الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشروع قناة السويس وحرب الفتاوى (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم تحالف كل القوى التي تنعت نفسها بالإسلامية ضد الدولة والرئيس، ورغم تآمرها على مستقبل مصر ومشروعِها القومي المتمثل في قناة السويس الجديدة وما ستحققه لمصر وأبنائها من خيرٍ وفير في المستقبل، وما تبثه في نفوسهم من أملٍ وتفاؤلٍ افتقدوه طوال السنوات الماضية المضطربة وسط الأنواء والعواصف التي ضربت مصر، رغم ذلك كله فإنني أقول إن الدولة المصرية والشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي والمؤسسة الدينية الرسمية المعتدلة قد حققوا نصراً غير مسبوق على الإسلاميين وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن الشعب المصري الواعي لم يُعر أدنى انتباهٍ لفتاوى الإسلاميين ضد شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة، وتدفقت الحشودُ بالآلاف على البنوك ومكاتب البريد لكى تبادر باقتناء هذه الشهادات ليس طمعاً في الفائدة العالية التي تحققها، ولكن رغبةً في الحصول على شهادةِ انتماءٍ لهذا الوطن، وشهادةِ حبٍ لقائده.
لقد كان ردُ فعلِ الشعبِ المصري مفاجئاً للجميع، سواءً للاقتصاديين أو الإعلاميين أو حتى مراكز الأبحاث الوطنية، لدرجةِ أن البعضَ قام بتقدير المدة التي سيتم تغطية مبلغ الـ60 ملياراً قيمة الشهادات في ثلاثةِ أشهر على أقل تقدير، فإذا بالشعب المصري العظيم كعادته يصنع المفاجأة بتغطية هذه الشهادات بمبلغ 64 مليار جنيه في ثمانية أيام عمل.
والغريب أيضاً أن يتواكبَ فتحُ بابِ شراء شهادات استثمار مشروع القناة مع انقطاع الكهرباء في معظم أنحاء البلاد، وهو ما عُرف بالخميس المظلم، إلا أنه رغم ذلك لم ييأس المصريون ولم يقنطوا، بل تدافعوا على البنوك وكانت حصيلة ذلك اليوم 8.5 مليار جنيه، وهو ما يمثل فاجعةً للإسلاميين بثقة الشعبِ في قائدِه على عكس ما كان عليه الحالُ أيامَ مرسي.
ثانياً: إن عدمَ التفات الشعبِ المصري لفتاوى الإسلاميين يُجَسِدُ ثقةَ الشعبِ المصري في دولته التي تم استردادُها بعد أن سرقها الإخوانُ وحواريوها بعد ثورة 25 يناير، وثقةَ الشعبِ المصري في قائدِه ورئيسِه عبد الفتاح السيسي. لقد كان إقبالُ الشعبِ على شراءِ شهادات القناة، وتلبيةُ نداءِ القائد بالمشاركة في هذا المشروع من أجلِ مصر بمثابةِ استفتاءٍ على شعبيةِ الرجل التي يزعم الإسلاميون أنها قلت بعدَ رفعِ أسعار الوقود وارتفاع أسعار بعض السلع، رغم أنهم كان يجب أن يدركوا أن هذه مجرد أوهام، وإلا كانت بعض فئات الشعب قد انضمت لهم في مسيرات
حركة "ضنك" الإخوانية التي تشكو من ارتفاع الأسعار بُغية المتاجرة بظروف المصريين الاقتصادية الصعبة. لقد آثر المصريون أن يتحملوا آلامَ الحاضر من أجل أن يستشرفوا آمالَ المستقبل، وهذا ما لا يفهمه الإسلاميون عن الشعب المصري الذي عاش منذ قديم ولايزال على ضفتي النيل وفي قلب الدلتا يغرس البذور وينتظر بعد شهور موسم الحصاد.
ثالثاً: انتصرت المؤسسةُ الدينية الرسمية المتمثلةُ في الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء على الإسلاميين في حربِ الفتاوى لأولِ مرةٍ على الأرجح منذ صعود هؤلاء الإسلاميين، ففتاوى الإسلاميين لم يتم السكوت عليها، بل إن التجاوب معها كان لحظياً بإصدار فتاوى مضادة تتسم بالوسطيةِ والعقلانيةِ والتجديد، وتُبينَ للناسِ ما أخفاه عليهم الإسلاميون من أمورِ دينهِم بغيةَ السعي لتخريبِ دُنياهم، وناشدت المواطنين استقاء الفتاوى من الجهات المنوطة بالفتوى، كما ساهم العاملون بالأزهر ووزارة الأوقاف في شراءِ حصةٍ من الشهادات ليقطعوا الطريقَ.
على من يُفتي بحُرْمَةِ هذه الشهادات، كما تم فرضُ سيطرة وزارة الأوقاف على بعض المساجد التي يسيطر عليها أصحابُ الفكرِ المتطرف.
رابعاً: وفي النهاية يمكن القول إن الدولةَ المصرية قد انتصرت أيضاً في معركةٍ مهمةٍ مع الإسلاميين الذين تعودوا تحقيقَ الانتصار على الدولة بحُجَةِ أنهم هم القائمون على الدين وهم الذين يمثلون الإسلام، وهو أمرٌ نجحت الدولةُ في إثبات خطئه في أول مواجهة حقيقية من هذا النوع.
إن معركة فتاوى شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة ربما تكون معركةً لم يشعر بها كثيرون ولكنها معركةٌ مهمة ومواجهة نوعية قامت بها الدولة والشعب المصري والمؤسسة الدينية الرسمية وانتصروا فيها انتصاراً ساحقاً على الإسلاميين وفتاواهم المُغرضة، ولكن يجب أن نعلم جميعاً أن الانتصار في هذه المعركة لا يعني أننا كسبنا الحرب؛ فحربُ الفتاوى لا تزال مستمرة، وسيعاود الإسلاميون الكرةَ علينا في مواقعَ أخرى، ويجب أن نكون مستعدين لها.