الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (18)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وفيما كان الاستعداد يتعثر لعقد مؤتمر الخلافة .. كانت المنافسة على أشدها . وعندما أعلن علماء ومشايخ فلسطين مبايعة الأمير حسين بن على ، خليفة أسرعت الأهرام لتؤكد وبوضوح “,”رأى جلالة الملك ورأى الحكومة ورأى العلماء أن يكون ملك مصر خليفة“,” [الاهرام – 21 – مارس – 1921] ويؤكد أحمد شفيق باشا “,”ورغم الحرص على الكتمان فقد ساهم القصر الملكى فى مصر فى نشاط لجنة المؤتمر الاسلامى الذى دعى لاختيار الخليفة“,” [أحمد شفيق باشا – حوليات مصر السياسية – الحولية الأولى- صـ133] وأندفع علماء الأزهر فى ذات الطريق .وأصدرت لجنة المؤتمر نشرة باسم “,”المؤتمر الاسلامى“,” صدر عددها الأول فى ربيع الأول 1343هـ [أكتوبر 1924] وكانت الافتتاحية بقلم رشيد رضا وأكد فيها “,”أن نصب الامام واجب على الملة فى هذا الزمان كغيره من الأزمنة“,” [المؤتمر – العدد الأول – ربيع الأول 1343هـ] . ويمضى رشيد رضا وبلا حدود مؤكداً “,”إن جميع المسلمين آثمون بعدم نصب إمام تجتمع كلمتهم عيه بقدر طاقتها . ذلك أن الجماعة التى أمرنا بإتباعها لا تسمى جماعة المسلمين إلا إذا كان لها إمام بايعته باختيارها وامام المسلمين هو رئيس حكومتهم السياسية“,” [المنار – ابريل 1925] . وعلى أية حال تعثر المؤتمر ، ثم تأجل انعقاده ، ثم عقد فى 13 مايو 1926 هزيلاً فقد حضره 34 شخصاً وبعضهم حضر بصفة شخصية“,” [المقطم – والسياسة – 14 مايو 1926] . وكانت نكسة كبيرة لطموحات الملك فؤاد وأصدر المؤتمر بياناً قال فيه “,”إن الخلافة الشرعية المستجمعة لشروطها المقررة فى كتب الشريعة الغراء والمتمثلة فى الدفاع عن حوزة الدين فى جميع بلاد المسلمين وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها لا يمكن تحقيقها بالنسبة للحال التى عليها المسلمون الآن“,” . وكان هذا الفشل أحد أسباب الهجوم العنيف والمتواصل على الشيخ على عبد الرازق والحقيقة أن الإطاحة بالخلافة التركية قد خلق “,”تداعيات ذات طبيعة زلزالية . فكثير من علماء المسلمين أعلنوا صيحاتهم استنكاراً ، والآخرون الليبراليون استحسنوا ، والغرب أعتبرها قفزة هائلة“,” .
[H.A.R Gibb – wither islam - (1932) – p.316]
وتصدر المقتطف عدداً على غلافه صورة أتاتورك وتحتها “,”أكبر زعماء العصر“,”[المقتطف - ابريل 1926] .. وفى خضم المعركة وعملية الإعداد للمؤتمر ، فجر الشيخ على عبد الرازق قنبلته المدوية “,”الإسلام وأصول الحكم“,” . والشيخ على عالم ليبرالى عضو بهيئة كبار العلماء وفوق ذلك درس الأدب العربى والفلسفة فى جامعة فؤاد [القاهرة] ثم درس فى أكسفورد علم الاقتصاد . وجاء كتابه حاسماً “,”فالحكم والحكومة والقضاء والإدارة ومراكز الدولة هى جميعاً خطط دنيوية صرفة لا شأن للدين بها ، فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا أمر بها ولا نهى عنها ، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب العقل وقواعد السياسة“,” [على عبد الرازق – الإسلام وأصول الحكم – صـ102] و “,”كل ما جرى على لسان الرسول من ذكر للإمامة والخلافة والبيعة .. إلخ لا يدل على شئ أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكم قيصر“,” [صـ16] . والصراع على الخلافة كان وظل دوماً صراعاً سياسياً وهو تعبير عن شهوة الحكم التى جعلت الخلافة لا تقوم إلا على القهر والاستبداد والظلم . وإذا كان فى الحياة الدنيا شئ يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغى فذلك هو مقام الخلافة“,” [صـ28] ثم “,” إن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذى يسميه الفقهاء خلافة ، وأولئك الذين يسميهم الناس خلفاء فليس من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا ، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد“,” [صـ36] ويفرق الشيخ بين ولاية الرسول وولاية الحاكم “,”فولاية المرسل إلى قومه ولاية روحية منشؤها أيمان القلب وخضوعه خضوعاً صادقاً تاماً يتبعه خضوع الجسم ، أما ولاية الحاكم فهى ولاية مادية تعتمد على إخضاع الجسم من غير أن يكون لها بالقلب اتصال“,”[69] ثم يوجه الشيخ سؤالاً حاسماً هو “,”هل كان الرسول ملكاً أم رسولاً فقط؟ ويجيب “,”إن القرآن صريح فى أن محمداً (صلعم) لم يكن إلا رسولاً خلت من قبله الرسل ، ثم أن القرآن بعد ذلك صريح فى أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن من عمله شئ غير إبلاغ رسالة الله تعالى إلى الناس بما جاءهم به ، ولا يحملهم عليه“,” ثم يمضى مشيراً إلى أن الرسول لم يعين من بعده خليفة ، والى أن كل الذين تزعموا المسلمين من بعده ومن بينهم الخلفاء الراشدون كان زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية . وكيف أن أبا بكر هو الذى أطلق على نفسه لقب خليفة وأن بيعته كانت ثمرة إتفاق سياسى ، ومن ثم فإن حكمه لا علاقة له بفكرة الدولة الدينية .
والحقيقة أن معركة الخلافة فى هذه الفترة الحاسمة بالذات قد أثمرت أربعة كتب تستحق جميعاً أن تُقرأ وأن تدرس دراسة متعمقة ليس فقط فى إطارها الفكرى وإنما فى الإطار المجتمعى الذى نبتت فيه . ومن هذه الكتب الأربعة كتابان متحمسان أشد الحماس لفكرة الخلافة أولهما لمحمد رشيد رضا “,”الخلافة أو الإمامة العظمى“,” [1923] والثانى لمصطفى صبرى توقادى “,”النكير على منكرى النعمة من الدين والخلافة والأمة“,” [1924] واثنان معارضان لها هما “,”الخلافة وسلطة الأمة“,” وقد صدر باللغة التركية لمؤلف مجهول وترجمة الى العربية عبد الغنى بك سنى [1924] و “,”الإسلام وأصول الحكم“,” لشيخنا على عبد الرازق [1925] . لكن أخطر هذه الكتب وأكثرها إثارة للجدل منذ صدوره وحتى الآن هو كتاب الشيخ على عبد الرازق . والحقيقة أن متابعة صحف ومطبوعات ووثائق فترة ما بعد صدور هذا الكتاب توضح لنا أنه أحدث زلازلا ربما كان الأكثر خطراً من أى كتاب آخر صدر فى القرن العشرين . وذلك أن مؤلفه جعل منه ليس مجرد أداة فقهية راقية وإنما معولاً سياسياً أسقط به فكرة الخلافة من جذورها وفى الوقت الشديد الحساسية أى قبيل إنعقاد مؤتمر الخلافة الذى دعا إليه شيوخ أزهريون إرضاء للملك فؤاد .
وتستحق هذه التداعيات أن نتعلق ببعض منها لنعلق عليها .