الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

أدب الحروب.. الحياة بسلام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الفن يأتي من المنطقة الباردة في قلوب مبدعيه، ولكن.. في حياتنا نمر بأزمات وعديدة وأحيانًا هذه الأزمات تتجاوز هذا المصطلح، وتصل به إلى الكارثة، وقد تعرضت البشرية إلى أهوال وكوارث عديدة، ولكن الإنسان أحيانًا يصبح أكبر كارثة تهدد بقاءه على هذه الأرض.
صنع الإنسان على مدى تاريخه البشري العديد والعديد من الكوارث كان آخرها الحرب العالمية الثانية، والتي يحتفل فيها العالم بمرور الذكرى السبعين على هذه المأساة.
أيما احتفال بذكرى خلفت وراءها مقتل أكثر من خمسة وخمسين مليون إنسان، ونساء ثكلى وأرامل وأيتام، وتهجير قسري لأسباب عرقية ودينية، ونسى العالم في لحظات أمام تدوين سطور النصر في كتاب التاريخ أن الأصل هو الإنسان، وأن الخطوط العنصرية بجميع أشكالها تتماهى لأن الرصاصة القاتلة لا تفرق بين المسلم والمسيحي.
وبعد مرور السنين أصبحت الحروب تاريخا وبردت هذه المنطقة في قلوب المبدعين، بعد أن كانت ملتهبة، فكان "أدب الحرب" هو أدب الدفاع عن الحياة.
ومن بين الدول التي عاشت ويلات الحروب خرج علينا كتاب ومبدعون يكتبون عن وجهة نظرهم، ينتصرون للإنسانية، وليس للحدود الإقليمية الفاصلة بين الدول، ولكن الملاحظة الغريبة في الأمر أن كل هؤلاء الكتاب ينتمون إلى دول عاشت الحروب سواء كانت منتصرة أو مهزومة، تملكهم الإحباط واليأس بين سطور كتاباتهم، رافضين الحياة وسط هذا الدمار.

ففي ألمانيا يتناول أدب ما بعد الحرب تجارب الأمة تحت الحكم النازي وفي الحرب، فقد ركز كارل تسوكماير، في مسرحيته جنرال الشيطان على الماضي النازي عندما حلل الصراع بين الضمير والطاعة لدولة فاسدة أخلاقيًا.
ويعتبر كل من فريدريتش دورينمات وماكس فرتش السويسريين من أبرز المسرحيين الذين كتبوا بالألمانية. وإضافة إلى هذين، هناك روولف هوخهوت وبيتر فايس في مجال المسرحية.
أما في الرواية الألمانية الغربية بعد الحرب فإن أبرز الأسماء هي هاينرش بول، وجونتر جراس، وزجفريد لينتس، ومارتن فالسر.
ويتناول الفن القصصي في مجمله الدَّمار الروحي والدَّمار المادي الذين تسببت النازية فيهما، وتعتبر رواية طبلة الصفيح التي كتبها جونتر جراس أقوى مثال لهذا الموضوع.
وقد أسهم العديد من كتاب ما بعد الحرب مثل بول وجراس في قيادة الأدب الألماني اليوم، وتغطي فترة حياة بطلة رواية بول صورة جماعية مع السيدة فترة ما قبل الحرب إلى 1970م.
وقد أبدى كتاب ألمانيا الشرقية في العصر الحديث وقبل اتحاد الألمانيتين، اهتمامًا متزايدًا بعلاقة الفرد بالدولة، ومن ألمع كُتَّاب ألمانيا الشرقية سابقًا هو أولريش بلندسدورف.
اتحدت الألمانيتان الشرقية والغربية، وبدأ أدباء ألمانيا الشرقية السابقة في التعبير عن التجربة التي مارسوها عندما كانت الشيوعية تسيطر على المجتمع والحكومة معًا.
فقد حاول ولفنجانج هيبيج وأريخ لويست ومونيكا مارون وكريستا ولف مصالحة الماضي في رواياتهم ومقالاتهم وسيرهم الذاتية.

أما أدباء ألمانيا الغربية ومنهم جنتر جراس ومارتن ولسر، فقد أسهموا بفاعلية في الكتابة عن المشاكل التي صاحبت تقسيم ألمانيا ثم اتحادها والحقبة التي تلت الاتحاد.
وفي إنجلترا تغير الأدب والشعر والفن القصصي، حيث تغير الشعر الإنجليزي في كل من الشكل والمضمون بين نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، واندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939.
لقد ترك الدمار المخيف للحرب العالمية الأولى العديد من الناس بإحساس أن المجتمع قد انتهى؛ وقد لخص تي.إس.إليوت يأس هؤلاء قي قصيدة الأرض اليباب (1922) التي تعتبر من أكثر أشعار هذه الفترة تأثيرًا.
بينما عبّر كل من و.هـ. أودين، والسير ستيفن سبَندر، وسسيل داي لويس في أشعارهم عن أفكار في السياسة والدين غاية في التحرر، وقد انتقد الثلاثة الظلم الذي رأوه في مجتمع تفتقد فيه المساواة والأصالة.
أما الفن القصصي بين الحربين، ربما كان دي. إتش. لورنس أشهر روائي الفترة ما بين عامي 1910 و1930م؛ كتب عن العلاقة بين الرجال والنساء في رواية نساء عاشقات (1920م)، وروايات سير ذاتية أخرى.
ووصف فورد مادوكس فورد التغيرات في المجتمع الإنجليزي بعد الحرب العالمية الأولى في سلسلة من أربع روايات سماها نهاية الاستعراض (1924- 1928م).
ظل بعض الكتاب ينتجون أعمالًا مهمة بعد الحرب العالمية الثانية تستكشف المستقبل وعوالم ومجتمعات بديلة.
بدأ جورج أورويل كتابته الأدبية في الثلاثينيات من القرن العشرين، وأشهر رواياته هي رواية 1984 التي ظهرت عام 1949م، تصور هذه الرواية المخيفة مجتمعًا مستقبليًا يشوه الحقيقة ويحرم الأشخاص من التمتع بحياتهم الخاصة.

وفي الخمسينيات من هذا القرن عبرت مجموعة من الكتاب الشباب عن عدم رضاهم عن سياسة وثقافة وأدب إنجلترا، وُصف هؤلاء الشباب، بالشباب الغاضبين، كان من بينهم الكاتب المسرحي جون أوزبورن والروائي جون برين، وتصف مسرحية أوزبورن انظر وراءك في غضب (1956م) احتقار شاب من الطبقة العاملة لنظام الطبقات الإنجليزي. وفي غرفة على السطح (1957م) يصور برين بطلًا طموحًا من الطبقة العاملة لا يحترم نظام حياة الإنجليز التقليدية.
كتب عدد من الكتاب عن التغيرات في المجتمع الإنجليزي. فقد كتب السير تشارلز بيرسي سنو سلسلة من إحدى عشرة رواية سماها غرباء وأشقاء (1940- 1970م) عن تغييرات في نمط الحياة في الجامعات والحياة السياسية.
وكتب أنطوني بأول سلسلة من اثنتي عشرة رواية تدعى الرقص المصاحب لموسيقى العصر (1951- 1975م) عن حياة الطبقة المتوسطة في فترة ما بعد الحرب.
أما في أمريكا فقد كان الأديب هيمنجواي خير دليل على أدب الحروب حيث اصيب في الحرب العالمية الأولى، وشهد الحرب الأسبانية، وكذلك الحرب العالمية الثانية.
دخل همينجوي معترك الحياة المهنية مبكرًا، حيث عمل صحفيًا بجريدة "كنساس ستار"، ثم متطوعًا للصليب الأحمر الإيطالي 1918م، في أواخر الحرب العالمية الأولى، وما بين عامي 1936 و1938 عمل مراسلًا حربيا لتغطية الحرب الأهلية الأسبانية، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك، بل دخل الحرب ضد النازيين والفاشيين، ودخلت أيضا معه زوجته الثالثة مارتاجيلهورن مراسلة على الجبهة الروسية الصينية 1940م، وكانت هذه السنة علامة فارقة في أدب همينغوي حيث نشر (لمن تقرع الأجراس) لتحقق نجاحًا خارقًا وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى لنشرها، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 ألف دولار وكان رقما قياسيا وقتذاك.
لقد عكس أدب همينجوي تجاربه الشخصية في الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الأهلية الأسبانية.

لم يختلف الأمر كثيرًا في مصر، لأنها كانت تخضع للحماية الإنجليزية، تأثر المناخ العام بظروف الحرب العالمية الثانية، وبالتبعية تأثرت الكتابة.
دارت المعـارك على أشـدها في الصـحراء الغربية، وتطورت الأحوال بسرعة.. الإنجليز وحلفاؤهم يتراجعون ويفرون أمام ضربات روميل القاصمة وهو يزحف في الصحراء.
كانت كل الدلائل تشير إلى انهزام إنجلترا، انقلبت السينمات في الظلام إلى مواخير بسبب الحرب، وذهب العمال ليعملوا في الجيش البريطانى لزيادة أجورهم والكل يجرى وراء المال.
وطـالت الحـرب واستولى اليأس على النفوس، وسئم الناس من كل شىء، وخيم الظلام وطال الفقر والجـوع ونقمة المواطنين على التموين، وكان الخبز يختفى ثم يظهر أسود كالطين، ومع ذلك كان الناس يأكلون، ولم يكن المصريون قد اشتركوا في الحرب أو كان لهم بها شأن ولكنهم اكتووا بنارها، وسقطت عليهم القنابل، وجاعوا وتعذبوا بسببها، وخرجت كتابات كثيرة تعكس هذه الفترة يأتي أولها زقاق المدق الكاتب العالمي نجيب محفوظ، التي تناولت أحداث الحرب العالمية الثانية بشكل صريح، وتدور أحداثها في أحد الأزقة المتفرعة من حارة الصنادقية بمنطقة الحسين بحي الأزهر الشريف بالقاهرة، في فترة الأربعينيات، والحرب العالمية الثانية وتأثيرها على المصريين، والتي تمثلت في البطلَة "حميدة" التي انتهت حكايتها بين أحضان الضباط الإنجليز، ومقتل عباس الحلو "خطيبها"، الذي مات مقتولا على يد الضباط الإنجليز.
وحولها المخرج "حسن الإمام" لفيلم سينمائى، حيث غير موضع الرواية، وانتهت بمقتل حميدة بدلًا من عباس الحلو، كما تم تحويل الرواية إلى فيلم آخر في المكسيك عام 1995 باسم El callejón de los milagros أو Midaq Alley.

أما الكاتب "إبراهيم عبدالمجيد"، فاستحضر مناخ الحرب العالمية الثانية في روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية"، حيث استطاع أن يمزج بين وقائعه الموثقة، وطبيعة الصراع الاجتماعي في الرواية، ليرصد من خلالها فكرة الحرب في المدينة نفسها، وتأثيرها على الأشخاص، ورصد تحولات شبكة الصراع، ونظرة الأشخاص لواقعهم، ومصائرهم وسط غبار هذه الحرب.
وفي النهاية حين يحمل الإنسان السلاح حينها فقط لن يعرف المسلم أنه سوف يختص بالجنة دون المسيحي، وأن المسيحي ليس على صواب أكثر من البوذي الجميع يتجرع العلقم الذي صنعناه بأيادينا.
المنتصر فقط في الحرب هو من حصل على حق تسطير حروف التاريخ، والأجيال المتعاقبة عليها دراسته، وتدريسه أيضًا.
ولكن في الحقيقة فإن أدب الحروب هو من انتصر وانحاز إلى الإنسانية، وعرض في تاريخه وبين سطوره أدق تفاصيل أبطاله الذي تأثروا بظروف حرب لم يصنعوها، ولكن وجدوا نفسهم وقودًا لها، حين تطلب المزيد، تلتهم الملايين.