الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

العالم يأكل نفسه.. مصير بشار المراوغ

بشار الأسد
بشار الأسد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المشهد الأول 
أطفال صغار دخلوا مدرستهم في « درعا»... تفصلهم عن ثورة يناير التي أسقطت حسنى مبارك أيام قليلة، كان الحماس لا يزال يدب في عروقهم بفعل ما شاهدوه على الشاشات، شعب يهتف ضد رئيسه فيسقط، كتب بعضهم «الشعب يريد إسقاط النظام». 
قبل أن يعودوا إلى بيوتهم ليمارسوا تفاصيلهم الصغيرة، وجدوا أنفسهم معتقلين، يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، ولأنهم لم يتحملوا ما تعرضوا له، مات بعضهم غدرا، تسلمهم أهلهم، وقبل الدفن، اكتشفوا أن تعذيبهم وصل إلى مرحلة تقطيع أصابعهم، فالنظام لا يسمح لأحد أن يكتب مطالبات بسقوطه، ومن يفعلها، فليس أقل من أن تقطع يده. 
حرص النظام على أن يرسل مندوبين عنه ليقدم واجب العزاء فيمن قتلهم، شباب درعا رفض العزاء، تظاهروا ضد النظام، فلم يكن من قوات الأمن الموجودة إلا أن فتحت النار على الشباب الغاضب، فتحولوا في لحظات إلى قتلى. 
قبل أن ينطلق الرصاص كان يمكن أن ينتهى كل شيء، أهالي الأطفال كانوا على استعداد أن يقبلوا عزاء النظام وينتهى الأمر، لكن بقعة الدم الصغيرة التي سالت من أطفالهم تحولت إلى بحر، فبدأت الثورة.. وبدأت الحرب. 
المشهد الثانى
التليفزيون السورى يعلن عن وفاة الرئيس حافظ الأسد، في ١٠ يونيو ٢٠٠٠، وبعد دقائق ينعقد البرلمان على الفور، ليغير الدستور حتى يتمكن بشار الأسد من أن يخلف والده، تواطأ الجميع حتى يصعد الطبيب الشاب إلى كرسى العرش، مر الأمر بهدوء، وابتلع من غضبوا غضبهم، فقد كانت هذه أول جمهورية ملكية في المنطقة، الرئيس الأب يموت، فيتغير الدستور من أن أجل أن يخلفه ولده. 
المشهد الثالث 
يتحدث بشار الأسد في حديث تليفزيونى مطول مع إحدى الفضائيات الغربية، اختار أن يكون حواره مطولا عن الأحداث التي تراها بلاده، والتي لم تخرج أخبارها عن قتل وتشريد أهالي سوريا، كان ما يقوله كذبا واضحا وصريحا، انقسمت الشاشة إلى نصفين، نصف يتحدث فيه بشار عن حقوق شعبه وعمله من أجل حمايته، والجزء الثانى يعرض فيديوهات لعمليات يتم فيها التنكيل بالسوريين، قتل وسحل وتشريد وتعذيب، وكأنهم أرادوا أن يردوا عليه بطريقة عملية. 
المشهد الرابع
الرئيس الشاب بشار الأسد يجلس إلى جوار الحكام العرب في أول اجتماع قمة عربية يعقد بعد وصوله إلى الحكم في بلاده، شاب وسيم واثق من نفسه، وعندما تحدث كان بليغا، ومتحمسا، تكلم وكأنه قائد وزعيم عربى كبير، تحدى الجميع وأعلن أنه سيقف خلف القضايا العربية الكبرى، غمز ولمز في مواقف الحكام العرب، شعر الشباب الذين يسمعونه، أنهم أمام رئيس عربى يقترب من عمرهم، وسيفتح الله على يديه عصرا جديدا، يكون عنوانه كرامة الحكام العرب وشعوبهم. 
المشهد الخامس
الطيران الإسرائيلى يضرب أهدافًا داخل سوريا، ويحلق فوق قصر الرئاسة، ينتظر الشباب العربى المتيم ببشار الأسد، والعاقد عليه آمالا عريضة، رد الفعل العنيف الذي توعد به الرئيس الشاب كل من تسول له نفسه أن يهاجم الأرض العربية، فإذا به يخرج عن صمته قائلا، إنه يحتفظ بحق الرد على العدوان الإسرائيلى، وفى الوقت المناسب، ومرت كل الأوقات دون أن يأتى هذا الوقت المناسب أبدا. 
■ ■ ■
ما الذي ربحته سوريا من بشار الأسد؟ 
أغلب الظن أنها لم تربح شيئا على الإطلاق، لكن للأسف الشديد وضعتنا الظروف أمام رغبة في أن يبقى رغم كل ما لحق بأرضه، تجمع عليه خصومه الذين نعاديهم، فأصبح لزاما علينا أن نقف ضدهم، لنتمزق بين موقف إنسانى لا بد أن نأخذه، دون أن نتراجع عنه، فبشار في النهاية قصم ظهر شعبه، قتل ناسه وأوردهم موارد التهلكة، لا نستطيع أن نتجاوز الحقيقة، لكننا لا نستطيع أيضا أن نقول إن خصومه من إخوان سوريا والجيش الحر المدعوم من قطر والدواعش جعلونا نقف أمام إزاحته مكتوفى الأيدى، لا نريده أن يبقى ولا نريده أن يرحل. 
لم يكن ما جرى في سوريا ربيعا عربيا أبدا، كان جحيما بكل المعانى، كان جزءا من الخطة الكبرى، خضعت دول الشمال الإفريقى مصر وتونس وليبيا، أصبحت في يد الجماعات الإسلامية، وكان لا بد من تكسير سوريا، صمود بشار وعدم سقوطه كان سببا، في أن تلتقط الشعوب المخدوعة أنفاسها، وتفيق من غفلتها، لتعرف من هو عدوها الحقيقى، لكن هذه ليست ميزة نسبية يمكن أن نغفر له بها كل خطاياه. 
وكأن مقدرا على بشار الأسد المولود في ١٩٦٥ أن تنتهى سوريا على يديه، خمسون عاما يحملها على كتفيه، كانت قادرة على هدم دولة بقدر وأهمية سوريا، ستقول إن المخطط كان معدًا سلفا، ولو كان بشار أو غيره في الحكم، لجرى له وعليه ما يحدث الآن، لكنها الأقدار التي اختارته ليكون موجودا في هذه اللحظة التاريخية التي لا يتوقف عندها الشعب السورى وحده، بل يقف أمامها العالم كله. 
سوريا ستكون فاتحة الباب فيما يبدو لحرب عالمية ثالثة 
لقد فصلنا ذلك في معالجاتنا للأزمة التي تشهدها سوريا الآن، يقف العالم على طرفين متناقضين ومتضادين، التحالف الأول تقوده روسيا ويضم كلا من الصين وإيران والعراق وسوريا، والثانى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويضم كلا من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بجانب الدول العربية، التي أعلنت بوضوح موقفها من الضربات العسكرية التي تشنها في سوريا، ومنها السعودية وقطر، إلى جانب تركيا التي تقف بوضوح شديد ضد النظام السورى.
بادرت القوات الروسية بتوجيه ضربات موجعة وواضحة الأهداف والملامح لتمركزات داعش في سوريا، وهى الضربات التي لا يستطيع أحد في العالم أن يعارضها، فقد عقدت عدة دول على رأسها أمريكا قمة لمواجهة داعش على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. 
لكن الدول التي تعارض النظام السورى، وترفض تماما أن يبقى بشار الأسد، والتي عملت على إزاحته في وقت سابق، أعلنت رفضها التام للضربات العسكرية، ٧ دول وفى بيان رسمى طالبت روسيا بالتوقف فورا عن عملياتها العسكرية، معتبرة ما يحدث تدخلا في الشأن الداخلى السورى. 
دع عنك تفاهة هذا المنطق، فهى منذ شهور تتدخل في الشأن الداخلى السورى، انتهكته، ونصّبت أنفسها أوصياء على الشعب، ورغم أنها حولته إلى مجرد لاجئين يموتون على شواطئ العالم، إلا أنها تعتقد أنها كانت تساعده، وتحميه من النظام الذي لم يكف عن القتل. 
المصير الآن ليس مصير الشعب السورى، فمصيره يبدو أمامنا واضحا تماما، لا وجود تقريبا لما يسمى الشعب السورى، اللهم إلا مؤيدى بشار الأسد، وهؤلاء ليسوا في مأمن على الإطلاق، بل يتخطفهم الموت القادم مرة من ميليشيات داعش، ومرة من عصابات الجيش الحر، الذي صنعته المخابرات الدولية ودربته، ومولته قطر والسعودية. 
والمصير الآن ليس فقط مصير بشار الأسد، فهو حتى الآن مصير مراوغ، لا يستطيع أي محلل سياسي أن يقول كلمة فصلا فيه، توقعنا ألف مرة أن تكون نهاية بشار كأى طاغية، يقتله شعبه في الشارع كما فعلوا مع معمر القذافى، أو يظفر به خصومه فيعدمونه مثل صدام حسين، أو يلقون به في السجن قيلقى حتفه فيه، وتوقعنا ألف مرة أن يهرب متخفيا بعيدا عن الأذى، تفتح له أي دولة حليفة ذراعيها، فيأمن فيها، بعد أن يكون بدد شمل شعبه، أو يختفى تماما فلا يعرف له أحد طريقا، حتى يتلاشى ذكره، وتوقعنا أيضا أكثر من مرة أن ينتصر، وأن تعينه قبائله على خصومه، فينهى الثورة ضده، ويتمكن من حكم سوريا آمنا مطمئنا. 
المصير الآن هو مصير المنطقة التي حتما ستشتعل، فالتسخين الذي تقوم به الدول جميعها الآن لا يقول غير ذلك، وفى موجات التسخين الهائلة هذه، لا تسأل عن مصير بشار الأسد، لأن مصيره كشخص لا يهم أحدا على الإطلاق، فقد تحول بشار من مجرد رئيس لدولة فيها ثورة على حكمه، إلى رمز لصراع دولى، يضعه الجميع أمامهم كلوحة نيشان، الكل يريد أن يظفر بالنصر، سوريا وحلفاؤها يريدان الإبقاء عليه، لأن الإبقاء عليه يعنى الهزيمة الكاملة لأمريكا وحلفائها التي تريد له الهزيمة، لأن الهزيمة هنا معناها هزيمة الحلف الروسى، لا أحد يلتفت لبشار، ولا أحد يعمل من أجله هو. 
أمريكا تقدم قدما وتؤخر أخرى، حذرت بوتين من السقوط في مستنقع يصعب الخروج منه، راوغ أوباما عندما قال إن سوريا لن تتحول إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، معتبرا أن ما يجرى ليس نوعا من التنافس بين قوى عظمى على رقعة شطرنج. 
الكلام يبدو من على السطح دبلوماسيا إلى درجة كبيرة، لكن الواقع يقول غير ذلك، لا تعارض أمريكا أن تدخل روسيا إلى الحرب، لكنها تريدها أن تركز ضرباتها على داعش، دون أن تمتد هذه الضربات إلى الجيش السورى الحر، لأن الأمريكان هم من صنعوه ودربوه، ويريدون الإبقاء عليه، وحتى لو ادعت روسيا أنها لا تضرب سوى داعش، فإنها لن تستطيع أن تنكر طويلا أنها تحركت إلى سوريا لتضرب كل خصوم بشار الأسد. 
الآن نحن أمام صراع من نوع تقليدى، لا جديد فيه، بؤرة متوترة، تفزع العالم، تتحرك الدول لتنهى هذا التوتر، فتجد نفسها متورطة في حرب، تضع أمامها هدفا، قد يكون تافها، لكن النتائج لن تكون كذلك أبدا.. وهذه هي الأزمة التي نواجهها جميعا، لن يبقى بشار طويلا، ولن تظل الأوضاع في سوريا طويلا على ما هي عليه، لكن المؤسف أن أوضاعا كثيرة في المنطقة لن تستمر أيضا، ولن يكون بعيدا أن تختفى دول كاملة من الوجود، وتزول أنظمة كثيرة من على الخريطة، فهذه هي قواعد الحرب التي لن يستطيع أن يهرب منها أحد.