الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

المسلم بين الإيمان الحق.. والتأسلم (28)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونمضي مع جماعة الإخوان التي استندت بالطبع إلى أفكار ورؤى حسن البنا. والتي عبر عنها صراحة في كتابات عدة ونقرأ “,”كنت متألماً أشد الألم، فها أنا ذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالي العزيز الذي ورثته وحمته وألفته وعاشت به وأعتز بها أربعة عشر قرنا كاملة، وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح والمجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة من المال والجاه والمظهر والمتعة والقوة ووسائل الدعاية“,” [حسن البنا – مذكرات الدعوة والداعية – صـ15] * وفي كتابة أخرى نقرأ “,”إن الأمة مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق والإلحاد، ما يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها في ناحيتها الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتململ من الفضائل الإنسانية التي ورثتها من الغُرّ الميامين من أسلافها، إن التقليد للغرب يسري في مناحي حياتها سريان لعاب الأفاعي فيسمم دماءها ويعكر صفو صفائها. بالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالماً ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية.. وهكذا تخرج الأمة من صفوف المجاهدين إلى صفوف اللاهين اللاعبين“,” [حسن البنا – دعوتنا] ونتوقف أمام ألفاظ مثل المروق – الإلحاد – الإباحية – التقليد للغرب. رفض القوانين الوضعية.. لنكتشف أن كل ما يردده متطرفو اليوم من السلفيين المتأسلمين قد استقوه من بئر كتابات الأستاذ البنا. ثم نقرأ “,”أيها الإخوان المسلمون، بل يا أيها الناس أجمعون من الحق أن نعترف بأن موجه قوية جارفة وتياراً شديداً دفاقاً قد طغى على العقول والأفكار في غفلة من الزمن، وفى غرور من أمم الإسلام ظهرت نظم وفلسفات وتأسست حضارات ومدنيات نافست فكرة الإسلام في نفوس أبنائها ودخلت بلداتهم وبيوتهم ومخادعهم. فنشأ في كل الأمم الإسلامية جيل مخضرم إلى غير الإسلام أقرب، تصدر في تصريف أمورها، واحتل مكان الزعامة الفكرية والروحية والسياسية والتنفيذية، فدفع بالشعوب مغافلة لها إلى ما يريد وهي لا تدري ما يراد بها“,” [حسن البنا – مجموعة رسائل الإمام الشهيد – رسالة تحت راية القرآن – صـ95] ويهاجم حسن البنا بعنف شديد الجامعة المصرية والتي كانت في ذلك الحين طاقة الضوء الأساسية للمثقفين المصريين فيقول إنها “,”قامت بثورة على الدين، وهي تتسم بالتوجه العلماني والاندفاع نحو التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافيره“,”. واتهم أساتذتها وطلابها “,”بالتحلل والانطلاق بعيداً عن كل القيود، كما ظهرت كتب وجرائد ومجلات كل ما فيها ينضح بالدعوة للتحرر الذي لا هدف له إلا إضعاف أثر الدين أو القضاء عليه في نفوس الشعب، لينعم في زعم الكتاب والمؤلفين بالحرية الحقيقية فكرياً وعملياً“,” [مذكرات الدعوة والداعية – المرجع السابق صـ49 ].
وامتداداً لهذا الفكر كتب الكثيرون من الإخوان في الاتجاه ذاته، ووصل الأمر إلى شن حملات فكرية على قادة الحركة الوطنية المصرية لأنهم اتجهوا بمصر نحو الاستقلال، فيهاجم أحدهم مصطفى كامل، ومحمد فريد، “,”لأن حركتهما كانت متجهه إلى كسب الاستقلال [وكأن في ذلك عيبا] وليس للعمل على رد الناس إلى أصول دينهم “,”.
* يجب عند الرجوع الى كتابات البنا الأولى وبخاصة “,”مذكرات الدعوة والداعية“,” أن نضع في الاعتبار أن هناك اختلافا كبيرا بين الطبعات فمع كل طبعة جديدة شطب الطابعون من الإخوان العبارات التي لا تفيد صاحبها مع تغير الزمان فمثلاً جرى شطب كل عبارات التملق والولاء لكل من الملك فؤاد ثم الملك فاروق وغيرها من عبارات تمثل عثرات للشيخ البنا .
وعلى ثورة 1919 “,”لأنها جاءت لتعترف في انهزامية فكرية بسياسة الأمر الواقع من حيث النظام السياسي والاستسلام لجحافل الغزو الفكري والخلقي“,” [راجع على سبيل المثال – عبد المتعال الجابرى – لماذا اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا – صـ14 ].
والمثير للدهشة هو أن البنا ورجاله لم يهتموا على الإطلاق بتثقيف رجال الإخوان. فحسن البنا كما قال مؤرخ الجماعة محمود عبد الحليم سئل من إخوانه وعارفي فضله لماذا لا يؤلف كتاباً في التفسير أو الفقه وألحوا عليه في ذلك، لكنه كان يقول: “,”دعوني من تأليف الكتب فالمكتبة الإسلامية متخمة بالمؤلفات، ومع ذلك فإنها لم تفد المسلمين بشيء حين قعدت هممهم وثبطت عزائهم وركنوا إلى الدعة والخمول والوقت الذي أضيعه [لاحظ لفظ أضيعه] في تأليف كتاب أستغله في تأليف مائة شاب مسلم يصير كل منهم كتاباً حياً ناطقاً أرمي به بلداً من البلاد فيؤلفها كما ألف هو“,” [محمود عبد الحليم- الإخوان المسلمين، أحداث صنعت التاريخ – رؤية من الداخل – الجزء الثاني – صـ345] ونمضي مع، محمود عبد الحليم، لنقرأ “,”كانت الأجيال التالية مباشرة للرسول أحسن منا حالاً وأقرب إلى الدين منا ومع ذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إن القرآن أُنزل إليهم ليعملوا به فاتخذوا من دراسته عملاً. وإن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفاً وقد أسقط العمل به“,” [المرجع السابق – صـ5]، وفي كتابه “,”رسالة التعاليم“,” يحدد حسن البنا واجبات الأخ المجاهد وعددها 38 واجباً، ولا يورد فيها التعمق في دراسة التفسير أو الفقه وإنما الواجب 25 يقول “,”إن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، كذلك الأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة“,”، وفى البند 37 يأمر العضو بـ“,”أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك“,” [حسن البنا – رسالة التعاليم – صـ12] ويسير المفكرون الإخوانيون على درب أستاذهم فالدكتور، علي جريشة، يقول “,”ولا خلاف في جهاد من منع بعض شريعة الله، وأولى به من منع كل الشريعة والقعود عن الجهاد تهلكة نهى الله عنها“,” [د. علي جريشة- أصول الشريعة الإسلامية – صـ49]. وكذلك الأستاذ، عبد القادر عودة، الذي قال بتكفير كل قائل بالقانون الوضعي. والغريب أنه ظل وحتى آخر أيام حياته محامياً مرموقاً مترافعاً على أساس القوانين الوضعية. ونقرأ له “,”ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر بالامتناع في عصرنا الحالي الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً منها“,” [عبد القادر عودة-التشريع الإسلامي الجنائي – الجزء الثاني – صـ710] ويقول “,”فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعاً [المرجع السابق – صـ709].. * وعلى هذا الدرب لم يزل كثيرون يسيرون، وتزعم جماعة الإخوان لأسباب سياسية صرفة رفضها لهم. دون أن تتجاسر على نقد حرف واحد مما كتبه حسن البنا. بل هي ملتزمة بكل ما قاله الإمام البنا.. وإنما تتستر حتى تتمكن، هذا عن الفكر فماذا عن الأفعال.. وبخاصة الموقف من الإرهاب .

* على رغم اختلافي مع أفكار الأستاذ، عبد القادر عودة، إلا أنني لا أستطيع أن أكتم شهادتي لشجاعته وصلابته لحظة اقتياده لإعدامه. ففي سجن الاستئناف وعندما ساد الصمت وارتفعت الراية السوداء معلنة بدء إعدام سجناء.. تعلقت على أكتاف أحد زملائي في الزنزانة ونظرت عبر شبكة القضبان التي تعلو الباب ومر أمام عيني أربعة من الإخوان في طريقهم إلى المشنقة.. محمود عبد اللطيف وكان يتساند بصعوبة بين يدي السجانة. ويوسف طلعت، وكان ضخماً يسحبونه ككيس ثقيل لا تقوى أقدامه على حمله. أما هنداوي دوير ،فكان يصرخ باكيا “,”إحنا ما اتفقناش على كده“,”. أما عبد القادر عودة فكان رجلاً صلباً يسير مرفوع الرأس هاتفا. ولست أبالى حين أُقتل مسلماً.. على أي جنب كان في الله مصرعي.. إنها شهادة حق