الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هذه مسئولية السيسي نحو الخطاب الديني!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت إحدى أهم ركائز برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسي، في حملته الانتخابية، حديثه الواعي بشأن ضرورة تجديد الخطاب الديني وربطه ليس فقط بمكافحة التطرف والإرهاب، وإنما أيضًا بإعادة منظومة القيم والأخلاق.
ولا يزال الرجل يكرر دعوته لتجديد الخطاب وتطويره وتحديثه في كل مناسبة، لاسيما عند وقوع حوادث إرهابية تستهدف المدنيين أو العسكريين على حد سواء.
لكن يبدو أن الرئيس يُؤذّن في مالطة، ولا توجد أذن تعي دعوته رغم أن الكل قد سمعها، أو بالبلدي "خرمت طبلة أذن شيوخ وعلماء الأزهر والأوقاف"، فمنذ عقود سيّطر خطاب الإسلام السياسي على معظم علماء وشيوخ أزهرنا الشريف، مرتديًا عباءات مختلفة يدعي بعضها الحداثة والتنوير.
ولا أظن أن شيخ الأزهر نفسه أو وزير الأوقاف، لدى أي منهما الجرأة على القول بغير ذلك، ودليلي القاطع على هذه الحقيقة والمستوى المتدني الأخلاقي للمصريين الذي تدهور على مدار عقود بالتراضى مع تغلغل وشيوع خطاب الإسلام السياسي الذي حصر الأخلاق في الشكل، بينما لم يتصدى يومًا بالرشوة وفساد الضمائر والكذب والسرقة عيني عينك.
غير أن أخطر ما في هذا الخطاب هو فرضه تعريفًا لمصطلح التجديد يضمن استمرار هيمنته، حيث يذهب غالبية علماء الأزهر إلى تعريف تجديد الخطاب الديني بأنه إحياء لما هو قديم تحت دعوى إحياء فقه السلف الصالح، ويذهب البعض الآخر إلى تعريف التجديد بالمظهر الخارجي لمضمون الحديث ومقدمه، فظهر عندنا مَن يسمون بالدعاة الجدد مثل عمرو خالد ومعز مسعود والشاب مصطفى حسني وغيرهم الذين استبدلوا الجلباب والعمة والقفطان بالبدلة "سبور أو بيبيون" وأحيانًا بالتي شيرت والجينز، وهو ما انعكس على شكل المضمون باستخدامهم مصطلحات شبابية حديثة، ليقدموا بها نفس المضامين القديمة العفنة التي تفصل وجدان المواطن عن وطنه وتربطه بوطن آخر متخيل لا مكان له إلا في دعاة إحياء دولة الخلافة.
وفي المقابل حاربت المؤسسة الدينية الرسمية كل محاولات التجديد الحقيقية والتي تذهب إلى استحداث فقه جديد يناسب ليس فقط مستحدثات العصر التكنولوجية والاقتصادية وإنما أيضًا مفاهيم المواطنة داخل الدولة الوطنية الحديثة التي لم يعرفها المسلمون الأوائل.
ولا أظن أن خيرًا يُرتجى من داخل المؤسسة الرسمية "الأزهر الشريف" نحو تجديد حقيقي للخطاب الديني، فهي غالبًا تفتقد الشجاعة الكافية ليس فقط لتقديم اجتهادات فقهية جديدة إنما أيضا في رفض ونقض ما لا يتناسب مع العقل والمجتمع الحديث من فتاوى وفقه؛ لذلك تقع المسئولية كاملة على عاتق الدولة التي تسعى لبناء وطن حديث.
قبل ما يزيد على مائتي عام لم يجد محمد علي باشا، مجددين تنوريين داخل الأزهر الذي واجه شيوخه الاحتلال الفرنسي بالدعاء (يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف)، فعمل على انتقاء العناصر الشابة الباحثة عن طريق التجديد، فكانت البعثات التي أرسلها إلى فرنسا وعاد منها رواد التجديد والتنوير وكلهم من أبناء الأزهر.
اليوم، مصر مليئة بالمجددين والتنوريين من علماء الدين الإسلامي والمسيحي، والذين يمسكون بتلابيب المنهج العلمي للتفكير، ولن يحتاج الرئيس السيسي لإرسالهم في بعثات خارجية، كل ما هنالك ليس عليه سوى أن يختارهم وبقلب جريء لا يخشى لومة لائم ويشكل منهم لجنة دائمة مهمتها الوحيدة هي العكوف على البحث والدرس لتنقية القديم من العفن والرث وفتح طريق التحديث والتجديد دون أن تكون المذاهب الأربعة سقفًا يغلق على العقول المفكرة أبواب الاجتهاد .
وأتصور أن تلاميذ نصر حامد أبو زيد، كُثر ومثلهم من المعنيين بالخطاب المسيحي، فهو الآخر بحاجة إلى تحديث وتجديد يرفض نوازع التطرف والتشدد.
المبادرة يجب أن يأخذ بأسبابها رئيس الجمهورية، ولا ينبغي أن تُترك لمن غرقوا في ظلمات بحر الخطاب الإسلامي السياسي الذي كانت له ظلال بشكل أو بآخر على الخطاب المسيح .
أتصور أن هذا هو الدور الأهم للدولة إلى جانب أدوار أخرى ستتحقق طبقًا لنظرية الأواني المستطرقة، فعندما تؤتي السياسات والمشروعات الاقتصادية ثمارها بتغير الأوضاع الاقتصادية وتطورها يحذو فعلًا اجتماعيًا وثقافيًا ومعرفيًا يجعل المجتمع أكثر قابلية لأفكار الحداثة والتنوير.
وتلازمًا مع التطور الاقتصادي تتحمل الدولة مسئولية مكاشفة المجتمع بجميع الحقائق المرتبطة بجماعات العنف والإرهاب ومخططاتها العدائية التي تسعى للنيل من المواطن والدولة معًا.