الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

مريم المصرية.. السيدة العذراء في موالد القاهرة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المسلمون «يتدافعون» لرؤية تجلي أم النور فوق الكنائس بالدعاء والشموع
تحتل القديسة العذراء مريم مكانة عالية فى قلوب المصريين عموما، أقباطا ومسلمين، فالجميع يكرمها، وفى القرآن الكريم سورة كاملة باسم مريم وفى سورة أخرى يقول القرآن، إن الله اصطفاها وطهرها فهى خير نساء العالمين، ويوجد فى الكتاب المقدس بشارة الملاك للعذراء: «السلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت فى النساء».
يلقبها المسيحيون بوالدة الإله وأم النور وكثير من الأسماء والألقاب التى لها من الدلالات العميقة لمكانة العذراء لديهم، ويصوم الأقباط صيام العذراء ومدته خمسة عشر يوما، ويبدأ من 7 أغسطس وينتهى 22 من نفس الشهر، وبالرغم من أنه صيام من الدرجة الثالثة، إلا أنه محبوب جدا لديهم، ونجد أن البعض ينذر أسبوع صيام زيادة قبل الصيام الأساسي، فيصومون 21 يوما بدلا من 15 يوما ويكون غذاء بعض الأقباط فى هذه المناسبة عيش ناشف وملح، ويمتنع البعض عن أكل السمك فيه رغم أنه مصرح بأكله، ويأكل البعض خبزا وعنبا فقط، ومعظم الأقباط وخاصة بالصعيد يتناولون وجبة تسمى «شلولو» وهى عبارة عن ملوخية ناشفة وماء وملح وتوم وليمون، ولا يأكلونها إلا فى صيام العذراء فقط.
يذخر التاريخ الشفاهى بالحديث عن هذه الوجبة، ويذكر الإخباريون أن العذراء أثناء رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، لم تلق ما تأكله، فأعطاها البعض قليلًا من الملوخية الناشفة، فوضعت عليها ماء وتناولتها، ويتندر البعض بهذه الوجبة: «شلولو» طبيخ الست على الفرشة، لسهولة إعداده، وفى هذه الأيام يعلق الأقباط صور العذراء على واجهات منازلهم، وفى الشرفات ومن أسفل الصورة مصباح يضىء أو يثبت حولها عقد نور، ولا نغفل تراث الأقباط الشعبى من احتفاظهم دائما بصور القديسين، وخاصة صور القديسة مريم، فى حافظة نقودهم أو معلقة فى سياراتهم وأظن أن جميع الأقباط نرى صورة العذراء تزين منازلهم وغرفهم، فهم يتبركون بها، كذلك الأيقونات الصغيرة المصنوعة من الذهب والتى يتحلى بها النساء وهى توضع أيضا بجانب الأطفال حديثى الولادة كتميمة للبركة وحفظ المولود.
أتذكر هنا ما رأيته منذ عدة سنوات قليلة فى قرية «دير النغاميش - محافظة سوهاج» يوم الاحتفال بعيد العذراء، حيث يتجمع أهل القرية كلها، ويحملون أيقونة كبيرة للقديسة، ويزفونها فى موكب احتفالى عظيم بالترانيم والألحان عبر مكبرات الصوت، واللافت للنظر بل والمدهش أن حاملى الأيقونة الكبيرة، يدخلون بها جميع بيوت القرية بيتا بيتا،حيث يستقبل الأهالى الأيقونة بالزغاريد، ويقومون بتعليق عقود من الورد وعقود من العملات النقدية عليها، ويستمر الاحتفال من العاشرة صباحا حتى الغروب.
ويحب المصريون اسم مريم، فهم يدعونه على بناتهم ويسمونهن به، فهم يتباركون ويتفاءلون بهذا الاسم، وكذلك مشتقات اسم مريم باللغات الأجنبية، وكذلك يعشقون صورة مريم، وهى تحمل الطفل يسوع كأم حنون وقد ساعد حب المصريين لهذه الصورة، انطباع الصورة القديمة للآلهة إيزيس وهى تحمل ابنها حورس فى أذهانهم وقلوبهم عبر العصور القديمة، كمحاولة للاستمرار والتواصل.
تباركت مصر بمجيء العائلة المقدسة «القديسة مريم والطفل يسوع ويوسف النجار» إليها، وتوجد آثار باقية حتى الآن تشهد بمجيء العائلة المقدسة وبمباركتها لأرض مصر، إذ شيدت فى هذه الأماكن كنائس تحمل اسم القديسة مريم، يفد إليها العالم كله لنيل البركة، وعادة تلقب الكنائس والأديرة بأسماء القديسين، إلا أن أكثرها يلقب باسم العذراء، وتكون هناك نهضة وخدمة روحية ووعظ وترانيم طيلة الخمسة عشر يوما، التى هى فترة الصيام.
يلجأ المسيحيون إلى العذراء عامة ولا سيما فى فترة عيدها، طلبا للمعونة، وحل مشاكلهم، وشفاء أمراضهم، ويتشفعون بها، فهى الشفيعة المكرمة عند المسيح، فهم ينذرون ويقدمون العطايا لها وينحرون الذبائح على اسمها، وبالتالى فهى لا تتركهم حزانى، بل تسرع فى نجدتهم، وتقبل طلباتهم، وتشفى أمراضهم، وتحل مشكلاتهم، وعندما يعجز البشر، فهى تقوم بالمعجزات، وكثيرا ما نسمع عن معجزات العذراء مع المسيحيين والمسلمين على السواء، فهى تلبى لمن يعتقد فيها، وتمتلئ عشرات الكتب بمعجزات العذراء.
وتباركت مصر أكثر من مرة بظهور العذراء على قباب كنائسها، وكان من أقواها، ظهورها فى كنيستها بالزيتون عام ١٩٦٨، وكان أول من رآها أحد العمال المسلمين وقتها، ثم ما لبث أن تدافع المصريون كلهم لرؤية هذا الظهور العجيب، وتجلت فيه بصورة نورانية عظيمة وهى تبارك الجموع، تبارك مصر كلها، وكان يصاحب الظهور حمام أبيض نورانى مختلف الأحجام.
واستمر الظهور لعدة ساعات لعدة أيام، مما لا يدع مجالا للشك، وفى ظهورها هذا، رسالة من السماء للحب والسلام وطمأنينة الشعب، ومن ضمن الهتافات الشعبية التى كانت تغنى فى الظهور: «نورك بان.. على الصلبان»
«وعشانك يا رومانى...... العدرا تظهر تاني»
«وعشانك يا مار مينا...... العدرا تظهر لينا»
وتنشد بعض الترانيم
العدرا معانا فى الزيتون جيانا
فرحت قلوبنا بوجودها ويانا
يا عدرا يا أم النور إملينا هنا وسرور
ياللا إظهرى ياللا طلى بنورك طلة
وتظهر الموالد كظاهرة شعبية تصاحب الاحتفالات بأعياد القديسين، وهى ظاهرة متأصلة عند المصريين، فقد عرفت إبان العصر الفرعونى، حيث كان يتم الاحتفال بالآلهة المصرية القديمة، ويتم تقديم القرابين والنذور والأضاحى وكذلك التضرع لها، واستمرت الظاهرة رغم اختلاف المعتقد، وتقام فى كل بلد بها كنيسة أو دير باسم العذراء مولد يتم الاحتفال فيه بالقديسة.