الإثنين 10 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"الشتّام"!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أسف أن تحولت بعض الفضائيات لمصدر رئيسى للسب والقذف والتطاول فى حق آخرين، والغريب أنه كانت مثل هذه الأعمال المنافية للشرع قبل العرف والتقاليد تصدر عن أشخاص بعينهم، لتتوسع الدائرة وتشمل العديد ممن كنا نطلق عليهم رموزًا!!
وعندما نتحدث عن السب والشتم، نجد أن «السبّاب والشتّام» ينزعج، ويخرج فى فضائية أخرى لينال من الشخص المتحدث بعبارات بذيئة واتهامات باطلة، واللافت للنظر أن نجد بعض المذيعين تعجبهم هذه الطريقة ربما ليسدوا عجزهم المهنى أو للفت الأنظار إلى برامجهم التى لا يراها أحد!!
يا هؤلاء جميعا.. لا يجوز لمسلم أن يستحل سب المسلم أو شتمه أو عيبه أو غيبته إلا فى حق، كأن يكون مظلومًا يرد عن نفسه كما قال تعالى: «لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم».
وأقول لمن تعرض لسباب «الشتّامين» أنت لست ضعيفا.. فللحظات الضعف وحالات البلاء أحيانًا جزيل الفضل، وعظيم الأثر فى إيقاظ قلوبنا الغافلة، وتزكية نفوسنا من غبار المعصية والغفلة، تمامًا مثلما تزكى النار الذهب من العوالق الرديئة، إنها لحظات نفيسة تظهر فيها الدنيا على حقيقتها الزائفة، وقد سقطت أقنعتها، وخرجت من مساحيقها المضلّلة.
إنها لحظات تبين لك كم كنت معرضًا عن الله، وكم كنت مفرطًا فى جنب الله، وكم كنت تعمل للدنيا كأنك تخلد فيها، وكم كنت تلهو عن الآخرة كأنك لن تبلغها.
ولم يقتصر الابتلاء على الضعفاء والفقراء وإنما جعله الله للأقوياء والأغنياء، للملوك والعبيد، للمؤمنين والكافرين، بل والرسل. فهذا آدم أبو الأنبياء طرد من الجنة، وخليل الله إبراهيم ألقى فى النار، واستسلم إسماعيل للذبح بسكين والده، والتقم الحوت يونس، وقاسى أيوب من ابتلاء المرض، وبيع يوسف بثمن بخس وألقاه إخوته فى الجب إفكا قبل أن يلقى فى السجن ظلما، وأوذى موسى من فرعون.
حتى نبينا المصطفى الخاتم قاسى الابتلاء طوال حياته على أيدى صناديد الكفر بقريش والمنافقين فى المدينة وموت أولاده الذكور القاسم وعبدالله من زوجته الأولى خديجة ثم إبراهيم من ماريا القبطية والذى فى موته قصة مبكية.
فقد كان الطفل ذو الـ١٦ شهرًا ينام فى حضن والدته، والموت يرفرف بأجنحته عليه، والرسول ينظر إليه ويقول له: يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئًا! ولما مات إبراهيم، وهو آخر أولاد النبى، حمله الأب الرحيم ووضعهُ تحت أطباق التراب، وقال له: يا إبراهيم إذا جاءتك الملائكة فقل لهم: الله ربى ورسول الله أبى والإسلام دينى.
فنظر الرسول خلفهُ، فسمع عمر بن الخطاب، يُنهنه بالبكاء فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ قال: يا رسول الله ابنك لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه القلم وليس فى حاجة إلى تلقين فماذا يفعل ابن الخطاب وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم ولا يجد ملقنًا مثلك يا رسول الله؟!
وإذا بالإجابة تنزل من رب العالمين جل جلاله بقوله تعالى ردًا على سؤال عمر: «يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرة وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ».
ونحن نعيش شهر الصبر على الجوع والعطش والشهوات، علينا أن نذكر أنفسنا بالصبر على الابتلاءات فى العمل والصحة والأولاد والجيران والأصدقاء والأهل والحكام. وأنقل ما كتبه طالب جامعى فى تدوينة له على تويتر يقول:
اليوم ونحن فى محاضرة دخل علينا طالب جديد وكان يرتدى حذاء برقبة طويلة ونحن فى عز الحر!.
وفى منتصف المحاضره سأل الدكتور سؤالًا فأجاب صاحبنا أبو البوت خطأ. فما كان من الدكتور إلا أن قال بنرفزة وعصبية: أنا من ساعة ما شفتك لابس البوت فى عز الصيف وأنا غاسل إيدى منك.
فضحك كل الزملاء.
فقام الطالب بكل ثقة وقال: الله أنعم بأشياء كثيرة لكن أخذ منكم زينة العقل!
فأوقف الطلاب ضحكهم باندهاش، والدكتور زاد عصبية وقبل أن يطرده من المحاضرة قام الطالب من على الكرسى ورفع ثوبه وإذ برجليه الاثنتين بلاستك والبوت هو الجزمة الوحيدة التى تستوعب حجم الرجلين الاصطناعيتين الكبيرتين!
الدكتور ظل مبهورتًا لمدة دقيقتين وألغى المحاضرة وعيناه ممتلئتان بالدموع على ما سببه من أذى لذلك الطالب المبتلى فى ساقيه.
يا إنسان أيا كانت ديانتك لا تستحقر من أمامك مهما كانت الأسباب. فربما كان هذا الشخص مبتلى وكلامك عنه سيجزعه عن الصبر. وكفاك استهزاء بالآخرين وتعليقًا عليهم، وانظر إلى نفسك لترى كم العيوب والابتلاءات.
إن أسوأ ما يحصل منا أننا حين نرى سلبية فى أحدنا نُخبر كل من حوله ولا نخبره بها!
حقًا. نحن نجيد التحدث عن بعضنا، لا مع بعضنا!