السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

علي التركي يكتب: «أنيس» و«الإخوان» وصفقة 2005 (3)

علي التركي، مدير
علي التركي، مدير تحرير البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«آفة الصحفيين أنهم لا يقرأون ما يكتبون»، قالها كاهن الجمهورية الأعظم، عدلى برسوم، لكن اليوم يجب أن نقول «آفة ملف الباز عن أنيس التأويل».

مندهش للغاية من قدرة الدكتور محمد الباز، رئيس التحرير التنفيذى لجريدة «البوابة»، على إلباس الباطل ثوب الحق، وإن كان الشيء الغريب أن يتم ذلك بإصرار متناهٍ، لا أعرف كيف يفعل ذلك؟ وكيف يجرؤ قلمه على كتابة الشيء ونقيضه؟ كيف تكون لديه القدرة على إخفاء حقائق كتبها بنفسه، وحللها، ويستطيع شرحها؟ .

فى حلقتين متتاليتين، رصد الباز موقف الكاتب أنيس منصور من جماعة الإخوان، وزعم أنه كان من مؤيديها، وداعميها، إنه «اللا منطق»، فقد قدم أسوأ صور التأويل التى عرفتها البشرية منذ عصر «السفسطائيين القدامى».

برع الباز، خلال حلقاته، فى تمويه الحقائق، وصرف ذهن القارئ عن فساد المنطق المطروح، وتعمّد تضليله عن الوجهة الصحيحة فى التفكير، معتمدا على مقاييس وهمية فى التحليل، متلاعبا بألفاظ وعناوين براقة تخدم الهدف الأساسى وهو تشويه أنيس.

قضية التأويل من أكثر القضايا التى أسهمت فى تشويه فن التحليل والنقد، فدائما ما يحاول الكاتب تطويع المحتوى الصحفى وفقا لأهوائه الشخصية، فتنعدم النزاهة الفكرية فى التعاطى، فى وقت نحتاج فيه إلى تقديم تحليل قيم لقارئ يستحق.

الحقيقة، تحليل «الباز» 4 مقالات كتبها الفيلسوف، فى الفترة من «26 سبتمبر إلى 29 سبتمبر 2005»، افتقر إلى كثير من العوامل التى تُكسب المحتوى موضوعية السياق، فتجاهل كيف كان تفكير النظام السياسى الحاكم والشعب المصرى والقوى السياسية تجاه جماعة الإخوان قبل وبعد انتخابات 2005 التى حصدت فيها 88 مقعدًا لأول مرة فى البرلمان، فتجاهل الوضعية التاريخية والسياسية والاجتماعية والنفسية لكل العوامل المؤثرة فى المشهد، مما أفقد الملف رونقه وقيمته.

لدىّ يقين تام بأن «الباز» بذل مجهودا خارقا لإيجاد طريقة لتأويل مقالات أنيس بهذا الشكل، فالتشويه يحتاج إلى مجهود أكثر كثيرا من سرد الأحداث كما هى.

 قبل أن تقرأ

تناول «الباز»، خلال الحلقة المردود عليها، 4 مقالات، للكاتب الراحل أنيس منصور نُشرت فى الفترة من 26 ديسمبر حتى 29 ديسمبر 2005، تحدث فيها الفيلسوف عن جماعة الإخوان ومستقبلها السياسى بعد حصولها على 88 مقعدا فى الانتخابات البرلمانية.

اختار «الباز» عنوان «أنيس منصور يدافع عن عنف الإخوان من قبره»، وزعم أن تلك المقالات دفاع عن الجماعة الإرهابية، وحاول الإيحاء بأن للفيلسوف مكاسب من ورائها.

وذيّل «الباز» حلقته لأول مرة بتعليقاته الشخصية الصريحة، مقدمًا قراءته الخاصة عن أسباب كتابة «أنيس» تلك المقالات، فى سابقة هى الأولى منذ أول حلقة فى الملف.

أنيس يرد

تجاهل أو  لم يوفَّق «الباز»، فى البحث جيدا عن مقالات «أنيس»، هو تحدث بنفس لسان منتديات الجماعة الإرهابية، التى نقلت تلك المقالات، واعتبرتها نصرا لها، ونقلت نفس التأويل الذى سرده رئيس التحرير التنفيذى لـ«البوابة»، واعتبرته اعترافا بقوة الجماعة.

«الإخوان، والباز»، اتفقا على 4 مقالات، وتناسيا مقالات أخرى نُشرت فى نفس الشهر، فى معرض حديث «أنيس» عن نتائج الانتخابات البرلمانية، فليس صحيحا أنه لم يكتب سوى تلك المقالات، بل بدأت قبل انتهاء الانتخابات التى عُقدت فى الفترة من 7 نوفمبر إلى 9 ديسمبر.

ففى 8 ديسمبر قبل انتهاء الانتخابات بيوم واحد فقط استنكر «أنيس» التصويت على أساس الدين، فى إشارة إلى شعار «الإسلام هو الحل»، قائلا: «يا أهل بلدنا.. فى الانتخابات الأخيرة قد رفضنا الديمقراطية واخترنا الدينوقراطية.. رفضنا حكم الشعب للشعب وقبلنا حكم التطرف الدينى للسياسة والاقتصاد والحياة المدنية.. لماذا؟»، مضيفا: «لست ضد الدين.. ولا أن يختار الشعب من يمثلون الجماعة الدينية.. هو حر فى أن يختار الطربوش أو القبعة أو العمامة لمن يحكم ويتحكم فيه.. ولكن كان واجب حزب الحكومة أن يعطى للأحزاب الأخرى فرصة».

وفى 10 ديسمبر، اعتبر «أنيس» الانتخابات جريمة فى حق الديمقراطية قائلًا: «إن الذى حدث فى مصر ولمصر هو هتك عرض الديمقراطية.. إنه إكراه سياسى.. إنه الشعب عندما تزوج الديمقراطية قرر (خلعها) مع أول سكين وأول أتوبيس»، مضيفا: «ونحن لا نعترف لا بالتزوير ولا التزييف، ولذلك سوف نقبل على مضض هذه الهيئة والشكل والمنظر الذى اقترفناه».

هناك مقالات أخرى تحدث فيها عن التزوير الفج فى تلك الانتخابات، كلها منشورة فى ديسمبر 2005، تناول من خلالها «أنيس» بمنتهى الصدق العملية الانتخابية برمتها، وكواليس الصفقات التى عقدت بين الحزب الوطنى المحل -الحاكم فى ذلك الوقت- وجماعة الإخوان، وكان للفيلسوف رؤية انتقد فيها تهميش الأحزاب المدنية، وفضل الصبر حتى يرى المجتمع حقيقة الجماعة، وحذر أعضاءها من طرح أفكارهم المتطرفة، وتوجيههم لخدمة الوطن، والابتعاد عن قوى الشر الخارجية.

«مصر في 2005»

عرفت السياسة، فى العصر الحديث، عددًا كبيرًا من النظريات التى تحكم الصراعات السياسية، سواء الداخلية أو الدولية، لكن نظرية «الاحتواء» الوحيدة التى حققت نجاحًا غير مسبوق، بعد أن استخدمتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتى، وتمكنت من تفكيكه مطلع تسعينيات القرن الماضى.

«الاحتواء» كان المنهج الذى اتبعه نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى التعامل مع جماعة الإخوان، برعاية اللواء الراحل عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات الأسبق، خصوصا بعد أن أثبتت الجماعة حسن النوايا خلال الانتخابات الرئاسية التى عُقدت فى 7 سبتمبر 2005، وأسفرت عن فوز كاسح لمبارك.

دعونا نستعين بما يعرفه جيدًا «الباز» نفسه، وكتبه بقلمه، فى كتابه «الأفعى والشيطان.. صفقات الخيانة بين مبارك والإخوان»، الذى رصد فيه، كيف كانت تنفذ نظرية «الاحتواء»، خصوصا فى عام 2005، الذى شهد أكبر تقارب بين الجماعة والولايات المتحدة.

الحدث الأهم فى 2005 كانت الانتخابات الرئاسية، والتى سعى فيها «مبارك» لترسيخ حكمه، والإيحاء بالديمقراطية، لكنه لم يتوقع المفاجأة التى كان يجهزها له حزب التجمع، وهو الدفع بالمشير «عبدالحليم أبو غزالة» أمام مبارك فى الانتخابات، واستجاب المشير الراحل لضغوط خالد محيى الدين وبدأ التحركات لجس نبض الشارع والقوى السياسية، ومنها الإخوان.

استجابت الجماعة فى البداية وقررت دعم «أبوغزالة»، فى مواجهة عدوها «مبارك»، لكن سرعان ما تراجعت بفعل ضغوط الحزب الوطنى المُنحل، وقررت تأييد «مبارك» من الباطن، مقابل الحصول على عدد من المقاعد فى برلمان 2005.

«أنيس» مثله مثل جميع النخبة السياسية التى علمت بالصفقة من بدايتها، وانتقدتها، وطالبت النظام بدعم الأحزاب المدنية، لأنها السبيل الوحيد لتدشين حياة ديمقراطية حقيقية، وأكد الفيلسوف أن أكبر جريمة فى حق الشعب المصرى، أن يتقاسم ثروته الفاسدون والمتطرفون.

بعد أن أصبحت الصفقة التى رفضها «أنيس» أمرا واقعا، قال فى مقال بجريدة «الأهرام» يوم 10 ديسمبر بعد يوم واحد من انتهائها: «لن نستطيع حل المجالس المنتخبة.. وإلا كان معنى ذلك أننا نقر ونعترف بأنها مزورة.. ونحن لا نعترف لا بالتزوير ولا التزييف، ولذلك سوف نقبل على مضض هذه الهيئة والشكل والمنظر الذى اقترفناه.. وليس لأحد أن يباهى الأمم بأى شىء.. وإنما يجب أن نتوارى وأن نستر عارنا.. وأن نتستر على ولايانا، وأن نوهم أنفسنا بأنها خطوة على طريق الديمقراطية.. وأن كل البدايات صعبة»، مضيفا: «إن الذى حدث فى مصر ولمصر هو هتك عرض الديمقراطية.. إنه إكراه سياسى».

وفى 14 ديسمبر وجه «أنيس» رسالة شديدة اللهجة إلى جماعة الإخوان قائلا: «فإذا كانوا مسلمين فنحن أيضا.. وإذا كانوا متطرفين فلا بد أن يعتدلوا.. وإذا أضمروا شرا للشعب.. فلا بد أن نحشد وراءنا من يقاومهم ويقومهم».

وفى المقالات التى نقلها «الباز»، حاول «أنيس»، دفع الجماعة بعيدًا عن أفكار تحريم السياحة، وغيرها، ففى 26 ديسمبر قال: «وهذه فرصة مجددة لكى تظهر الصورة الحقيقية لأناس ليسوا فى حاجة إلى أن يهددوا وأن يخيفوا الناس كما أخافهم الناس والأقلام والقضبان.. فإن لم يفعل (الإخوان المسلمون) ذلك فسوف تكون خسارتهم فادحة، وهم لا يريدون ذلك ولا نحن أيضا!»، مضيفا: «إن قالوا ذلك خسروا ملايين العاملين فى صناعة السياحة وصناعة الفنادق والقرى السياحية وقرى الساحل الشمالى، وخسروا المثقفين والوطنيين الذين يشفقون على بلدهم من ظهور خومينى آخر فى مصر».

على الهامش

اعترض «الباز» على رأى «أنيس» فى تقبيل عناصر الإخوان يد المرشد، رغم أنه لو ذهب إلى جامعة الأزهر فسيجد بعد كل محاضرة يُقبِّل أكثر من ألف طالب يد الأستاذ، ولو ذهب إلى أى كنيسة سيجد آلاف المسيحيين يقبلون يد القساوسة، هو احترام وتقدير ليس أكثر وليست عادة إخوانية بل عادة مصرية أصيلة، كان يفعلها التلاميذ مع الكاتب الفرعونى.

استنكر «الباز» هجوم «أنيس» على أحمد عمر هاشم، بسب الفتاوى التى يصدرها، فى حين اصطدم هو نفسه مع شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوى فى قضية مشهورة وانتهاك صريح لمواثيق الشرف الإعلامى، لا نريد أن نذكر تفاصيلها. 

علي التركي

مدير عام تحرير موقع "البوابة نيوز"

للتواصل:

Ali_turkey2005@yahoo.com

 

مقالات تهمك:-

أنيس منصور الذي لا يعرفه الباز "1"

"أنيس" و"هيكل" في مزاد صاحبة الجلالة "2"

"أنيس" و"الإخوان" وصفقة 2005 "3"