الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الموضوعية شرط التفكير العلمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الموضوعية خاصية من خواص التفكير العلمي، لا شك في ذلك، ولكننا كثيرًا ما نخلط بين الموضوعية والحياد، وينجم عن هذا الخلط أن نضطر إلى أن نُخرج من دائرة العلم والتفكير العلمي كل ما نلمح فيه "شبهة" الانتماء، الانتماء للدين أو للوطن أو للقومية أو حتى لاتجاه اجتماعي أو فكرى بعينه، فالعالم لكي يكون عالمًا بحق ينبغي أن يكون محايدًا، وضمان الحياد هو عدم الانحياز، بعبارة أخرى فإن على مَن يريد أن يلتزم بقواعد التفكير العلمي أن يجاهد نفسه فيُخلصها من كل ما هو عالق بها من شوائب الانحياز المتعلقة بالموضوع الذي هو بصدد دراسته وما الانتماء - فيما نرى - إلا صورة راقية من صور الانحياز، وما الإنسان – فيما نرى أيضًا - إلا كائن منحاز بحكم إنسانيته.
إن الموضوعية إنما تعني السعي لرؤية الموضوع كما هو عليه في الواقع دون أي إسقاطات ذاتية، إنها نقيض الذاتية التي تعنى بالمقابل السماح لمشاعرنا الذاتية بأن تتدخل في رؤيتنا للموضوع بحيث تحجب عنا ما لا نرتاح لرؤيته، ونضيف إلى الموضوع ما يسعدنا أن نراه، فلا نستطيع في نهاية الأمر أن ندرك موضوعًا بل مجرد أمانينا وأحلامنا وقد تجسدت كما لو كنا نراها رؤية العين، أما الانحياز فإن أمره مختلف تمامًا فيما نرى، إنه تلك الرابطة الانفعالية التي تجذبنا نحو موضوعات معينة نحبها فنرتبط بها، أو تدفعنا بعيدًا عن موضوعات أخرى نكرهها فننفر منها، وأنها الخاصية من خواص الإنسان: أن يحب وأن يكره، أن يقبل وأن يرفض، وهو في كلتا الحالتين إنسان مهتم بموضوع، أما إذا فقد الإنسان اهتمامه بموضوع ما، فإنه في هذه الحالة فقط يكف عن الانحياز حيال هذا الموضوع بعد أن فقد أهميته بالنسبة له.. الانحياز إذن هو قدر الإنسان حيال ما يعنيه من أمور، لا يستطيع منه فكاكًا، ولا يملك له دفعًا، إنه نقيض الحياد واللامبالاة، كما أن الموضوعية نقيض الذاتية والسؤال هو: ترى هل يمكن للمرء المنحاز أن يكون علميًا موضوعيًا في ذات الوقت؟ الإجابة نعم، وليكن مثالنا التوضيحي من مجال اهتمامنا مجال الطفولة، إن المرء يحب أطفاله وينحاز إليهم، دون أن يكره بالضرورة أطفال الآخرين أو يتحيز ضدهم، وليس من المتصور ولا من المطلوب أن يُخضع المرء مشاعره الانفعالية تلك لما يسمى بالمنطق البارد، ليس مطلوبًا منه أن يجيب مثلًا إجابة منطقية وصادقة في نفس الوقت على سؤال مثل لماذا تحب أطفالك بالذات؟ ترى هل يقف هذا الانحياز الانفعالي الواضح عائقًا حتميًا أمام محاولة أن ينظر المرء إلى أطفاله بموضوعية؟، لنتصور أن أحدنا قد امتحنه الله سبحانه وتعالى بطفل متخلف العقل، إنه طفله الذي يحبه وينحاز إليه، ولكن ذلك الانحياز لا ينبغي له أن يمنعه من إدراك طبيعة الإعاقة التي يعاني منها الطفل ومحاولة التعامل معها تعاملًا علميًا موضوعيًا، إنه يدرك في هذه الحالة أن طفله متخلف عن أقرانه من الأطفال، لا يستطيع ما يستطيعونه، إنهم أفضل منه موضوعيًا ولكنه الأقرب إليه انفعاليًا بحكم أنه طفله، إننا نشاهد يوميًا خلال ممارساتنا المهنية العديد من الأمهات والآباء يطلبون المشورة بشأن طفلهم المتخلف أو المعاق دون أن يحول بينهم وبين ذلك الموقف الموضوعي انحيازهم المعلن والمشروع حيال أطفالهم.. ولا يمنع ذلك من التسليم بحقيقة أننا قد نصادف أحيانًا من الأمهات والآباء مَن نجد صعوبة شديدة في تبصيرهم بأن طفلهم متخلف يحتاج إلى مساعدة مهنية متخصصة، وأنه ليس كما يتصورونه طفلًا عبقريًا أو حتى سويًا، إن المشكلة في هذه الحالة لا تكمن في انحياز الوالدين أو عدم انحيازهم، بل إنها تكمن في ذاتيتهم.
 خلاصة القول إذن أن الالتزام الصارم بالموضوعية العلمية لا ينبغي أن يقف حائلًا دون التمسك بانتماءاتنا، بل وانحيازنا لتلك الانتماءات سواء على المستوى الفردي أو الإقليمي أو القومي أو الديني؛ بل إن إبراز تلك الانتماءات والتعبير عنها صراحة يعد ضمانًا مشروعًا يقينا التردي في منزلق الذاتية وهي الخطر الرئيسي الذي يهدد الموضوعية.. إن إغفالنا للتمييز بين الموضوعية والحياد وكذلك بين الذاتية والانحياز، قد يعد مسئولًا بدرجة أو بأخرى عما تعانى منه بحوثنا بل وأنشطتنا - خاصة في مجال الطفولة - من تحاشٍ لتناول الموضوعات الأكثر أهمية وسخونة بدعوى أن انحيازاتنا حيالها تهدد موضوعية تناولها ومن ثم فإنها تخرج عن نطاق العلم الموضوعى.