الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خزينة أسرار الدولة

أميرة ملش
أميرة ملش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من حق الدولة أن تكون لها أسرار لا يعلمها غير القائمين عليها، والقائمون عليها أى الحاكم ورجاله، أو من يعاونوه، مثل الحكومة والمقربون من دائرة الحكم، فهم أول من يعلمون حجم الضغوط التى تتعرض لها الدولة وكذلك حجم المخاطر التى تحاصرها، ويتم اعلان البعض من المخاطر والضغوط على الشعب فى حدود ما يرى هؤلاء ويحجب الباقى ظنا منهم أن المصلحة العامة تقتضى ذلك، رغم أن الغالبية العظمى من الشعوب ترى أن الشفافية هى أقصر طريق للمشاركة والمساندة الشعبية، وأن من حقهم أن يعلموا كل صغيرة وكبيرة تخص وطنهم حتى يقدروا حجم المسئولية التى تقع على عاتق الحكومة، وحتى يتفهمون القرارات التى يتخذها الحاكم وخاصة اذا كانت هذه القرارات تهلك المواطنين وتضيق الخناق عليهم وعلى رأسها القرارات الاقتصادية، ويليها القرارات العسكرية، ولكن العديد من الحكام وخاصة فى دول الشرق الاوسط لا يحبذون مشاركة المحكومين فى كل شىء، ويتصرفون على طريقة الأب الذى يحمل عن أبنائه الأعباء والهموم، ولا يريد منهم غير تنفيذ أوامره وفى هذه الحالة فإن الأوامر والقرارات غير قابلة للنقاش، بما فى ذلك من قضاء على الديمقراطية وقتل للحرية لأن الأبناء ليس من حقهم الاعتراض ولكنه بذلك يمنح لهم ودون ان يدرك فرصة التمرد، ولكن الدولة ليست بيتا ولا الحاكم أبا ولا المحكومين أبناء، ولذلك فإن المجتمعات المتقدمة جميعها تجاوزت هذه الفكرة وأصبح الحكم مشاركة بين الحاكم والمحكوم، لا أحد يقرر لغيره مصيره لأنه أولى بهذا القرار حتى لو خطأ.
تضع الدولة الخطط وتتخذ القرارات وتنفذ ارادتها لتحقيق المصلحة العامة، ولكن ماذا لو كانت الخزينة تحتوى ما ليس فى صالح الجميع، ولكنها لصالح مجموعة بعينها لا تمثل غير قلة من المجتمع، وفى هذه اللحظة فإن المكاسب تحصدها القلة والخسائر تكون من نصيب الأغلبية.
وما كان يحدث فى عهود سابقة فى مصر يؤكد مسألة "خزينة أسرار الدولة"، على سبيل المثال عهدا الرئيسين "مبارك والسادات" وخاصة فى علاقتهما "بالإسلاميين "استخدمهم السادات للقضاء على الناصريين، الذين ظلوا لا يقتنعون به رغم تحقيق انتصار أكتوبر العظيم وعودة سيناء، وكان هو مثل أى حاكم يريد أن تستتب له الاحوال فى الحكم، فأخرج الإسلاميين من مخابئهم ومعتقلاتهم، بعد ان أوشك ما فعله فيهم الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر" على القضاء عليهم إلى الأبد، وقد يكون السادات هو السبب الرئيسى فى ما تعانى منه الان مصر ومنطقة الشرق الاوسط بأكملها من مصيبة الارهاب، واستمر مبارك من بعده على خطاه، وكان يستخدمهم حسب مصلحته فقط، يطاردهم ويعاديهم تارة ويطلقهم ويمكنهم تارة أخرى وكلما شعر بالخطر يهدد كرسى الحكم..
وفى كل مرة يعلم فيها أن المصريين يرغبون فى التغيير، يخرج ورقة "الاخوان" مثلما فعل فى انتخابات مجلس الشعب 2005 حين ارتعب مبارك من حركة كفاية، التى خرجت للنور فى 2004، وعلم أن المصريين الذين ضاقوا بفساده وحكمه فى طريقهم للالتفاف حول الحركة الجديدة التى تنادى بالتغيير، فأخرج لهم الاخوان "كارت إرهاب" وأعطاهم 88 مقعدا فى مجلس الشعب لهذه الدورة، وكان شعار "الإسلام هو الحل"  معلقا على الملأ فى الشوارع وعلى الحوائط والميادين، وفى انتخابات مجلس الشعب 2010 وهى الانتخابات الاكثر تزويرا فى مصر، حدث العكس تماما بالنسبة للإسلاميين، خسر الاخوان كل المقاعد التى ترشحوا عليها، لأن الدولة فى هذا الوقت لم تكن فى حاجة اليهم، وهكذا كانت خزينة أسرار الدولة فى عهدى مبارك والسادات تحتوى فى اغلبها على ما يصب فى مصلحتهم كأحكام، فى مصلحة استمرارهم ونحن من حصد الخسائر وتجرع المصائب..
واذا كانت الدولة تتصرف على هذا النحو دائما بدرجات مختلفة، فإنها مازالت، تقترب من الصحافة والاعلام ومنظمات المجتمع المدنى حين تحتاج مساندتهم، وتقصيهم وتحاربهم وتنكل بهم حين تشعر انهم اصبحوا ضد المصالح العليا، ولكن من الذى يحدد المصالح العليا فى هذا الوطن؟
وفى قصة امناء الشرطة التى تشغل المجتمع حاليا، لا أحد يعرف لما يتحرك الامناء الان بهذا الشكل ولماذا الان تحديدا ولا أحد يعرف ايضا لما تصعد الدولة ضدهم لهذا الحد وتواجههم بهذا العنف؟؟ صعدت أمناء الشرطة وكانت مصدر قوتهم ونفوذهم الذى عاد بالأذى على المجتمع، وتجاهلت تماما شكاوى المواطنين التى تصاعدت يوما بعد يوم بسبب الامناء، أما الآن وعلى ما يبدو أن مصلحتها او مصلحة القائمين عليها، تحتم التخلص منهم أو على الأقل الحد من نفوذهم، وعلى طريقتها الخاصة تقوم بحرقهم مستغلة كراهية الشعب لهم، وحتى لا يتعاطف معهم الناس من أجل مطالبهم الانسانية او على الاقل يتعاطفون مع هذه المطالب، فإن الدولة وعن طريق وزارة الداخلية التى ينتمى اليها الامناء وعن طريق الاعلاميين الموالين لها، تكشف عن رواتب الامناء التى تصل الى سبعة الاف جنيه، وهو ما ينفيه الامناء بشدة ويقولون أن لو رواتبهم تصل الى هذا الرقم ما طالبوا الدولة بشيء، وهم مثلهم مثل الضباط يعملون ويكدحون بل أكثر، ويصابون ويستشهدون فى مواجهة الارهاب والخارجين عن القانون مثل الضباط ومن حقهم أن يحصلوا على حقوقهم، ولكن الدولة ووزارة الداخلية مازالت تعطى النصيب الاكبر من المزايا للضباط فقط، متجاهله جهود وتضحيات الامناء والافراد، وانها وزارة ليست عادلة ولا تساوى بين أبنائها فى الحقوق، هذا ما يردده الامناء دفاعا عن أنفسهم. ولو أن القائمون على الامر يطلعون الشعب على خزينة اسرار الدولة بشفافية وصراحة لكان الامر اختلف، كما الأمر فى قضية الاموال المهربة لا نعلم ما وصلت اليه وماذا حل بها، رغم أنها اموال الشعب وقضيته ومن حقه أن يعلم كل شيء وبدقة تامة، ولكنها أسرار
من حق الدولة أن تحد من نفوذ اى فئة ترى ان الخطر القادم سيكون منها، ولكن عليها أيضا ان تطلع المصريين على ذلك حتى يساندوا الدولة حق مساندة، وتغلق باب المزايدة والاصطياد فى الماء العكر او حتى سوء الفهم، كما من حق المواطنين ان يعلموا كل شيء يخص قضاياهم التى ثاروا من أجلها، ولكن يبدو أن العقول التى تدير لم يطرأ عليها التغيير، وتتصرف على طريقة السابقون، ولا أحد يعرف ما تحتويه خزينة الاسرار وما يخرج منها الأيام القادمة..