السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

على باب "بنات النبي".. بالشكوى شدوا الرحال

يا طبيب الروح تعالى.. الكشف مجاني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كنت من عشاق الراديو بشكل أو بآخر، اذهب بمؤشر المحطات فجرا لإذاعة القرآن الكريم، ركز جيدا وأنت تستمع لشعائر صلاة الفجر، وعندما يتجلى المبتهل عشقا في رسول الله وآل بيته ستجد الشيخ جمعة الكومى يناجى السيدة زينب، والحب يتملك جوارحه: «علشان خاطر الرئيسة المشيرة الكريمة العظيمة ستنا السيدة زينب».. حقيقة ليس «الكومى» وحده يذوب عشقا في آل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل يفتح الباب أمام حكاية غرام المصريين خلف أضرحة أحفاده وبناته.
هل تتذكر صوت الشيخ العربى فرحان البلبيسى؟! وساعة المديح التي انتشرت بشكل كبير نهاية تسعينيات القرن الماضى «قصدت بابك»، لن تجد غيرها تطاردك أثناء زيارتك لضريح نفيسة العلم وكريمة الدارين، السيدة نفيسة بنت الحسن حفيد رسول الله، في هذه اللحظة ستجد قلبك يرسل أنات خفيفة تدغدغ مشاعرك حبا في رسول الله وآل بيته، وبالقرب من «المقام» سينتعش كل ما هو روحانى بداخلك، وتفتح أمامك طاقات نورانية لا آخر لها.
«البوابة» في زيارة خاصة لـ«أضرحة السيدة زينب وفاطمة النبوية ونفيسة وعائشة».. «نظرة ومدد يا ست»
«يا كريمة يللى مقامك حلو ومنور.. والقطب واقف على بابك وبيشاور بإيده شمع الجلالة للعاصى بينور.. بيثبت اللى انصلح وبيعدل اللى مال.. واللى تحبه الكريمة مجلسه منور».. بالشكوى شدوا الرحال إلى «ماما الكريمة أم هاشم»، السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب، هكذا يطلق عليها عشاقها، ويرتلون أمام مقامها أبياتا شعبية هادئة ومرتبة يصاحبها بكاء خفيف ونحيب مكتوم لا يخلو من لذة الخشوع أثناء التمسح بأسوار الضريح وطلب «النفحات».
الصندوق الحديدي للمقام، ستجده كبيرا له فتحة علوية تسمح بمرور النقود، ضع أموالك في صمت، وبعدها أقرع على الصندوق ثلاثة مرات، وقتها تخرج عليك الحاجة «زينب»، إحدى المتطوعات التي تجلب قوت يومها مقابل ماء «المورد» الذي توزعه على المبتهلين والمصلين والمتمسحين في أسوار المقام، حاملين أطفالهم وذويهم، فالجميع أمام الضريح لا يفترقون إلا لإفساح الفرصة لغيرهم من الزائرين، وتلك هي مهمة عم «عبدالصبور» موظف وزارة الأوقاف، حارس مقام «السيدة زينب» الهمام كما يلقبه الزائرون، الرجل أيضا يدخل ضمن مهام عمله، تنظيم عملية الدخول والخروج، وفض اشتباكات الزحام. صاحب الـ٥٥ عاما، قضى أكثر من ١٥ عاما في تلك الوظيفة باغيا مرضاة الله، وخدمة مقام حفيدة النبى -صلى الله عليه وسلم- وآل البيت، فدائما تجده يحذر النساء: «كل واحدة تخلى بالها من شطنتها كويس»، دقائق أخرى ويتشاجر معهن لاعتراضه دخولهن بالحذاء، طالبا تركه بالأمانات في البهو الذي يسبق الدخول إلى المقام.
وعن الأموال المسلسلة بالحديد داخل الصندوق الحديدى المواجه للمقام، قال: وزارة الأوقاف تصطحب كل عام كاميرات وسيارات كبيرة لحمل الأموال من الصندوق، والزيارة تكون بعد صلاة الفجر وحتى الثامنة صباحا.
ومن داخل المقام مرة أخرى، ذلك الجزء المقتطع مساحته من المسجد ولا تتعدى مساحته بضعة أمتار، وقفت عائلة هندية قادمة من الكويت بدا على ملامحهم التعود على زيارة المكان، تحدثوا إلينا بالإنجليزية، واصفين زيارتهم للمقام بالزيارة السعيدة، ورفضوا التقاط أية صور داخل المقام، وظلوا منصتين إلى الحاجة «مريم» مداحة الرسول، كما أطلقت على نفسها، وهى تنشد بصوت عذب: «يا ست يا سيدة والنور على بابك.. صبحت قتلا الغرام واقفين على بابك.. يا ست يا سيدة واقفين على بابك وحياة سيدنا الحسين نظرة لأحبابك»، لحظات وتقاطعها «حنان» ذات الوجه المتجهم والعباءة المهلهلة السوداء لتحذر النساء من الزج ببعض النشالين واللصوص مستغلين التكدس والزحام، وتقوم هي بفرض «نفحة» على الدخول والخروج من المسجد.
العشرات من الزائرات يعرفن بعضهن البعض من كثرة التردد على المقام، وما إن وصلت سيدة تحمل باقة كبيرة من الورود والكعك وأقراص الطعمية والبيض المسلوق وورقة مكتوبا بداخلها أدعية منسوبة للسيدة زينب، وقفن جميعهن لها، وكأنهن كن في انتظارها ليستقبلنها بالزغاريد وليلتقطن منها الطعام، ألقت «أم ميشو» كما يلقبونها بباقة الورد إلى الجانب الآخر حيث التقطه أحد الرجال القائمين على وضع أكاليل الزهور أعلى المقام، وبعدها توجهت إلى المقام واجهشت بالبكاء، وبصوت غليظ رددن خلفها: «حيوا الست زينب ابنة الكرام سلموا عليها أجمل السلام.. جيناكم جيناكم بنطلب رضاكم يا أهل البيت.. حماكم سلما وسلام.. زينب التقية طاهرة».
لأنهم يعرفون نسبها، وأنها حفيدة رسول الله، كان السؤال في حضرتها لا حدود له، والطلب أيضا ممدودا، عشاقها يسألونها البركة والتشفع لهم عند والداها، كل هذا وأكثر تجده في رحاب مقام السيدة فاطمة النبوية بسوق السلاح الذي يبعد عشرات الكيلومترات عن مسجد السيدة عائشة، فالمنطقة تميزها المنازل المهجورة التي تملك منها الفقر، وهناك تكثر المساجد الأثرية على جنبات الشارع حتى الوصول إلى سكة الحلوات التي تحوى مسجد السيدة فاطمة النبوية، ابنة سيدنا الحسن حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.
المسجد الكبير له مدخلان، أحدهما مواجه للمقام والآخر للصلاة داخل المسجد، هناك وقفت الحاجه فاطمة أبو القمصان تناجى ربها من أمام عتبته الرخامية الملحقة بأسوار المقام، كما أنها تطلق على نفسها لقب «عاشقة آل البيت»، نظرا لحبها الشديد لأحفاد النبي. أما الحاج شعراوي، جاء الضريح ممسكا بورقة الـ«الوِرد»، تلك التي يقرأ منها كل يوم جمعة من أمام جميع الأضرحة بالقاهرة قاطعا مئات الكيلومترات من محافظة القليوبية، حيث مسقط رأسه، دخل «شعراوي» وصل وسلم على الرسول وآل بيته بين عشرات الزوار.
زوارها فقط يعرفون جيدا مدى الحالة الروحانية التي تسكن روحك بمجرد اقترابك من مسجدها، خاصة يوم «الأحد» أو يوم «الحضرة»، كما يطلق عليه أحبابها، ففى هذا اليوم لن تدخل المقام طالبا إلا وخرجت مجبورا، لن تطلب الراحة وتخرج مهموما.. فالراحة تعرف طريقها لروحك جيدا في مسجد السيدة نفيسة، حفيدة مولانا على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
هي بنت الحسن حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، من كراماتها أنه كان في حياتها أمير ظالم، فطلب إنسانًا ليعذبه، فمر ذلك الإنسان بالسيدة نفيسة واستجار بها والجنود يمسكون به، فطلب منها الدعاء له، فدعت له بالخلاص من ذلك الظالم، وقالت: امض حجب الله عنك أبصار الظالمين، فمضى ذلك الرجل مع أعوان الأمير الظالم إلى أن وقفوا بين يديه، فقال الأمير لأعوانه: أين الغلام؟ فقالوا: إنه واقف بين يديك، فقال الأمير: والله ما أراه، فقالوا: إنه مرّ بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء، فقال الأمير: وبلغ من ظلمى هذا كله أن يحجب الله عنى المظلوم، فقال: يا ربّ إنى تائب إليك، فلما تاب ونصح في توبته رأى الرجل، فهذا لما صدق في توبته رأى الرجل أمامه، فقال للرجل: تعال إلى وقبل رأسه وألبسه ثيابًا ثمينة وصرفه من عنده، هذا ما وصفته لنا «رشا» خادمة المقام كما يلقبونها.
يقع ضريح السيدة نفيسة متوسطا لمقابر منتشرة على جنباته، ويقابله سور حديدى مثل كل الأضرحة، يقف المتضرعون إلى الله باكين طالبين العون والمدد. المسجد يلتف حوله العديد من المقاهى والمتسولين والباعة الجائلين، ينتظرون زوار الضريح حتى يحصلون على قوت يومهم، ومقام يتزين بالطرحة البيضاء كالعادة داخل أضرحة النساء.
السلام كله في رحابها، الدموع حولك والابتهالات والورود تلفك.. جميعها «نفحات» وعطايا يحملها زوار مقام السيدة عائشة، حفيدة على زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، طالبين شفاعة جدها رسول الله، صلى الله عليه وسلم. 
في ظل مقامها جلس متضرعا إلى الله، متكئا على أسوار المقام، باسطا يديه طالبا رزقه، رحلة أسبوعية يقضيها الحاج جمال أبو على حول أضرحة آل بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم. من أحب آل بيت رسول الله أحبه.. هكذا رد الحاج جمال على اتهامات بعض المتشددين بالشرك بالله، مؤكدا أن محبة آل البيت فرض على كل مسلم أيا كانت معتقداته.
صاحب الـ٦٢ عاما بعد أن مال برأسه وبدأ وصلة مديح في حب رسول الله وآل البيت، خاصة بعد أن تعالت التحذيرات كالعادة من خدام المقام للزائرين للانتباه إلى بعض السارقين المندسين بينهم.
من النسخة الورقية