الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 53 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونمضى لنتجول فى آخر حدائق جابر عصفور "للتنوير والدولة المدنية" وقد سبق أن حذرت من هذه الكتابة المحكمة التى تمنعك من اختصارها أو القفز فوق كلمات منها ، ولهذا أستأذن فى اجتزاء فقرات تقدم لنا درساً فى التجديد والليبرالية .
• لا تضاد بين كون المواطن ليبرالياً ومسلماً فى وقت واحد فالأول انتماء سياسى واختيار لنظرية اقتصادية أو اجتماعية لها علاقة بإدارة الدولة ، والثانى اعتقاد دينى مقره القلب والحكم فيه للعقل المؤمن بأركان الدين وقواعده . ويتبع ذلك الخلط بين الدينى المقدس والسياسى البشرى ، والأول يخضع لشعائر إلهية كلية ، ونصوص لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها ، وثانيها نسبى يصدقه البشر ويغيرونه حسب مصالحهم وأهوائهم وأهدافهم فنحن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدأً، ونحن أدرى بها لأنها متغيرة ونحن نملك قدرة تغييرها ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غداً ، وإيماننا بها حق مثل إيماننا بأصول ديننا التى تمايز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون" [صـ144] .
• وعن الفتاوى المتأسلمة يقول "يفتى من لا يعلم فيما ولو يعلم ، ولو كان هناك علم حقيقى أصيل بالإسلام لما جرؤ أحد على الفتوى بما ليس له به علم . [المرجع السابق]
• وعن دور الجامعة فى التنوير نقرأ "لا تزال الجامعة المصرية فى حال فاجع من التخلف فى البحث العلمى الحر. وفى الأوضاع العامة لسببين لما يتغيرا منذ البداية . أولاً : تدخل القوى المحافظة التى ترتدى مسموحاً دينيه خادعة ، تؤدى إلى خنق حرية الفكر والعلم باسم دين يدعوا إلى التفكير والتدبر وإعمال العقل . وثانياً : تدخل قوى الاستبداد السياسى التى لم تتوقف عن عرقلة عجلة التقدم فى الجامعة إلى أن وصلت ذروتها الكارثية الأولى عندما قام مجلس قيادة الثورة المباركة فى أعقاب أزمة الديمقراطية فى مارس 1954 بفصل أكثر من خمسين أستاذاً جامعياً من أفضل العقول الجامعية وأكثرها تأثيراُ واحتراماً للعلم" [صـ178] .
• "ثم كانت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التى أشاعت العنف والدروشة فى المجتمع ، وكرست المزيد من نزعات التواكل التى غذاها الجهل وسطوة الجماعات الدينية المتزايدة التى جعلت من الدين شكلاً بلا مضمون ، وشعائر قسرية توازيها دعوات العودة بعقارب الزمن إلى قرون من التخلف التى كنا نحسبها لن تعود ، ويحدث ذلك بعون غير مباشر من تعليم ضعيف وجهاز ثقافة وإعلام لا يقوى كلاهما على مواجهة تداعيات التخلف المتزايد فى كل مجال ، اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وفكرياً دينياً . وكانت النتيجة تخلف الذوق العام والخاص التى لم يسبق أن شاهدها المجتمع المصرى من قبل ، وشاع القبح الذى قضى على مظاهر الجمال ، والقذارة حلت محل النظافة فى الطرقات والميادين ومؤسسات النفع العام ، بل أصبحت القذارة تجمع بين العقول المنحرفة والأحياء العشوائية التى أصبحت قنابل قابلة للانفجار" [صـ179] ونمضى مع جابر عصفور فى رثائه لحالنا قائلاً "كنا منذ سنوات ليست بعيدة نسخر من عباس العقاد الذى بدأ ثائراً سياسياً ومجدداً ومتمرداً فى الأدب ، فإذا به ينتهى إلى رجعى سياسى ومحافظ أدبى ووصلت به المحافظة إلى رفض جيل المجددين من الشعراء الجدد فى الخمسينات .. صلاح عبد الصبور ، وفوزى العنتيل وكمال نشأت وأحمد عبد المعطى حجازى وكان يحيل شعرهم الى لجنة النثر فى المجلس الأعلى للثقافة والفنون للاختصاص . وكنا نتعجب من أقران لطه حسين فرضت عليهم قوى المحافظة التراجع عن الجذرية القديمة والتحول الى نزعة إصلاحية أكثر تلاؤماً مع الأحداث الضاغطة . فماذا يمكن أن نقول اليوم عن الأدباء والشعراء الذين سخروا من هجوم العقاد على الجديد فأصبحوا أكثر عداءً منه لكل جديد ، وأكثر محافظة وجموداً ورفضا للاختلاف ؟ وما أكثر الذين يتحدثون عن حق الاختلاف فإذا اختلفت معهم كنت عدواً رجيماً تستحق الاستئصال . وهذا طبيعى فى ثقافة يتخللها العنف من كل جانب ، ويهدد الإرهاب الدينى فيها كل تفكير حر ، وتتسلط الرقابة المباشرة وغير المباشرة على العقول المحرومة من حرية التفكير والإبداع .
ونمضى مع جابر عصفور فى جولة ممتعة فى حديقة ممتعة .