الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

مكاوي سعيد في حواره لـ"البوابة": أزمة وزارة الثقافة معركة موظفين "لا ناقة لنا فيها ولا جمل"

روايته الأخيرة تصدرت قائمة الأكثر مبيعًا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أُطلِق عليه لقب «عمدة وسط البلد»، يعلم كل أسرارها، حكاء قدير من الدرجة الأولى، بدأ حياته الأدبية شاعرًا، وحصل على لقب شاعر الجامعة، ثم كتب القصة القصيرة، وكُرِّم من نادى القصة فى بداية الثمانينيات، أرَّخ للمكان وللزمان فى كتابه «مقتنيات وسط البلد» وصلت روايته «تغريدة البجعة» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية فى نسختها الأولى، وحصل على جائزة ساويرس فى القصة عن مجموعته «البهجة تحزم حقائبها»، وصدرت له مؤخرًا رواية «أن تحبك جيهان» عن الدار المصرية اللبنانية، بعد سبع سنوات ونصف من روايته الأخيرة «تغريدة البجعة»، وتصدَّرت قائمة الأكثر مبيعًا حسب تقرير الدار الأخير.. عند الحديث مع الكاتب الكبير مكاوى سعيد، لا يمكنك إلا أن تنصت له وتسمع منه أسرار وحكايات «وسط البلد»، حيث كان شاهدًا عليها منذ كانت تضم حركات ثقافية حقيقية.. فى هذا الحوار تحدث مكاوى سعيد كاشفًا عن كثير مما لم يتطرق إليه من قبل.
■ أنا «عشوائى» لا أكتب بانتظام ولا أعترف بالتصنيفات الأدبية ■ كتبتُ «أن تحبك جيهان» فى 3 سنوات ونصف والجوائز ليست معيارًا للقيمة ■ منتقدو «كتارا» ممن لم يفوزوا بها.. ولا يجوز الخلط بين الإبداع والسياسة ■ سامح الجباس من أهم الكتاب المصريين وعانى كثيرًا فى بداياته
■ متى بدأت رحلتك مع الكتابة؟
- رحلتى مع الكتابة الحقيقية بدأت فى الثمانينيات، بعد تخرجى فى كلية التجارة، إذ صدرت لى أول مجموعة فى أوائل الثمانينيات، إذ لم أتجه إلى السرد إلا وقتها، فقد كنت قبلها أكتب الشعر حتى لُقِّبت بشاعر الجامعة. وفضلتُ السرد عن الشعر لأن ما كتبته فى الجامعة كان أشعارًا رومانسية، حقيقة كانت لها جماهيرية فى الجامعة، لكنى بعد أن احتككتُ بشكل حقيقى بالوسط الثقافى، وبدأت حضور الندوات فى وسط البلد، كتبت أول قصة وعرضتها فى نادى القصة، واستقبلها الناقد الكبير - رحمة الله عليه - توفيق حنا بشكل جيد، وأثنى عليها ثناءً كبيرًا.
■ ولماذا ابتعدتَ عن الشعر رغم أنك لٌقبت بـ«شاعر الجامعة»؟
- لأنه لم يكن شعرًا احترافيًا.. كان رومانسيًا، ويعكس تجربتى الذاتية، فقد كانت مجرد هواية، أما السرد فيعطى مساحة أكبر حتى تخوض فى مصائر الناس والتحولات الاجتماعية.
■ تكتب الرواية والقصة والمقالات.. وأعددت أفلامًا تسجيلية.. ألا تؤمن بالتخصص؟
- أنا أحب الكتابة بشكل عام، ولا يشغلنى القالب الذى أكتب فيه، فأول أجرٍ حصلت عليه من الكتابة كان من مجلة «ماجد» للأطفال، بالتعاون مع الفنان صلاح عنانى، حينها تقابلنا فى مقهى «على بابا»، وكان هو يرسم لمجلة ماجد، والسنة الماضية كتبت رواية للأطفال بعنوان «جنى يبحث عن وظيفة»، وأحببت السينما وعملت لفترة كبيرة مستشارًا لشركات إنتاج، وعملت مع التليفزيون، فأعددت أفلامًا تسجيلية عن أدباء أمثال إبراهيم عبدالمجيد، وبهاء طاهر، وجميل عطية إبراهيم. ولكنى رفضت العمل فى السينما التجارية لاختلافى الدائم مع المنتجين، فأنا أرفض صناعة عمل رديء تحت أى مسمى، ولكنى ما زلت أحلم بتحويل أحد أعمالى إلى السينما.
■ هل الكتابة بالنسبة إلى مكاوى سعيد وحي أم عمل وظيفي؟
- أنا ضد الكتابة الوظيفية، أو ما يسمونها حرفة الكتابة، فأنا أرفض تخصيص وقت للكتابة، وأنا شخص عشوائى جداً، أمر بفترات للقراءة فقط، وفترات أخرى أبتعد تمامًا عن الكتابة، وأعتقد أن نجيب محفوظ هو الوحيد الذى كان يحدد وقتًا للكتابة، وكسر قاعدة «الوحي».
وتستطيع أن تقول عنى إنى من الكتاب المزاجيين، فقد أخرجتُ رواية بعد «تغريدة البجعة» - التى وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر - بسبع سنوات ونصف، وبعدها انهالت العروض من دور نشر عربية كثيرة، ولكنى لم أتورط مع أى دار نشر فى الحصول على عربون، لأنى لا أعرف متى سأبدأ فى عمل جديد.
■ نشرت مع الكاتبة سحر توفيق، والشاعر عبده المصرى أعمالك فى منشورات ورقية، وفعل ذلك كتاب آخرون أيضًا، أمثال الفنان محمود بقشيش، الذى صنع مجلة ورقية لينشر فيها الكتاب أعمالهم بعيدًا عن النشر فى منشورات الدولة.. حدثنا عن الوضع وقتها فى مصر؟
- كنت حينها فى فترة الدراسة، وعبده المصرى كان طالبًا، وسحر حينها كانت خريجة جديدة، وتم ذلك الاتفاق على مقهى «على بابا»، الذى كان يعتبر مؤسسة ثقافية خاصة، وكذلك «إسترا»، وفى ذلك الوقت لم يكن هناك غير قناتين تليفزيونيتين وثلاث جرائد حكومية، والنشر الحكومى كان يحتاج إلى وسائط مرعبة، تقدم عملك للنشر فيخرج لك بعد عشر سنوات، وكنا فى أوائل الثمانينيات، وكان الفنان التشكيلى - رحمة الله عليه - محمود بقشيش يخرج مطبوعة «فوتو كوبي» تضم أشعارنا، ومجموعات قصصية لكتاب مختلفين، وكان هناك عدد يضم قصة طويلة للكاتب الكبير جمال الغيطانى اسمها «العري»، وكانت المطبوعة توزع فى المقهى، إذ كانت ظاهرة ثقافية قوية وقتها، لم تقتصر فقط على الشباب.
■ كتبت مجموعة «الركض وراء الضوء».. ثم رواية «فئران السفينة».. ثم «تغريدة البجعة».. ثم انتقلت إلى تأريخ المكان والناس فى «مقتنيات وسط البلد»، وبعدها كتابات عن ثورة يناير وميدان التحرير.. لماذا أردت تأريخ المكان والناس بطريقة غير روائية، بينما لديك القدرة على سردها كروائي.. هل هو الوقت أم الموضوع؟
- أردتُ توثيق المكان وأنا أكتب «مقتنيات وسط البلد»، لأن الفكرة الأساسية ليست عن المكان، وكانت فى الأصل مجموعة من الحلقات لجريدة «البديل»، عن شخصيات ألهمتنى، وتوسمتُ فيهم موهبة كبرى، وللأسف انتهوا دون أن يحققوا مواهبهم لعدة أسباب، منها الموت أو الهجرة، وحين قمتُ بجمعها فى كتاب، اكتشفتُ وجود عدة أماكن انتهت الآن، ولم تعد موجودة، ففضلت الكتابة عن المكان، إذ كانت هذه الشخصيات تتجول فى الأماكن التى تحدثت عنها، فمقهى «على بابا» أصبح غير موجود، ومقهى «إسترا» تحول إلى أربعة محلات تجارية، ولذلك فضلت الكتابة عن المكان.
■ هل تتوقع وصول روايتك الجديدة «أن تحبك جيهان» إلى القائمة القصيرة للبوكر؟
- أنا مع الجوائز، وسأقدمها إلى أى جوائز مطروحة، وما يعنينى حقيقة هم القراء، ففى حفل توقيع روايتى الأخيرة «أن تحبك جيهان» كان القراء يقفون فى مكان يتسع لـ٢٥٠ فردًا، وكانوا حشدًا كبيرًا، فأسعدنى حضورهم، وهذه هى الجائزة التى حصلتُ عليها، ولكنى تفرَّغت لمدة ثلاث سنوات ونصف لكتابة الرواية، وأحتاج إلى تعويض مادى، ولذلك سأتقدم إلى أى جائزة مطروحة.
■ حدث هجوم فى الفترة الأخيرة على الكتاب المصريين الذين حصلوا على جائزة «كتارا»، فهل ترى أن الجوائز مسيَّسة أم تقتصر على العائد المادى فقط؟
- الهجوم كان من مجموعة من الكتاب الذين تقدموا إلى الجائزة، ولم يحصلوا عليها، وسامح الجباس يعتبر من أهم الكتاب المصريين، وعانى كثيرًا فى بداياته، ولا يجوز الخلط بين السياسة والجوائز الثقافية، وفى النهاية الجوائز تخضع إلى ذائقة المحكِّمين، وليست معيارًا للتقييم، و«نوبل» نفسها ليست معيارًا للتقييم، وهناك كتاب «فشلة» حصلوا على نوبل، فقد حصل «تشرشل» - على سبيل المثال - على جائزة «نوبل» فى الأدب وهو ليس أديبًا، ونجيب محفوظ لم يحصل على الجائزة التقديرية إلا بعد حصوله على «نوبل»، ولولاها ما كان حصل عليها، أما الآن فأى كاتب يستطيع الحصول على جائزة الدولة التقديرية.
■ فزتَ بجائزة ساويرس عن مجموعتك «البهجة تحزم حقائبها».. العنوان دال.. فهل أنت متشائم؟
- القصة كانت متشائمة.. وأثناء اختيارى لعنوان من قصص المجموعة، وجدت أن عنوان القصة تناسب الوضع الحالي، لأن البهجة تحزم حقائبها فى الوطن العربى كله.. وترحل ببطء.
■ «أن تحبك جيهان» رواية جميلة، لكن السرد فيها مليء بالتشبيهات والكنايات والتفسير، فهل كان يمكن ان تختصره أم أنك رأيت ذلك ضروريًا؟ باختصار.. بم تشعر وأنت تكتب؟ هل تترك نفسك للرواية أم تعيد النظر فيها؟
- أنا أعيد النظر فى الكتابة، وأستغرق وقتًا كبيرًا فى الكتابة، فأنا أكتب فى الصيف، وأعيد النظر فيما كتبته فى فصل الشتاء، لأن المناخ قد يجعلنى أعيد النظر، ورواية «أن تحبك جيهان» هى رواية تفاصيل فى المقام الأول، وأنا أراهن أن القارئ لن يتركها قبل أن ينتهى منها، وهناك محبُّون أخبرونى بأنهم شعروا بالحزن بعد أن انتهوا من قراءتها، فأنا أكتب عن تاريخ مرتبك.. عن عام قبل ثورة ٢٥ يناير، وأبطال الرواية يتحركون دون أن يدروا أن هناك ثورة مقبلة.
■ شخصية المهندس أحمد الضوى، كانت منسحقة تمامًا أمام ريم مقابل متعته الجسدية، وفى نفس الوقت كان منسحقًا تمامًا أمام جيهان، كيف صنعت هذه التركيبة النفسية الغريبة؟ بمعنى.. كيف يمكن لشخص أن يستمتع بعلاقة جسدية مع ريم.. وفى الوقت نفسه يحب جيهان؟
- الصراع بين ريم وجيهان كان قويًا، والقارئ طوال الوقت ينتظر ظهورهما، وتجسَّد هذا الصراع فى شخصية المهندس أحمد الضوى، فهو يحصل على متعته الجسدية، ولكنه يفتقد حالة الوجدان مع جيهان، فهو يراها النموذج الملتزم والمخلص حسب رؤيته هو، ولذلك أحبها وأراد الزواج منها.
■ نلاحظ أن الروايات ذات الحجم الكبير انتشرت فى السنوات الأخيرة.. روايتك، ورواية عمار على حسن، وإبراهيم فرغلى مثلا.. فهل ما زال الحكى مغريًا؟
- الحكى هو سيد الحكاية، وكِبر الرواية أو صغرها مسألة نسبية، فمن الممكن أن تقرأ «نوفلا» مثلا، ولا تستطيع أن تقرأ منها غير عشر صفحات، المهم هو الأحداث التى تدفعك للكتابة.. متى تستمر فى الحكى، ومتى تتوقف؟ والروايات الغربية كلها كبيرة، فأنت تتوحد مع شخوص الرواية، وتريد إشباعًا كافيًا للقارئ، وتكتب عن تفاصيل وأزمنة وحياة مترامية، ورسالة تريد توصيلها.
■ ما رأيك فيما يحدث من وزير الثقافة وبعض رجاله، وتصريحاتهم الأقرب إلى فكر الإسلاميين المتشددين.. فما رأيك فى أداء وزارة الثقافة الآن؟
- لا تعنينى المسألة من قريب أو بعيد، فهى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وفى النهاية سيفشل كل من يريد الوصاية على العمل الأدبى، سواء كان الأزهر أو حزب النور، والتاريخ أثبت ذلك، والأجيال الجديدة ترفض أى نوع من أنواع الوصاية.. ولذلك أنا غير مهتم بما يحدث من وزير الثقافة، وأطالب كل من يريد الوصاية على الأدب أن يحاول تنقية التراث الدينى أولاً، فلن يستطيع أحد السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعى.
وأرى أن المعركة تخص الموظفين فى المقام الأول، فلا يوجد شخص فى مصر يستطيع فرض مراقبة على المطبوعات الأدبية، فنحن فى عالم مفتوح تمامًا، ومن المستحيل الرقابة عليه.
■ لماذا لا نجد اسم مكاوى سعيد فى حركة الأجيال؟ ففى الستينيات هناك أسماء محددة، والسبعينيات كذلك، وهل أنت مؤمن بحكاية جيل كل عشر سنوات.. أم لا بد من تقسيم آخر يقوم على الموضوع والشكل الأدبى وليس العمر؟
- أنا لا أعترف بهذه التصنيفات الأدبية، لأن من يرتكز عليها هم ضعاف الموهبة، وهناك مسميات غريبة، مثل أدباء الصعيد، أو الأدب النسائى، ففى النهاية الأدب هو الأدب، حتى لقب شاعر الجامعة الذى حصلتُ عليه كنت أرفضه، لأنه وضعنى فى خانة الجامعة فقط.