خلافات عائلية من وقت لآخر.. ولكن الزوجة العاقلة كانت تحلها بهدوء.. ولا تحشر أحدا من أهلها فيها.. وتحرص على أن تخفيها عن الجميع.
ولم يحدث يوما أن تركت بيت الزوجية غاضبة ولو لساعة واحدة!
وقد حدث مرة أن غضبت أنا.. أخذت حقيبتى لأخرج وأقيم فى فندق.. لكنها جرت خلفى وأخذت منى الحقيبة.. وأعادت لى هدوئى!
وفى اعتراف جميل صادق يروى كيف صنعت هذه الزوجة الرائعة حبا من نوع خاص يربطه بها.. وهو الذى لم يعترف علنا أبدا بالحب العميق الذى كان يربطه بزوجته.
يقول الحكيم: وضعت زوجتى تقليدا سرنا عليه سنوات حتى رقدت مريضة.. وهو أن توصلنى إلى باب الخروج عند مغادرتى المنزل كل صباح بقبلة!
عندما يتصادف خروجى فجأة بدون هذا الإجراء. كانت تتصل بى بالتليفون.. لنحقق هذا التقليد اليومى تليفونيا!
لم يكن زواجنا عن حب.. ولم تسمع منى أبدا كلمة حب.. وكانت تعرف ذلك.. وكان هذا هو الشيء الوحيد الذى يسخطنى على هذا الزواج.. وكنت أشكو إلى ربى قائلا: لماذا يا ربى وأنا الذى أكتب كثيرا عن الحب تجعلنى أتزوج عن غير حب؟ إلى أن وصلت إلى الاقتراب من حكمة الله.
وقرأت الآية التى تقول: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا. لتسكنوا إليها. وجعل بينكم مودة ورحمة. إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون». «صدق الله العظيم».
حقا إن الذى بيننا هو «المودة والرحمة» والله تعالى لم يقل «وجعل بينكم الحب والهيام».. لماذا؟ لأن الحب والهيام هو الزائل.. وكم من زواج بنى على الحب والغرام.. فتغير واشتكى الطرفان.. أو على الأقل الزوجة.. من أن العاطفة المتأججة أيام الخطبة أو شهر العسل قد هدأت. ولو تأملا حكمة الله.. لأدركا أن العاطفة لم تنطفئ.. ولكنها تحولت إلى العاطفة الأبقى والأثبت.. وهى «المودة والرحمة».. ولإدراكى لحكمة الله فى هذه الآية.. وأنه اختار لى فى هذه الزوجة الهادئة العاطفة الباقية الثابتة التى ذكرها فى قرآنه الكريم.. فقد هدأت نفسى.. واستقبلت بالرضا حياتى هذه «الزوجية المبنية على حكمة الله»! وأخذت أرى أن الله قد حبانى باختياره هو لى هذه الزوجة الملائمة.
وفى الإسبوع القادم نكمل.