الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ويسألونك عن الإعلام.. قل هو أذى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للأصدقاء المتشائمين اللى شايفين إن الجيش المصرى اتهزم النهارده.. أقول لهم: لو كان الجيش اتهزم وداعش انتصر زى ما انت متخيل.. كنت حتلاقى بث مباشر دلوقتى من سينا.. وعنوان الجزيرة «احتفالات الدولة الإسلامية بإحكام سيطرتها على ولاية سيناء بعد فرار الجيش المصرى». من تانى... داعش كان عايز يحتفل النهارده بالسيطرة على سينا والجزيرة والإخوان ابتدوا احتفالاتهم بالفعل.. وفشلت.. ودلوقتى رجعوا لمربع الولولة المسكنة والبكاء على المظلومية بعد ما كانوا بيشمتوا شماتة برائحة النصر من كم ساعة..
الناس اللى زعلانة من نشر صور جيف الإرهابيين النافقة:
عايز أقول لكم أجدادكم كانوا بيعملوا إيه في المواقف اللى زى دى..
لما كان هكسوسى بيعتدى على أرض مصر، أو الفرعون الجالس على العرش يقرر يجهز حملة تأديبية للبدو المعتدين، كان لازم قائد الجيش يرجع للفرعون ومعاه سلال (جمع سلة) مليانة بـأعضاء الأعداء!!
علشان الجيش يبقى عمل اللى عليه:
يعلن كل المعلومات على «فيس بوك» علشان مايقولوش على «فيس بوك» إنه بيخبى علينا المعلومات اللى إحنا محتاجينها علشان نقدر نخطط إستراتيجية المرحلة القادمة.
مايعلنش حاجة على «فيس بوك» علشان مايقولوش على «فيس بوك» إن الجيش بيكذب أو بيقول معلومات ناقصة.
يفكه من شوية القطعاء والعواطلية اللى بيديروا الأمن القومى من بروفايلاتهم على «تويتر وفيس بوك» ويركز في معركته وبس.
كان مفزعا لك بالطبع وأنت تطالع بعض المواقع الإخبارية باحثا عن معلومة واحدة عن الهجوم الإرهابى المنحط على كمائن الجيش في سيناء أمس.
كان مدهشا ومؤسفا أن تشعر وكأنك أمام مواقع ناطقة بلسان التنظيم الإرهابى «بيت المقدس».. هذا يتبنى المعلومات التي تروجها الصفحات المنسوبة للتنظيم، وهذا يروج للوقائع التي يحكيها عن نفسه وعن بطولاته، وهذا لا يجد حرجا أبدا في أن يردد التهديدات التي يلقيها الإرهابيون في وجه الجيش المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى، وكأنهم يباركون كذلك، أو لنكن حسنى النية ونقول إنهم يفعلون ذلك بجهل شديد.
أعرف أننا نعانى من مأزق مهنى كبير، تحديدا المواقع الإلكترونية التي تتنافس بالثانية في بث الأخبار، تجدها لاهثة وراء أي معلومة، أي خبر، أي واقعة، أي تصريح، أي تلميح، أي تصنيع لفكرة، حتى لو كانت هزلية وغير جادة على الإطلاق، المهم أن تضع لمن يطالعها ما يجذبه ويدهشه، بصرف النظر عن مصدر المعلومات التي ينشرونها، ودون الاهتمام بهدفه أو ما يخطط له.
ما الذي يجب أن نفعله في إعلام يعانى من أزمات مهنية عديدة؟
الإجابة لن اخترعها، واسمحوا لى أن أؤخر ما أريد أن أقوله قليلا..
يعيش جانب كبير من الإعلام المصرى أسيرا في حجرة مظلمة، لا يعرف على وجه الدقة ما يدور حوله، وليست لديه مصادر تتجاوب معه بسرعة لتلبى ما يطلبه من معلومات سريعة ودقيقة، يقف القراء متلهفين عليها، ولأن القارئ لا يرحم، يجد الصحفى نفسه (مضطرا) لأن يأخذ من المصادر المتاحة له.
لقد وضعت كلمة مضطرا بين قوسين، لأننى لا أتفق مع من يسوقون لهذه الفكرة، فعندما يكون الوطن في حرب، فلا يجب أن نكون مضطرين إلا لما فيه مصلحة الوطن وحدها.
بعد ساعات قليلة من عملية الشيخ زويد الأخيرة، التي كانت قولا واحدا محاولة لاحتلال المنطقة وإعلانها ولاية تابعة لبيت المقدس، كانت المعلومات القادمة إلينا من الأجهزة المصرية زهيدة، يمكن أن تقول إنها لا شىء على الإطلاق، مجرد تصريح من المتحدث العسكري، يتحدث عن استشهاد ١٠ جنود فقط في العملية.
أعرف أن اتصالات كثيرة طاردت المسئولين، أرقتهم بأكثر مما ينبغى، حاولت الحصول منهم على أي معلومة حتى ولو كانت عابرة، ورغم أن مسئولا عسكريا كبيرا قال إن العمليات الآن على الأرض، لم تنته بعد، ولا يمكن لأحد أن تكون لديه معلومات دقيقة أو حتى تقريبية، إلا أن شهوة الإعلام القاتلة طاردت الجميع.
على الجانب الآخر كان هناك جهاز إعلامي كامل يتحرك، لا لينشر المعلومات الصحيحة عن الحادثة، ولكن ليلعب دورا كبيرا في الحرب النفسية ليس على الجيش ولكن على الشعب المصرى كله.
كانت الخطة محكمة، إرهابيو بيت المقدس يتقدمون إلى الشيخ زويد ليس بهدف ضرب الكمائن فقط، ولكن لاحتلالها كاملة، وبعدها تعلن أن الشيخ زويد هي عاصمة ولاية سيناء، فارضين بذلك أمرا واقعا.
تزامنت الأخبار التي نشرتها صحف ووكالات عالمية مع الحدث، ولن أقول وكأن اتفاقا ما عقد بين التنظيم الإرهابى وبين هذه القنوات والوكالات، فالظاهر من التغطية بالفعل أن هناك اتفاقا، وأن خطة الهجوم ونتائجها المنتظرة تم نقلها إلى وسائل إعلام عالمية، نشرتها في توقيتات مبكرة، فأثار ذلك بلبلة كبيرة.
في الساعات الأولى من صباح ١ يوليو يوم الحادث الملعون كان عبدالبارى عطوان على موقع «رأى اليوم» يقدم تحليلا إخباريا وضع له عناوين مطولة جاء نصها كالتالى: مصر تنجرف بسرعة إلى هوة «النموذجين» الليبى والسورى، واستيلاء الدولة الإسلامية على مدينة الشيخ زويد بسيناء محاكاة للموصل والرقة، والمخرج الوحيد بيد الجيش المصرى، ولن نفاجأ بتعليق مرسي وبديع على أعواد المشانق قريبا وربما قبل العيد.
حتى نشر مقال الكاتب العربى الشهير بأنه يكتب بأقلام أجهزة المخابرات الدولية التي تموله، لم تكن الشيخ زويد تم الاستسلاء عليها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، فهل كان يتنبأ، أم أن من يكتبون بأقلامهم وأموالهم سربوا له السيناريو الذي خططوا له، وأرادوا أن يصبح واقعا.. هذا هو الأقرب إلى الواقع.
لقد لعبت وكالات أنباء دولية (رويترز والأسيوشيتد برس) دورا كبيرا في توجيه المعالجة الإعلامية، نشرت أخبارا عن حجم مبالغ فيه للعملية التي يقوم بها بيت المقدس، تحدثوا عن عمليات خطف لجنود، وعن أعداد من الشهداء (يتعاملون معهم على أنهم قتلى) كبير تجاوز السبعين شهيدا، كل هذا في محاولة لفرض صورة واحدة على المشهد، وهو أن التنظيم انتصر على الجيش في معركة الشيخ زويد.
الغريب أن هذه الوكالات لم تهتم بمتابعة عملية الجيش المصرى في دك بيت المقدس بعد ذلك، فلم تشر إلى أعداد من سقطوا في صفوف الإرهابيين، ولا عدد الخسائر التي لحقت بهم، وكأنهم وكالات تابعة للتنظيم الإرهابى، تروج لما يقوله، وتثق فيه، ولا تهتم بأن تفعل نفس الشىء مع الجيش المصرى.
لا يمكن أن أضع لا علامة استفهام ولا علامة تعجب وراء أداء هذه الوكالات، فمن السذاجة أن نسأل عن معايير الدقة والموضوعية والتوازن في معالجات الصحف العالمية فيما يخص مصر، ولكن علامات التعجب والاستفهام الحقيقة الجدير بها مواقع مصرية، واعتبروا هذا الكلام مناقشة مفتوحة على هوامش ما جرى.
لقد سارعت مواقع إلكترونية بعينها إلى نقل ما تردده صحف وقنوات ووكالات عالمية على ما يحدث، دون أن يسأل من فعل ذلك نفسه عن مصادر هذه المعلومات، فهذه الوسائل بالمناسبة لا تمتلك قدرات خارقة، وليس لهم مراسلون في هذه المنطقة الملتهبة، هم يخضعون في النهاية لما تقوله التنظيمات الإرهابية، يرون فيها مادة أكثر جاذبية، ثم إنهم لا يترددون عن تلوين الأخبار، لأن لديهم هدفا وفى نفوسهم هوى، فليس مطلوبا أن تستمر مصر صامدة كل هذا الوقت، ولأنها صحف ووسائل إعلام خاضعة لأجهزة مخابرات دولية، فهى تنفذ أجندتها، وتنطق فقط بما تريده هذه الأجهزة..
لا يمكن أن تلوم هذه الصحف بالمناسبة، فهى تعمل لتحقيق هدفها بدقة شديدة.
اللوم كله يقع على الإعلام المصرى، الذي يبدو أننا فيه لا نملك أجندة محددة، ولا نعرف الأولويات التي يجب أن نتمسك بها، ونعمل جاهدين على تحقيقها.
هل نكون صرحاء ربما بأكثر مما ينبغى.. إن الصحافة الإلكترونية الآن في مصر يديرها مجموعة من الصبية الذين لا يقدرون بالفعل أن مصر تخوض حربا حقيقية على الأرض، فما يشغلهم هو الحرب المشتعلة بين المواقع، كلٌ يريد أن يسبق وأن يكون في الصدارة، ولذلك تراهم يفعلون أي وكل شىء دون النظر إلى عواقب ذلك.
المؤسف في الأمر أن حالة الهزال المهنى لا تقتصر على مواقع صغيرة، ولكن هناك مواقع كبيرة والمفروض أنها مؤثرة وقعت في نفس الفخ، رددت ما قالته وسائل إعلام داعش، وتحمست له، واعتبرت أن هذا ما حدث حقا، ولم تقبل أن تغيره إلا بصعوبة، بعد أن صدر بيان رسمى من المتحدث العسكري.
في الحروب الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يتمسك بها الإعلام هي الوطن، لا حقيقة قبله ولا حقيقة بعده.
صحيح أن لدينا قصورا هائلا في معالجة أزماتنا الكبرى إعلاميا، المسئولة عن قطاع الأخبار في التليفزيون تصرح بأنها لا تستطيع أن تذيع شيئا عما يحدث في سيناء إلا بعد الرجوع إلى الجهات المسئولة، ورغم أن هذا من الناحية المهنية في وقت الحرب لا أزمة فيه على الإطلاق، إلا أنه في الوقت نفسه ليس مطلوبا من تليفزيون الدولة أن يذيع برامج طبخ والجيش يحارب، هناك أكثر من تخريجة يمكن اللجوء إليها.
لا أعرف على وجه التحديد هل كانت هناك توجيهات من جهات بعينها ألا تقطع القنوات التليفزيونية مسلسلاتها وبرامجها ومقالبها، حتى لا يشعر الناس بالقلق، أم أن الأمر فيه مبالغة من زاوية ما.
قد يكون القادة الذين يديرون الحرب ضد الإرهاب بنبل وشرف للدرجة التي لا يريدون فيها أن يزعجوا المصريين أو يقلقوهم، فهم يحاربون نيابة عن الجميع، لكن من قال لهم إنهم وحدهم من يحاربون، الجميع يقف معهم وإلى جوارهم وخلفهم، ثم إن القلق يتسرب بالفعل إلى نفوس الجميع، لأن الإعلام المصرى ليس وحده مصدر المعلومات، وعندما لا يجد الناس معلومات في إعلامهم يذهبون إلى إعلام آخر باحثين فيه عما يبدد قلقهم، لكنهم للأسف الشديد يزيدون قلقا واضطرابا.
لا أنكر أن الجميع يعيش أزمة، وليس من عادتى بالمناسبة أن أجلد الإعلام، فنحن جزء منه، لكن لا يعنى انتماؤنا له أن نصمت لن أقول على حالة التراجع المهنى في التعامل مع أزمتنا الكبرى مع الإرهاب، ولكن على حالة هزال الوعى بخطورة ما يحدث على أرضنا الآن.
المشكلة ليست مشكلة ملعومات بالدرجة الأولى، المعلومات الآن ملقاة على قارعة الطريق، بلا قيمة تقريبا، المشكلة الحقيقية في توظيف المعلومات للمحافظة على وطن يريدون تسريبه من بين أيادى أبنائه، في الطريقة التي نتعامل بها مع ما لدينا من وقائع وأحداث وأخبار.
لقد تحولت شياطين بيت المقدس في الساعات الأولى من الحادث إلى ما يشبه الأسطورة، يهاجمون كمائن ويأسرون جنودا ويسطون على مدرعات، كل ذلك ليس لأنهم حققوا هذا على الأرض بالفعل، ولكن لأن الإعلام قال هذا، ولأننا تورطنا بعد ذلك ونقلنا عنهم ما قالوه عن أنفسهم.
ستقول وما المانع أن أنشر ما يقولونه لو كان صحيحا؟
هنا يمكن أن أتحدث عما أراه قليلا.
فحتى لو كانت المعلومات التي ترددها هذه التنظيمات الإرهابية صحيحة، فالإعلام المصرى ليست صوت هذه التنظيمات، ليس المعبر عنها، ليس الناقل لها، دوره أن يقدم دعما معنويا لجيشه، فليس من المهنية ولا أقول الوطنية- أن تخذل وطنك في وقت حربه.
لا أطالب الإعلام بأن يكذب، أو يردد أخبارا غير صحيحة عما يحدث، ولا أريده أن يلتزم الصمت، فهذا ليس دوره، لكن يلتزم بالدرجة الأولى بما يحصل عليه من معلومات من الجهات التي تحارب، لأنها هي المسئولة في النهاية عما يحدث، ثم يحاول أن يقدم تحليلا وتفسيرا لما يحدث على الأرض من خلال من يعرفون حقا ما يدور، وليس من خلال حزب الإفتاء السياسي، الذي يتحدث دون أن يعرف حتى أن هناك شيئا يحدث على الأرض.
إننى لا أبارك خداع الناس بغير الحق، لكنى لا أبارك أيضا أن يساهم الإعلام المصرى في تحقيق نصر معنوى للجماعات الإرهابية، لأن النصر المعنوى يعقبه نصر على الأرض.
يقولون إن الإعلام أذى، أوافق من يقول ذلك في جانب واحد، عندما يفقد وعيه فيتحول إلى أداة هدم.
لكن حتى أصدقكم القول فأنا أرى الإعلام جوادا جامحا لا يستطيع أحد أن يسيطر عليه إلا إذا قمعه، وفى هذه الحالة لا يصبح إعلاما ولكن يتحول إلى مجرد خصى في بلاط السلطان... فلا تجعلوا من الإعلام خصيا، امنحوه فقط فرصة أن يكون في قلب المعركة الحقيقية للوطن... لا تحملوه كل أخطائكم... ولا تستبعدوه فتخسروه.