الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خزينة أسرار الدولة "4"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحد يستطيع أن يعرف على وجه التحديد ماذا يدور في عقول حراس الخزينة.. لأنهم دائما غامضون يستمعون أكثر مما يتكلمون.. وإذا وجهت لأحدهم سؤالا غالبا ما تجد إجابتهم دائما غير مفهومة ومبهمة والمعلومات ناقصة.. والغريب أنهم يقولون معلومة صحيحة تمامًا والثانية خاطئة والثالثة غير دقيقة.. هم دائما مضللون وتحركاتهم بحساب دقيق.. يحتفظون في الخزينة بما يستطيع نسف أي فكرة وتدمير أي شخص.. وكله حسب الطلب! 
وفي الخزينة تجد ملفات الجميع، من رجال الدولة والمسئولين والكبار إلى رجال الأعمال.. ويضم ملف كل شخص أدق الخصوصيات في حياته فليس المهم هنا تاريخه ولا حاضره المهني أو السياسي.. ولكن المهم تاريخه وحاضره الشخصي، وبتعبير أكثر وضوحًا "نقاط ضعفه"، وخلال عهد "مبارك" على وجه الخصوص كان أهم ما يحتويه الملف أسرار غرف النوم، حيث كان جهاز أمن الدولة يسخّر كل إمكانياته في السنوات الأخيرة من حكم مبارك لزراعة الكاميرات في الغرف الخاصة، ووضع أجهزة التنصت في المكاتب ومراقبة الهواتف، لرجال الأعمال بشكل خاص والمسئولين والوزراء بشكل عام.. وعند الاختلاف يكرم المرء أو يهان، إذا رضخ اتستر وإذا رفض اتفضح.. 
وكان مبارك وحاشيته يطمعون دائما في رجال الأعمال الكبار، ويريدون مقاسمتهم في رزقهم، دون دفع مليم واحد مقابل ذلك، والمقابل هو "الحماية" على طريقة الفتوات في حارة "نجيب محفوظ".. ولدينا المثال الأكبر في قضية رجل الأعمال "حسام أبو الفتوح" فقد أراد نظام مبارك مقاسمة الرجل في توكيل السيارات الذي كان يمتلكه، وكان يشكل أبو الفتوح" إمبراطورية كبيرة في عالم البزنس، ويدور في فلكه العديد من نجوم الدولة من فن واقتصاد وسياسة ورياضة، وحتى حراس الخزينة أنفسهم، ولكن هؤلاء ليس لهم "حبيب".. ولا أمان لهم في أي زمان ومكان، وحدث أن رفض "حسام" مشاركة النظام له، ويبدو أنه لم يكن قد حسب لغدر السلطة حساب، وظن أنه في المدينة الفاضلة وحين يغضب آلهة السلطة عليه سوف يضيقون عليه في أعماله فقط، ويحاولون جرجرته لخسائر مالية فادحة تقوده إلى الإفلاس مثلا، ولأنه كان خيره على الجميع، ولكن "بمزاجه" فقد ظن أيضًا أنه كاسر عين من منحهم هباته وهداياه الثمينة، ولم يخشَ التضييق على أعماله نظرا إلى أن مركزه المالي كان قويا جدًا.. ولكن السلطة كان لها رأي آخر، وفتحت "خزينة أسرار الدولة" وخرج منها ملف رجل الأعمال، حين جاء دوره، والذي كان يضم المغامرات النسائية والتي من الممكن أن تخلق من خلالها الفضائح الإخلاقية التي تنشغل بها المجتمعات أكثر من أي شيء آخر.. غضبت عليه السلطة وغضبها كان يعني خطة الدمار الشامل، وتم تدمير "أبو الفتوح" عن طريق الفضائح الجنسية، فإن الأنظمة دائما ما تحاول الإيقاع بخصومها بهذا النوع من الفضائح، ورغم أن "أبو الفتوح" لم يقدم نفسه للمجتمع على أنه الرجل التقي الورع أو صاحب المبادئ والقيم وراعي الأخلاق الحميدة، فقد كان يعرف الجميع أنه يعيش حياته بالطول والعرض وكانت مغامراته النسائية وعلاقاته العاطفية وخاصة مع نجمات السينما وجميلاتها، على مسمع ومرأى الناس، وكانت وجبة دسمة من حواديت النميمة الاجتماعية، ولم يكن في ذلك ما يزعجه.. ومع ذلك فقد حدثت الفضيحة كما تم التخطيط لها بعد أن خرجت خيوطها الأساسية من الخزينة وبما لا يخالف شرع السلطة.. 
وعلى طريقة الانتقام من "أبو الفتوح"، تم التخلص من غالبية خصوم نظام مبارك الآخرين، وكان من يتم الغضب عليه تخلق له فضيحة من العيار الثقيل، وحيث إن هذا النظام كان يعشق الفضائح الجنسية، فكان أغلب ما تحتويه الخزينة والخاص بالأشخاص هو محتوى يضم تفاصيل حياة الناس الشخصية، ولذلك فإن الفضائح دائما كانت لها هذا الطابع الرخيص، وحتى من لم يضم ملفه ذلك كان يدبر له شيئا ما يلوثه أخلاقيا، ونادرا ما كان يخدم الحظ والحق أحدهم ويفلت من الفضيحة الجنسية.. 
ويبدو أن الخزينة أيضا تحتوي على البدائل، فمن تفشل معه هذه الطريقة يكون التخلص منه عن طريق قضايا الرشوة والفساد وتلفيق المصائب والتشكيك فيه من كافة الجوانب.. 
ومما تحتويه أيضًا الخزينة خطط الدمار الشامل من الأفكار السياسية والحياة الثقافية والديمقراطية.. وتخرج هذه الخطط، وتدخل حيز التنفيذ حسب الحاجة لتشويه الفكرة وروادها.. ومنها "التسفيه" من أي فكرة أو أي شيء له قيمة سياسية، وهذا حدث بصورة واضحة في أول انتخابات رئاسة بعد ثورة 25 يناير.. عندما تقدم مطرب شعبي للترشح لانتخابات الرئاسة، حتى يتفّه من الانتخابات ومن فكرتها ولتشويه وتحطيم أهداف الثورة من الأساس.. وما تنادي به ولدعم فكرة أن الحياة السياسية بعد نظام "مبارك" تسير للحضيض، وأن الديمقراطية سوف تجعل من مطرب شعبي "رئيس" وأن هذا هو ما فعلته الثورة. 
وطبعا كان كل ذلك يحدث نكاية في يناير وشبابها ومن يباركها.. وهو ما يتكرر الآن في انتخابات مجلس الشعب، فقد دفعت جهة ما شخصيات بعينها للترشح للانتخابات حتى يتم عن طريقها السخرية من السياسيين ومن قيمة المعارضة وتسفيه دور البرلمان.. فهي طريقة غير مباشرة للاستهزاء بالحياة الديمقراطية وبالسياسيين والمثقفين والاستهزاء من البرلمان القادم حتى من قبل أن يبدأ.. وهو نسف لفكرة الحياة النيابية من الأساس.. وقد حدث أيضا في عهد الرئيس الراحل السادات ومن بعده مبارك، حينما أرادت الدولة أن تهزأ من الثقافة والمثقفين لصالح التيار الإسلامي، فمنحت فرصة السخرية من الحياة الثقافية والسياسية والاستهزاء بهما ورجالهما عن طريق السينما والمسرح بواسطة نجوم كبار حتى يتأثر بهم الناس ويسيرون على هذا الدرب..